إذا ألغى ترامب الاتفاق: هل تفعّل إيران برنامجها النووي وتجعل «إسرائيل» رهينة؟
د. عصام نعمان
سؤالان طاغيان يستحوذان اليوم على اهتمام العالم وقلقه:
هل ينسحب دونالد ترامب من الاتفاق النووي؟
إذا فعل، ماذا وكيف ستكون ردة فعل إيران؟
ترامب يتصّرف وكأنه كاتب قصة ترقّب مقلق ومشوّق يلّمح ولا يصرّح. مستشاروه الأقربون يقلّدونه: بعضهم يرجّح انسحابه؛ بعضهم الآخر يجزم بأنه لم يقرر شيئاً بعد.
قادة إيران يفعلون العكس: يؤكدون أن إيران ستردّ فوراً بالانسحاب من الاتفاق. أكثرهم وضوحاً وزير الخارجية محمد جواد ظريف، قال: «نحن لن نعهد بأمننا إلى جهة أخرى، ولن نعيد التفاوض على اتفاق نفذناه فعلاً بنيّة حسنة أو نضيف إليه».
للمجازفة في توقّع ما يمكن أن يحدث، نستعرض بعض المواقف المحتملة التي يمكن أن يتخذها ترامب من جهة، وأنداده الإيرانيون من جهة اخرى. ترامب يمكن أن يتخذ واحداً من مواقف ثلاثة:
أن يصرف النظر عن الانسحاب من الاتفاق، مراعاة لمواقف حلفائه الأوروبيين المؤيدين له، ولاسيما فرنسا وبريطانيا وألمانيا.
أن يرفض تعليق العقوبات من دون الإعلان عن الانسحاب من الاتفاق، وبالتالي متابعة البحث في إمكانية تعديل بعض أحكامه أو وضع ملحق إضافي له.
أن يقرر الانسحاب من الاتفاق مقروناً بالإعلان عن عقوبات جديدة قاسية، بالإضافة إلى العقوبات السابقة.
إزاء هذه الاحتمالات الثلاثة، يُرجَّح أن تردّ إيران على النحو الآتي:
أن ترحّب إذا ما عاد ترامب عن تهديده بالانسحاب من الاتفاق، لكن الأرجح أن تستبعد هذا الاحتمال وتبقى حذرة من تطورات لاحقة.
أن تشجب قرار ترامب برفض تعليق العقوبات، وتستنكر العقوبات الجديدة التي يكون قد أعلنها.
أن تندّد بقرار انسحابه من الاتفاق وتشير إلى استراتيجية متكاملة لمواجهة ما تعتبره مخططاً أمريكياً جديداً لتسعير العدوان ضدها وضد سوريا وقوى المقاومة العربية، وقد تكشف بعضاً من عناوين ردود الفعل الجاري إعدادها.
إلى ذلك، اتضح أن بنيامين نتنياهو يحبّذ، بطبيعة الحال، انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، لكنه يفضّل بواقعية اعتماده خيار تشديد العقوبات من ضمن استراتيجية مواجهة متكاملة، قوامها شنّ حرب ناعمة متصاعدة تستهدف إيران وحلفاءها في جميع ساحات غرب آسيا من شواطئ البحر الأبيض المتوسط غرباً إلى شواطئ قزوين شرقاً. هذه المقاربة يريدها نتنياهو أن تتضمن ثلاثة أمور أساسية:
*أولها، تمكين «إسرائيل» من منع إيران إقامة قواعد عسكرية، برية وجوية وبحرية، في سوريا والحصول على دعم من الولايات المتحدة لتحييد روسيا في هذا المجال، ومجابهة تدخلها المباشر لدعم سوريا إذا اتجهت إلى ذلك.
*ثانيها، دعم «إسرائيل» من قبل أمريكا وأوروبا في مساعيها الرامية إلى التضييق سياسياً، وإذا أمكن عسكرياً، على حزب الله داخل لبنان والحؤول دون معاودة تعاونه مع سوريا.
*ثالثها، الانخراط جدّياً في مخطط استراتيجي يرمي إلى تفكيك سوريا إلى كيانات قبلية واثنية وطائفية والحؤول، تالياً، دون استعادتها وحدة أراضيها وسيادتها في ظل نظام سياسي مركزي.
ماذا عن إيران؟
يُستشف من تصريحات وتسريبات منسوبة إلى مسؤولين سياسيين وعسكريين إيرانيين كبار أن طهران مصممة على عدم التهاون في ثلاثة أمور أساسية:
ضرورة الدعم القوي والمتواصل بالسياسة والسلاح لحزب الله خصوصاً، وقوى المقاومة الفلسطينية الفاعلة («حماس» و «الجهاد الإسلامي») فــي مواجهتهــــــا لـِ« إسرائيل» داخلياً وإقليمياً.
ضرورة الاستمرار في إقامة قواعد عسكرية إيرانية في سوريا، لدعمها في وجه تنظيمات الإرهاب، ولاسيما «داعش» و «النصرة»، ودعمها في مواجهة أي مخطط أجنبي يرمي إلى تفكيكيها ومنعها من استعادة وحدتها وسيادتها.
ضرورة عدم التفاوض مجدداً على اتفاق نووي جديد، بل الإصرار على مقاربة المسألة النووية في منظور مغاير قوامه العودة إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة مئوية عالية، وتطوير البرنامج الصاروخي الباليستي ليصبح أداة أكثر فعالية في الردّ على أي عدوان إسرائيلي أو أمريكي أو إقليمي.
أرى، وربما غيري أيضاً، أن فريقاً قيادياً إيرانياً نافذاً لن يكتفي باعتماد الثوابت الاستراتيجية الثلاثة سالفة الذكر، وأنه يفكر ويخطط في منظور ثلاثة خطوط استراتيجية متقدمة:
*أولها، توظيف خيار تخصيب اليورانيوم بنسبة مئوية عالية في خيار تصنيع سلاح نووي يمكن إدراجه في خانة رادع استراتيجي أو خانة رادع تكتيكي، من أجل تأمين ميزان قوى رادع مع «إسرائيل» وحلفائها.
*ثانيها، بناء جبهة ردع استراتيجي أقليمية من إيران والعراق وسوريا وقوى المقاومة في لبنان وفلسطين، والإعلان عن أن أيّ اعتداء على أيّ طرف من أطرافها يُعتبر اعتداء عليها مجتمعةً، والمباشرة تالياً في الرد، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، على أساس أن «إسرائيل» هي العدو المركزي لها جميعاً.
*ثالثها، التخطيط لشنّ وإدارة حربٍ ناعمة في وعلى الدول والتنظيمات التي تتخذها «إسرائيل» وأمريكا أدوات في حربها الناعمة ضد أحد أو جميع أطراف جبهة الردع الاستراتيجي الإقليمية سالفة الذكر.
كل ما تقدّم بيانه يجب أن يجري وإن يحكمه مبدأ إنساني وشرعي ودولي معترف به: الدفاع المشروع عن النفس.
هل ثمة خيار آخر؟
جريدة القدس العربي
أضيف بتاريخ :2018/05/07