ترامب يقرع طبول حرب لن تحدث ضد إيران هربا من شباك مولر.. وإسرائيل تستغل الوضع قبل رحيله..
د. محجوب أحمد قاهري
هل تشن إسرائيل، بدعم أمريكي، حربا على إيران؟ ولماذا تقرع طبول حرب لن تحدث؟ وكيف أن ترامب هو صاحب هذه الطبول الصاخبة، وإسرائيل تستغل الوضع قبل رحيله؟
أسئلة حارقة لوضع ساخن في الشرق الأوسط، يشم رائحته كل العالم، حتى أن المغرب الأقصى رد عليه بقطع العلاقات مع إيران، في موقف لا الزمان ولا الفعل يتوافقان مع ما قدمته المغرب من حجج. والإجابة على هذه الأسئلة ليس بالصعوبة المتوقعة.
هل تشن إسرائيل حربا على إيران؟
سؤال لم يجمع على جوابه أصحاب الرأي وحتى المعنيون المباشرون بالحرب، وبلغ تضارب التصريحات حوله منتهاه. فمن جهة صرح مسؤولون أمريكيون لشبكة إن بي سي الأمريكية بأن إسرائيل “تستعد على الأرجح لحرب ضد إيران” وصرح رئيس الوزراء الإسرائيلي ناتانياهو لقناة سي ن ن بان “إسرائيل لا تتطلع إلى حرب ضد إيران”. ومن جهة أخرى، أكدت إيران بأنها مستعدة لكل السيناريوهات، حربا أو سلما، وأما السيد حسن نصر الله فقد أكد بأنه “لا يعرف هل ستقع حربا مع الاصلاء أم لا”.
ولاعتبار بأن الحرب التي نناقشها هي الحرب العسكرية، فأن هناك مؤشرات كثيرة ترجح عدم شن إسرائيل حربا على إيران فوق أراض إيرانية، وكل ما ستفعله هو اصطياد بعض مواقعها على أرض سورية.
ثلاثة مؤشرات ترجح عدم إمكانية، أو استحالة، شن إسرائيل حربا عسكرية مباشرة على إيران:
أولا: الفصل الجغرافي بين حدود الدولتين، وهو ما يستحيل معه حدوث مواجهة عسكرية مباشرة فوق أراض إيرانية. كما أنه من سابع المستحيلات أن يزحف الجيش الإسرائيلي فوق الأرض السورية إلى حد وصوله إلى الأرض الإيرانية.
ثانيا: إن إسرائيل جربت الحرب مع حلفاء إيران وذاقت مرّ الهزيمة. وكان ذلك مع حماس في ثلاث مرات، 2008 و2012 و2014، ومع حزب الله في 2006. وحزب الله وحماس حركات لا تمتلك جزء من مئة من قوة إيران العسكرية. وليس هذا فقط، فأمريكا قد جربت الهزيمة في العراق، ولم تنشئ، بعد أن هدمته وهدمت جيشه، كيانا تابعا لها، وإنما لإيران أقرب.
ثالثا: نشوب أي حرب في الشرق الأوسط ستكون مدمرة للجميع، ابتداء بأمريكا التي تمتلك حوالي 20 قاعدة في سوريا، و80 قاعدة في الشرق الأوسط. فلن تتوانى إيران عن ضربها دفاعا عن النفس. وسيكون رد إيران مزلزلا كما أكدت على ذلك بعد قصف تيفور.
*
وإذا كانت هناك استحالة لنشوب حرب عسكرية مباشرة بين إيران وإسرائيل على أرض إيرانية، فهل من الممكن نشوب هذه المواجهة بين البلدين فوق أرض سوريا؟
إسرائيل لن تفعلها، ولن تزج بجيوشها إلى الأراضي السورية، لمواجهة إيران وحلفائها في سوريا. فإسرائيل تعلم علم اليقين، وهذا ليس سرا، بأن إيران وحلفائها أعدوا العدة لهذا الاحتمال، وستتحول الأراضي السورية إلى مقبرة للصهاينة.
كل ما يمكن أن تفعله إسرائيل هو التعويل على سلاح الجو، وصواريخ البوارج الحربية، لإنجاز بعض الضربات الخاطفة على مواقع عسكرية إيرانية. وهنا يختلف الأمر كليا بين أن تكون هذه المواقع في سوريا أو في العمق الإيراني.
