هل المطلوب اليوم هو أن يحارب المسلمون بعضهم بعضا في سوريا وغدا مع إيران حتى آخر مسلم وآخر بترودولار؟
د. عبد الحي زلوم
كتب Jonathan A. Greenblatt الرئيس التنفيذي لإحدى أقدم وأشهر المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة وهي (مؤسسة مناهضة التمييز Anti-Defamation League) بتاريخ 12/4/2018 في جريدة الواشنطن بوست مقالاً بعنوان: (لا تتجاهلوا عداء جون بولتون و مايك بومبيو للإسلام) جاء فيه: “بالإضافة إلى الرئيس الأمريكي فإن أهم منصبين يقرران السياسة الخارجية الأمريكية هما منصب وزير الخارجية و منصب مستشار الأمن القومي. فبالإضافة إلى ضرورة امتلاك من يشغل هذين المنصبين أن يمتلكا مؤهلات عديدة ومنها نظرتهما الموضوعية إلى الدول والشعوب الأخرى فمن المثير للدهشة أن الاثنين اللذين اختارهما الرئيس ترامب كانا شخصين لهما تاريخ وعلاقات ارتباط مع أشخاص ومؤسسات تدعو إلى كراهية الإسلام والمسلمين .” يستطرد المقال بدعم حقد بولتون وبومبيو على الإسلام والمسلمين بسلسلة من الحقائق الدامغة . وللعلم فإن الواشنطن بوست تمتلكها عائلة يهودية صهيونية .
*
ـ منذ أن استولى المحافظون الجدد على السلطة في الولايات المتحدة في بداية هذا القرن مع إدارة جورج دبليو بوش تمّ إعلان مبدأ بوش الذي يقول بأن مبادئ الامبراطورية الأمريكية بأكملها السياسية والاقتصادية والاجتماعية هي مبادئ عالمية صالحة لكل زمان ومكان . وأن على الدول الاختيار بأن تكون مع هذه السياسة أو ضدها والويل والحروب لمن يقف في طريقها . ولقد حدد المنظرون الصهاينة أمثال برنارد لويس أن أنظمة الإسلام وروحه تتناقض مع مبادئ وروح المبادئ الأمريكية وتقف في طريق عولمتها والطريق للهيمنة الأمريكية وبذلك تتناقض مع نص وروح مبدأ العولمة والهيمنة كما نص عليها مبدأ بوش. وبذلك تمّ التخطيط لحروب إرهاب أعطوها الاسم المستعار الحروب على الإرهاب وأرادوها حروب أجيال ضد المبادئ الإسلامية نصاً وروحاً .
ـ دول الشر التي حددتها الإمبراطورية الأمريكية كانت جميعها مسلمة عدا (كوريا الشمالية( فبدأت الحروب على أفغانستان ثم العراق ثم سوريا وبدأ مخطط تفتيت الدول الإسلامية عبر ما أسموه الربيع العربي وتم افتعال الخلافات المذهبية والطائفية والاثنية والعرقية عبر وسائل حديثة تستعمل ثالوت المال والإعلام والتسويق كقوى ناعمة واستعمال الحروب والفتن كلما لزم ذلك
ـ تم الطلب من وزارات التعليم والثقافة في الدول الإسلامية أن تُعدِل مناهجها وتحذف من تلك المناهج ما تراه لا يتناسب مع حضارتها ليصبح هناك (إسلام أمريكي حسب الطلب) .
ـ بلغت العلانية والوقاحة بمحاربة الإسلام أن نشرت 300شخصية فرنسية بمن فيهم رئيس جمهورية سابق ورئيس وزراء سابق مطالبين بحذف آيات من القران الكريم لا تعجب صهاينتهم كما جاء في صحيفة«لوباريزيان» بتاريخ 22/4/2018 .
ـ فهل هناك مايسترو ينسق ما بين العلانية في محاربة الإسلام ما بين الولايات المتحدة وأوروبا ؟
ـ هل نستطيع هنا أن نقول أن المتحالفين من المسلمين مع سياسة ترامب الإرهابية ضد الإسلام يسيرون إلى حتفهم كتنابل السلطان وسيكونون أول الضحايا ؟
ـ أن النزاع كما سنبين أدناه هو ليس بين الأديان وإنما لسحق الحضارة الإسلامية والتي يقولون أنها عالمية لكنها تقف في طريق عولمتهم وأحاديتهم وهذا هو بيت القصيد . فالنظام الإمبراطوري الأمريكي يتنافى مع سائر الأديان التي تدعو للعدل والتسامح والسلام لا إلى الظلم والعنصرية والعبودية والحروب.
