تحيّة إجلال وإكبار للمرأة الفلسطينيّة
د. كاظم ناصر
تميّزت المرأة الفلسطينيّة، مسلمة ومسيحيّة، بمشاركتها الفاعلة في شتى مجالات الحياة، وقامت بدورها الاجتماعي كأم ومربّية أجيال، وكموظّفة وعاملة ومزارعة، وكطبيبة ومهندسة ومدرسة وأديبة وعالمة، وكمناضلة ومقاتلة تصدّت للاحتلال بشجاعة يعرفها العالم، وتحمّلت عذاب التشرد وقسوة الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وما زالت وستظل تناضل؛ فهي أم الشهيد والشهيدة، والجريح والجريحة، والأسير والأسيرة، وتكدّ وتتعب وتقدّم التضحيات، فتستشهد وتجرح وتسجن وتعذّب، وتتحمّل الظلم بكبرياء ورأس مرفوعة دفاعا عن وطنها وأمتها العربيّة.
ففي الوقت الذي كانت فيه الأميّة والتخلف يهيمنان على المجتمعات العربيّة خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كانت المرأة الفلسطينيّة المسيحيّة والمسلمة تقدّم الكثير لمجتمعها وأمتها العربية؛ لقد أنشأت القدّيسة الفلسطينيّة مريم جريس بوارديدير الكرمل وبذلت جهدا كبيرا لمساعدة الفقراء، وأسّست دانييل غطاس مدارس راهبات الوردية في فلسطين وعدة دول عربية، وساهمت الكاتبة المبدعة مي زيادة، التي كانت تجيد التحدّث بتسع لغات، في تطوير الصحافة والأدب العربي.
في عام 1893 نظّمت نساء فلسطين أول مظاهرة احتجاج ضدّ الهجرة والاستيطان اليهود يعند ما أقام الصهاينة أوّل مستوطنة يهودية في قرية العفولة، وفي بداية القرن العشرين برزت في الصحافة والإعلام والتصوير الفوتوغرافي كريمة عبود وفاطمة البديري والمطربات والموسيقيات ماري عكاوي وليديا عكاوي؛ وفي العشرينيّات من القرن الماضي أسّست أميليا سكاكيني وزليخة الشهابي مع أخريات أول اتحاد نسائي فلسطيني لمقاومة الانتداب البريطاني، وشاركت نساء فلسطين في ثورة البراق عام 1929 واستشهدت منهن عائشة أبو حسن وعزية سلامة وجميلة الأزعر.
وشاركن في النشاطات والاضرابات خلال الثورة الفلسطينية الكبرى 1936-1938، وفي عام 1947 أسّست مهيبة خورشيد بمشاركة شقيقتها ناريمان فرقة” زهرة الأقحوان” للتمريض في يافا ورافقت عضواتها المقاتلين في حرب 1948 لتقديم الاسعاف لهم، وطالبت عادله فطاير، ويسرى طوقان، وفاطمة أبو الهدى وغيرهن بالسماح لهنّ بحمل السلاح والمشاركة في المعارك ضد العصابات الصهيونيّة.
وبعد قيام إسرائيل استمرت المرأة الفلسطينية في نضالها؛ في عام 1967 استشهدت شادية أبو غزالة، ومنتهى حواري 1974 ،ودلال المغربي 1978، وتغريد البطمة 1980 وغيرهن؛ وقامت بدور كبير في انتفاضة الحجارة، وفي انتفاضة القدس استشهدت وفاء إدريس، ودارين أبو عيشه، وآيات الأخرس، وفدوى عندليب، وهبة الدراغمة، وهنادي الجرادات، وريم رياشي والقائمة تطول، وجرحت وأسرت المئات منهن، وفي هبة 2015 ارتقت ما يزيد عن عشرين شهيدة.
وتشارك المرأة الفلسطينية الآن في مسيرات العودة فتتصدّى لعساكر الاحتلال جنبا إلى جنب مع زوجها وابنها وشقيقها وقريبها وأبناء وطنها وتقول بصوت عال للعالم أجمع نحن شعب لا يهاب الموت، ولا يعرف اليأس، ولن ينسى وطنه أبدا، وسنظلّ نناضل ونموت من أجل فلسطين حتى نحرّرها من الصهاينة كما حررناها ممّن سبقهم من غزاة ومحتلين.
لم تقتصر إنجازات المرأة الفلسطينية على ما قدّمته لشعبها فقط؛ ولإعطائها بعض حقّها لا بد من ذكر دورها الهام في المساهمة بتأسيس وتطوير تعليم البنات من خلال التدريس وإدارة المدارس وتطوير المناهج الدراسيّة في عدد من الدول العربية وخاصّة الكويت والسعودية والإمارات والبحرين وقطر وعمان وليبيا، ومن خلال مشاركتها في تأسيس العديد من الاتّحادات والمنظمات النسائية التي تعمل على تحرير المرأة العربية وتمكينها من القيام بدور أكبر في خدمة مجتمعاتها.
لقد حقّقت المزيد من المكاسب خلال الثلاثين سنة الماضية، وتعزّز دورها ومشاركتها في التعليم المدرسي والجامعي والسياسة والاقتصاد والأدب والفن ومقاومة الاحتلال؛ وقامت وتقوم بدور محوري في خلق أجيال فلسطينية مثقفة واعية قادرة على التعامل مع واقعها ومقوّمات مستقبلها، وعلى فهم العالم الحديث وتعقيداته والتفاعل معه.
المرأة الفلسطينية ساهمت وتساهم في صنع التاريخ الفلسطيني والعربي بعلمها وثقافتها وتضحياتها ودورها كأم ومواطنة؛ ولهذا فإن التاريخ لا يستطيع أن يتجاهلها أو يهمّش دورها، وسيسجل إنجازاتها بحروف من ذهب، ويجل عظمتها وتضحياتها من أجل وطنها وأمتها؛ فتحية إجلال وإكرام لجميع الفلسطينيات الرائدات، مسلمات ومسيحيات، على ما قدمنه لفلسطين والوطن العربي.
– كاتب فلسطيني
صحيفة رأي اليوم.
أضيف بتاريخ :2018/05/06