بالنسبة للمواقع في سوريا، فقصفها مقدور عليه، وهو ما تفعله إسرائيل الآن. مقدور عليه لاعتبار أن الأراضي السورية تعرضت إلى احتلال دولي، فأصبحت فسيفساء، وسماء مفتوحة. إسرائيل تقصف هذه المواقع لغايتين، الأولى حماية نفسها من إنشاء قواعد عسكرية إيرانية نوعية، ومتقدمة، في سورية، قادرة على ضرب العمق الإسرائيلي. والثانية محاولة دفع إيران إلى الرد العسكري، ولو جزئيا، لتأليب مجلس الأمن، المصبوغ أمريكيا وصهيونيا، عليها، لمزيد من العقوبات الاقتصادية، والتي هي، في الحقيقة، أكثر وجعا من الضربات العسكرية.
وأما بالنسبة للمواقع العسكرية في إيران، فلن تتجرأ إسرائيل على ضربها. ضربها يعني الرد الإيراني الفوري، الذي لا تقول فيه إيران سنختار الوقت والزمان المناسبين للرد، وهذا ما ستقرأ له إسرائيل ألف حساب. ويبقى احتمال أن تشن القوات الأمريكية والصهيونية هجوما شاملا على إيران يشل كل قدراتها العسكرية واردا، إلا أنه احتمال ضعيف جدا، ولا شك، أيضا، بأنه قائم على أجندة القادة العسكريين الإيرانيين.
*
أما ولماذا تقرع طبول الحرب، ضد إيران، بهذه الحدة، في إسرائيل وفي أمريكا، ولا تهدأ أبدا؟
ترامب هو المسؤول عن كل ذلك. فهو يعيش أزمة “شرعية حكم” لم تشهد أمريكا مثلها، ويبحث عن المضي بعيدا عنها باختلاق مشكلات توجه الرأي الأمريكي بعيدا عنه، وربما تثني أو تلهي مولر عن الوصول إليه. إلا أنه كلما اقتربت شباك مولر منه، كلما زاد قرعه للطبول.
واحتمالات اقالة أو استقالة ترامب أصبحت واردة جدا. فمولر اقتحم البيت الأبيض، وصار وجها لوجه مع ترامب. وقائمة أسئلة الاتهامات جاهزة، تنتظر موافقة الفريق القانوني للرئيس الخائف للإجابة عنها. أنها مسألة وقت، ويتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود.
وفي ظل هذا الاحتمال الوارد، إقالة أو استقالة ترامب، استعجلت اللوبيات الصهيونية بالاستفادة مما تبقى من وقت لترامب، في رئاسة أمريكا، لتضرب عصفورين بحجر واحد، حجر ترامب، تصفية القضية الفلسطينية واخضاع إيران وسلب أسلحتها.
تصفية القصية الفلسطينية بصفقة القرن وقد أوشكت على الاستكمال، وستسلب كل الضفة الغربية لصالح الدولة الصهيونية، وليس القدس فقط.
ومحاولة اخضاع إيران لإسرائيل، فسيكون عبر عدة وسائل. اقتصادية وسياسية واجتماعية وعسكرية.
اقتصاديا، ستتضاعف العقوبات على إيران. سيحافظ ترامب على الاتفاق النووي، يوم 12 مايو، إلا أنه سيوسع الإطار المرتبط به، وخاصة الصواريخ الباليستية. وسيوسع قائمة العقوبات على المنشآت والأشخاص.
سياسيا، سيضغطون على بعض الدول لقطع علاقاتها مع إيران. وقد استجابت المغرب لذلك، وقد تلحقها اخرى.
اجتماعيا، سيحاولون بث الفوضى المطلبية الشعبية، ومحاولة قلب النظام. وربما إحداث تفجيرات هنا أو هناك.
وعسكريا، سوف لن تتعدى أعمالهم قصف بعض المواقع الإيرانية داخل التراب السوري.
وكل هذه المخططات قد تحضرت اليها إيران، وجربتها على مدى ثلاثين عاما.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/05/04