ـ وصف بابا الفاتيكان فرانسيس نظام واشنطن في خطابه بتاريخ 9/7/2015 في سانتا كروز ، بوليفيا قائلاً: ” نحن بحاجة إلى التغيير، بل نحن نريد التغيير بل أنا أصر أن نقولها بدون خوف وبأعلى صوت: نريد تغييراً حقيقياً في هيكلية النظام الحالي . إن النظام الحالي أصبح لا يطاق . نحن بحاجة إلى تغيير النظام على مستوى العالم حيث أن الترابط بين الشعوب في عصر العولمة بحاجة إلى حلول عالمية.”! أنا أرى أن ما يدعو إليه البابا فرانسيس يتطابق تماماً مع روح الإسلام والذي يعتبر العدل أساس الملك .
*
قد لا نبالغ إذا قلنا أن برنارد لويس كان المُنظر لحرب الإرهاب على الإسلام تحت شعار “الحرب على الإرهاب” وكان الأب الروحي للمحافظين الجدد من الصهاينة اليهود والمسيحيين وكان من أبرز دعاة الحرب على العراق وتفتيت دول سايكس بيكو إلى دويلات اثنية وعرقية .وَصَفَهُ ديك تشيني نائب الرئيس جورج دبليو بوش بأنه المعلم وصاحب الفضل في إستراتيجيتهم وذلك في حفل لتكريم لويس في the American Enterprise Institute)).
عندما أصبحت الولايات المتحدة هي إمبراطورية العصر انتقل الصهيوني برنارد لويس من موطنه في بريطانيا إلى الولايات المتحدة . كان من أوائل من نظر بحتمية الصراع بين الحضارة الياهوبروتستانتية (الانغلوساكسونية) وبين الإسلام وكان أول من استعمل مصطلح (صراع الحضارات) والذي استعاره صامويل هنتنغتون عنواناً لكتابه لاحقاً .
ولعل صامويل هنتنغتون قد كان صريحاً وواضحاً كما جاء في كتابه ” صراع الحضارات”: “إن المشكلة بالنسبة إلى الغرب ليست مشكلة الأصوليين الإسلاميين ، بل المشكلة بالإسلام نفسه، الذي يمتلك حضارة مختلفة يؤمن أصحابها بتفوقها …. والمشكلة للمسلمين هي ليست وكالة المخابرات المركزية أو وزارة الدفاع الأمريكية ، المشكلة في الغرب نفسه ذي الحضارة المختلفة، والتي يؤمن أصحابها بتفوقها وصلاحيتها كنظام عالمي ، يرغبون في فرض هذه الحضارة على العالم “.
كان مدير المخابرات المركزية الأمريكية الأسبق جيمس وولسي أيضاً صريحاً وواضحاً في حديثه بتاريخ 3 ابريل 2003 أمام جمع من طلبة جامعة كاليفورنيا U.C.L.A ، عندما قال بأن “الولايات المتحدة مقبلة على خوض الحرب العالمية الرابعة )أي ما يسمى اليوم الحرب على الإرهاب) ، أما الهدف هذه المرة فهو العالم الإسلامي وصولاً إلى إعادة رسم خارطته ، وبأن هذه الحرب مرشحة للاستمرار سنوات طويلة”. وهنا يعتبر وولسي أن الحرب الباردة كانت الحرب العالمية الثالثة . لاحظوا أن وولسي قال قبل 15 سنة أن الحرب ستكون طويلة وان الدول الإسلامية سيعاد تشكيل حددها. أليس هذا ما يحدث هذه الأيام بالضبط؟ .
إذن دعنا نسمي الأشياء باسماءها ونستخلص أن أكذوبة الحرب على الإرهاب هي حرب إرهاب على الحضارة الإسلامية وعلى نهب ثروات الدول الإسلامية بل وفرض الجزية عليهم كما يفعل الرئيس ترامب هذه الأيام جهارا نهاراً. لولا دفع دول النفط الجزية كما قال ترامب لما بقيت هذه الأنظمة إلا لأيام .
***
البروفيسور موشيه شارون تتلمذ على يد برنارد لويس: وتماماً كأستاذه يبدأ موشيه شارون خطابه وأوراق أبحاثه برصانة محاولا أن يعطي غطاء الموضوعية على خطابه ثمّ يبدأ بدس السم في العسل .
يقول المؤرخ البروفيسور شارون أن السلام مستحيل مع الفلسطينيين أو أي دولة إسلامية . ما يجعل أقواله ذات قيمة تستحق التوقف عندها هو انه عمل مستشاراً للشؤون العربية لمناحيم بيغن وشارك كعضو في مفاوضات السلام مع مصر. وكذلك فهو يعكس فكر الليكود الحاكم . فكما يقول شارون فإن اتفاقيات السلام مع الدول العربية والإسلامية ليست أكثر من قصاصات ورق !
