المحدودية والقدرات ميزان يدل على معادلة الانتصار
بسام أبو شريف
قد لانكون أول من يقول هذا الكلام ، لكننا حتما نضع النقاط على حروف المسألة، فنحن المسألة ونحن تعني فلسطين ، وفلسطين ليست مسألة فلسطينية أو عربية فقط ، بل هي مسألة المسائل : هي الميزان الذي يقرر من انتصر ومن انهزم ، هي الميزان الذي يقرر وزن الإنسان المؤيد للحق والعدل والساعي إليهما مقارنة بوزن المجرم الدموي العنصري ، الذي يبطش بالإنسان ويدمر العدالة ، ويحاول أن يمحي من الوجود كل ماهو حق وفضيلة وأخلاق .
أصبح الكلام عن هذه المسألة نوعا من الترداد الذي يفيد بطبيعة الحال من لايعلم ، لكن السؤال حول المسألة للذين يعرفون هو : لماذا يستمر الظلم ولايهزم الظالمون، وكل يوم يمضي تسيل من دماء الأبرياء على يد الطغاة/ ويسقط الشهداء أطفالا ونساء ورجالا وهم يهتفون للحق والعدالة والحرية وحقوق الإنسان ؟
وسوف تستمر المطالبة، ويستمر النداء لكن المسؤولية تقع على عاتق وكتف الذين يقررون ويملكون بيدهم مفاتيح الحركة والتحرك ، حتى هذه الحقيقة لاتعني أن الأبواب مغلقة أمام الخيارات ، والسبل متاحة للذين يصممون ويصرون على استرجاع الحق وانتزاع الحرية والأرض ممن سلبهما .
ولنأخذ الأمر كمسألة حسابية بسيطة ودون تعقيدات ” الكالكولاس “، المعطيات:
1- إسرائيل دولة استيطانية أقامها الاستعمار الغربي الواقع تحت تأثير المال الصهيوني واليهودي بهدف إرضاء اليهود وإشراكهم في السيطرة على ثروات المنطقة الطائلة ، ولتكون قاعدة عسكرية أمامية تحمي مصالح اليهود ومصالح الغرب في آن واحد .
2- قامت الدول الاستعمارية والوكالة اليهودية والكيرن كايمت بالتمويل ، ثم قام الغرب بالتسليح واستمر طوال مئة عام بمد الصهاينة بالسلاح ، وحرص على الحفاظ على تفوق إسرائيل بالسلاح نوعيا لتكون قادرة على مواجهة الجيوش العربية كافة من خلال التفوق في نوعية السلاح ، ولابد من الإشارة هنا إلى أن اتفاقا جرى التفاهم عليه بين الشرق والغرب يتعلق بتسليح الجيوش العربية الحليفة للشرق ، والاتفاق ينص على عدم كسر الاتفاق بأن يبقى سلاح إسرائيل هو المتفوق . وهنا نجد الأجوبة حول أنظمة الدفاع الصاروخي السورية ، فأسلحة الجيش السوري لها من العمر أكثر من أربعين عاما ، وكانت أقل شأنا من أسلحة إسرائيل الهجومية قبل أربعين عاما ، ومازالت الآن أقل قدرا مع تقدم السلاح النوعي الإسرائيلي . حتى جمال عبدالناصر لم يتمكن من إقناع حليفه الشرقي بتزويد مصر بطائرات موازية للطائرات الأميركية التي زودت بها إسرائيل .
3- هجر شعب فلسطين ، وتقوم الآن إسرائيل بابتلاع كل فلسطين ، وتحاول تقسيم وتمزيق الدول العربية المحيطة ، وتحطيم جيوشها لتضمن هيمنة على الشرق الأوسط مع شركائها واشنطن والرياض وأنظمة الخليج الهشة والتي لاتمثل عرب الجزيرة والخليج.
4- ركب على مصر العظيمة وشعبها العربي وجيشها الأبي، نظام باع جزره الاستراتيجية لأنظمة النفط التي قدمت تلك الجزر عربون شراكة لإسرائيل وتهيء لإعطاء عربون آخر لإسرائيل هو سوقطرة وباب المندب.
5- هزمت المشاريع الأولى لتدمير الجيش العربي السوري وتفتيت البلاد، والدعم الروسي العظيم مازال دعما تحده تفاهمات دولية (وأن كان التنافس والمواجهة موجودين)، لكن محدودية الدور الروسي تكمن في :- أولا التفاهم العام حول تفوق إسرائيل في نوعية السلاح، وهذا تفاهم يعود لعام 1948.
وثانيا خشية الدخول في حرج كبير اذا ما انقضت اسرائيل على الجيش العربي السوري لوجود روسيا في طرطوس ودمشق وغيرها.
6- الحلفاء على أرض سوريا لهم مواقف متباينة من مواجهة إسرائيل ، والتصدي لاعتداءاتها وهذا نابع من عدم رغبة بعض الحلفاء في وضع إسرائيل بوضوح في خانة الأعداء ، وخانة الإرهاب الذي تمارسه إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية .
هذه هي المعطيات العامة، ونحن نرى بوضوح أن المسألة لاتجد حلا إلا بهزيمة رأس الإرهاب ورأس المخطط الامبريالي ورأس المخطط التدميري، أي إسرائيل، وللبعض نقول أن الولايات المتحدة لن تتمكن من أن تحل كليا مكان إسرائيل في حال هزيمتها.
فإسرائيل هي آخر نموذج لمشروع استعماري استيطاني وعلينا تدميره كما دمر سابقا في الهند وفي جنوب أفريقيا وفيتنام .
ما هو الطريق الأمثل ، لا بل ماهو الطريق الذي يقطع الطريق على المخطط الصهيوني الأميركي ، وهو مخطط معلن عنوانه التصدي لإيران وإخراجها من سوريا ومنعها من الاقتراب من البحر الأبيض المتوسط ، وسد الحدود العراقية السورية لمنع التقارب السوري العراقي ، لقد بدأت الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما هذه الحرب ، وهي نفس الأهداف التي أطلقت فيها هذه القوى جيوش الإرهابيين لتحقيقها بالقتل والبطش والتدمير ، فشلت القوى الإرهابية إلى حد بعيد لكن استكمال المخطط مستمر :-
1- فقد جمعت الولايات المتحدة أكثر من عشرين ألفا من داعش وغيرها ، وضمتهم لما يسمى سوريا الديمقراطية ، وهي قوة عميلة يقودها ضباط إسرائيليون وفرنسيون وأميركيون لتشكل جيشا يدفع الدم تحت غطاء طائرات واشنطن وتل أبيب وباريس ، وذلك للسيطرة على وادي الفرات النفطي ، وإغلاق الحدود السورية العراقية ، وكلفت إسرائيل بالاستمرار في استخدام السلاح الأميركي المتفوق اف35 واف16 والصواريخ الموجهة للقيام بتدمير منهجي لكل مواقع الجيش السوري الدفاعية الجوية ، ولقصف مواقع قوات المقاومة ، ولشن حرب (لاحقا في البادية وجنوب سوريا وإدلب ) . بمعنى آخر العودة إلى نقطة الصفر ، وكأنما تستبدل ماسلمته القوى الإرهابية من مناطق إستراتيجية في الغوطة بتحضير كمي شامل للقوات السورية ، وقرر ترامب زيادة موازنة شمال غرب سوريا ووقف موازنة شمال شرق سوريا .