في خطاب له في مؤتمر هرتسليا في معهد مكافحة الإرهاب قال بالحرف الواحد “لا يوجد أي احتمال للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين على الإطلاق ” مضيفاً أن الغرب لا يفقه أن العرب والمسلمين يرون في إنشاء دولة إسرائيل مخالفةً للتاريخ يجب تصحيحها. ومن وجهة نظر إسلامية فإن أي متر مربع يتم الاستيلاء عليه من أرض إسلامية يجب استرداده عاجلاً أم آجلاً كما كان الحال في الحروب الصليبية التي تم استرداد فلسطين بعد 200 سنة. لذلك يقول البروفيسور شارون من يظن أن تل أبيب قد أصبحت آمنة فهو مخطئ حقاً .
يضيف البروفيسور شارون أن الإسلام يختلف عن المسيحية واليهودية بكونه ليس ديناً للعبادة فقط ولكنه حضارة ونظام شامل اقتصادي واجتماعي وسياسي ولديه أنظمة لكل عناصر الدولة.
كما أنه دين عالمي يخاطب كافة شعوب العالم وهدفه الكرة الأرضية بأكملها ، بعكس اليهودية التي جاءت إلى شعب مختار وبرقعة جغرافية محددة . لذلك فالإسلام يسعى لإنشاء دولة عالمية واحدة تحت ايدولوجيته.
لذلك فهدف المسلمين أن ينشروا الإسلام للعالم كله وذلك يتطلب (جهداً). والبروفيسور شارون يعرف العربية الفصحى تماماً ويقول أن أصل الجهاد جاء من (جَهَدَ) والجهاد ليس فقط بالسيف كما كانت الفتوحات الأولى ولكنه أيضاً بالإقناع والذي أدخل (بلاد جنوب شرق أسيا اندونيسيا ، ماليزيا … بالإسلام عن طريق الإقناع) .
شأن شارون كشأن برنارد لويس يخشى من قوة الإقناع . لويس يقول أن هجرة المسلمين لأوروبا سينتج عنها أوروبا مسلمة أو إسلام أوروبي وهو وتلميذه شارون من مروجي الاسلامفوبيا.
ويقول أنه ينتج عن فكرة نشر الإسلام واعتبار من هم خارج دولة إسلامية بدار (الكفر) فهم بذلك في حرب مستمرة مع العالم غير المسلم .
وأخيراً وليس آخراً يقول أن المشكلة هي باعتقاد المسلمين بملكهم الحقيقة وحدهم وأن المشكلة هي ليست مع متشددين وإنما المشكلة مع الإسلام نفسه كما يقول لويس وكما كتب هنتغتون ولعل أرئيل شارون قد لخص الموضوع بجملة واحدة ( إما نحن وإما هم).
ما يخيف البروفيسور شارون هو ما اسماه ( أسلمة) الجغرافيا بحيث أن أي أرض تمّ تحريرها لتصبح ارض مسلمة (كفلسطين مثلاً) لا يمكن أبدا التنازل عن أي شبرٍ منها للأبد ويجب استرجاعها .
وما يخيف البروفيسور شارون أيضاً هو ما اسماه (بأسلمة) التاريخ. فالإسلام يقول أنه جاء متمماً لليهودية والمسيحية وأن كافة الأنبياء هم من آدم وإبراهيم حتى محمد هم مسلمون . يقول شارون : “نقول لهم هذا هيكل سليمان نبينا فيقولون ٍإن سليمان هو أحد أنبياءنا !”
يرى البروفيسور شارون أن إيران تسعى حقاً لتدمير (إسرائيل) وأن ذلك يرجع لأمور عقائدية لديهم وأن مشكلتها هي أكبر من الكيان الصهيوني ويجب حلها عن طريق الدول الكبرى.
والخلاصة
كيف يريد المطبعون كمحمود عباس أن يعملوا سلاماً مع من يعتقد أن السلام مع العرب والمسلمين من المستحيلات؟
أليس واضحاً أن النظام الرأسمالي الأمريكي هو نظام فاسد قام على العنصرية والعبودية والحروب وأنه كما يقول المسلمون وبابا الفاتيكان وهما يكونان نصف سكان الكرة الأرضية بأنهم لا يريدون فرض هذا النظام عليهم وأن نظام يجب تغييره لا عولمته .
وأنه نظام تديره عصابات لصوص وول ستريت في الولايات المتحدة وأنه نظام صهيوني يدير أجندة نتنياهو اليوم وكيله في البيت الأبيض كوشنر ؟
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/05/01