وهذا يعني أن مئات الملايين من الدولارات ستدفع لكل من ينضم للموت تحت لواء أمريكا وإسرائيل وفرنسا والسعودية في الشمال الشرقي لسوريا وجنوبها ، ولاحقا في إدلب طالما أن الأمر مستفحل ، فمن غير المقبول أن نتصور أن الرد الإيراني على مجزرة تي4، وعلى القصف الإسرائيلي قد أنهى المخطط الإسرائيلي، ولايعني أن الرسالة الإيرانية قد وصلت لإسرائيل ، فقد قصفت إسرائيل بعدها مطار حماة العسكري، ومطار دير الزور العسكري لتمهيد الطريق للمتسللين من الديمقراطية وداعش مرة أخرى تحت علم فرنسا وأمريكا، وقصفت بالدبابات مواقع حساسة للمقاومة في القنيطرة، ولاشك أن روسيا وسوريا تعلمان عن حجم المتسللين من الأراضي الأردنية للأراضي السورية، وعن مئات الملايين من الدولارات التي دفعت لبعض العشائر للانضمام للرهط المعادي ، وعلى الأقل لإعلان الولاء للسعودية (ووضع ضباط معينون أشرفوا على العملية حصصهم جانبا، وبلغت مئة وعشرين مليون دولار).
الحرب تتصاعد ، ولايمكننا أن نستمر في مواجهتها بالصدور العارية وبابتسامة الثقة ، تماما كما خرج الفيتناميون في كفاحهم ضد فرنسا أولا ، وضد الولايات المتحدة ثانيا عن إطارات التفاهم الدولي (كي لا تشتعل حرب عالمية ثالثة)، علينا أن نخرج نحن أيضا، وذلك بأتباع تكتيكات الجنرال جياب “زاب ” فيتنام الشمالية كان هدفا للقصف الأعمى الأميركي بقاذفات B52، وتحديدا هايفونغ الميناء الرئيسي الذي كانت تتسلم فيه فيتنام الدعم العسكري الروسي، وهانوي العاصمة ناهيك عن كل المساحات التي تغطي المنطقة بين العاصمة والجنوب أي جنوب فيتنام ( زرت هانوي وهايفنغ خلال تلك الفترة والتقيت بقادة كبار)، الجنرال جياب كان يرى أن إنهاك القوات الأميركية لن يأتي بالقدرة على إسقاط B52 “رغم انه يجب المحاولة حسبما قال”، بل من خلال توجيه ضربات موجعة لقواتهم تهز معنوياتهم ، وتجعلهم يعرفون معنى الحرب ضد الشعوب وضد إرادة الشعوب عندما زرته قال: “وضعكم صعب لكنه ليس مستحيلا، لايوجد شيء مستحيل على شعب يناضل لانتزاع الحرية، ستتوسع رقعة المواجهة في بلادكم” قبل عام 1970، ولكن كل فرد من شعبكم يمكن أن يتحول إلى مصدر هزيمة للعدو ، المهم توجيه الضربات له في معاقله هذا يربكه، ويبث الرعب في صفوفه ويهزمه داخليا قبل أن يهزمه عسكريا”، العمليات الخاصة المدروسة بأحكام والتي تلحق خسائر بصفوف جيش العدو هي التي ستهزم جيش العدو داخليا وعسكريا.
لايمكن لمعسكر المقاومة أن يرفع شعارات يدفع ثمنها دون أن يضع تكتيكات لتنفيذها، وأهم هذه التكتيكات يتمحور في شن العمليات الخاصة داخل الحصن الإسرائيلي، وهذا ما لاتتوقعه مخابرات واستخبارات العدو تماما كما كانت لاتتوقع حرب اكتوبر، انهيار الجبهة الداخلية الإسرائيلية سيسرع في هزيمتها ، ويسرع في نهوض رأي عام عالمي يتذكر معه لورد موين وكونت برنادوت وجون كيندي وباخرة ليبرتي وسرقة اليورانيوم وسرقة زوارق شيربورغ، وكذلك إحراق المسجد الأقصى ومجزرة الحرم الإبراهيمي ومجزرة دير ياسين وكفر قاسم والسموع وغيرها.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/05/24