شاهد عدل على المذبحة الثالثة في غزة!
طلال سلمان
بهدوء، وبلا تكلف، اقتعد الدكتور غسان أبو ستة حافة المسرح في “دار النمر”، وأخذ يعرض الصور التي عاد بها من زيارته الميدانية الأخيرة، إلى قطاع غزة، وانطلق يشرح ما شهده بعينه، وما شارك في إجرائه من عمليات جراحية، مع زملائه من الأطباء المتطوعين او المحليين في المستشفيات الثلاثة ـ لا غير ـ في القطاع، الذي يزيد عدد سكانه على المليوني نسمة.
كان الطبيب الممتاز الذي عُرف بالخلق الرفيع والمشاعر الإنسانية الرقيقة، يعرض صوراً لأعضاء المصابين بالرصاص الذي يتضمن قدراً من السموم بحيث لا بد أن يترك في المصاب أعاقة دائمة..
ووفق شرح الدكتور أبو ستة فان العدو الإسرائيلي يطور أسلحته الفتاكة بين كل جولة وأخرى في الانتفاضة الثالثة في غزة، بحيث يوقع المزيد من المصابين بالشلل والتشوه بما يفقد الأعضاء، والإقدام، بشكل خاص، قدرتها على الحركة.
كان الألم يعتصر وجه الطبيب الممتاز، ولكنه يتابع الشرح لما عاينه على الأرض، ثم في المستشفيات الثلاثة في القطاع، وهي التي يفترض أن تخدم المليونين من أهله.. لكنه يستمر في تقديم الصورة الكاملة للانتفاضة الجديدة في غزة بوجهيها، البطولي في الإصرار على المواجهة ـ بلا سلاح إلا الحجر، والوحشي في لجوء العدو الإسرائيلي إلى أسلحة محرمة دوليا، بل والى “ابتكار” أنواع جديدة من القذائف أكثر فتكاً، لا سيما في صفوف الفتية والشباب.
أما الجمهور المحدود في تلك القاعة الانيقة فقد صدمته المشاهد المريعة، التي لن يشاهدها الملوك والرؤساء والأمراء العرب المشغولين الآن بالبحث عن طريقة للاعتراف بكيان العدو الإسرائيلي، خصوصاً وقد اتخذ من القدس الشريف عاصمة “لدولته” التي قامت على أشلاء الشعوب ومعها الجيوش العربية التي لم تقاتل العدو من موقع العارف بقدراته وقوى الدعم الدولي لتي سبقت وأرفقت قيام “دولته”، ثم واكبتها وعززتها بالسلاح، جواً وبحراً وبراً حتى غدت أقوى من الجيوش العربية جميعاً..
في هذا الوقت بالذات، كان جيشا السعودية والإمارات يقاتلان، براً وبحراً وجواً، ضد شعب اليمن المنهك بالفقر والكوليرا وعوامل الانقسام الطائفي التي يغذيها “المستعمرون الجدد”..
وفي هذا الوقت بالذات كان بعض “الأشقاء الخليجيين” يدعمون فلول “القاعدة” و”داعش” في الحرب على سوريا وفيها،
وكان بعض آخر من هؤلاء “الأشقاء” يحاول تخريب الجهود المبذولة لترميم الوحدة الوطنية في العراق، وبينها محاولة إفساد الانتخابات النيابية وتعطيل تشكيل الحكومة الجديدة التي يفترض أن تتولى إصلاح ما افسد صدام حسين ثم دمره الاحتلال الأميركي في أرض الرافدين..
..وكان بعض ثالث من هؤلاء “الأشقاء” يسعى لتعطيل المحاولات الجارية لترميم الوحدة الوطنية في لبنان، مع وعيهم بأنها شرط حياته.
لكن التخريب بل حتى التدمير الذي قد يصيب المستقبل العربي جميعا، فانه قد يكون من مطالب هؤلاء الأخوة ـ الأعداء..
ولعل المطلب الأول والأهم بل والأخطر كان وسيبقى “تدمير” فلسطين شعباً أكد تفوقه في المقاومة والبذل على الشعوب العربية جميعاً… وهو هو مطلب العدو الإسرائيلي ـ الأميركي..
على أن التجربة، على امتداد تسعين عاماً أو يزيد، قد أثبتت أن شعب فلسطين أقوى وأعظم مناعة من أن يستكين أو يستسلم، مهما كانت مواقف قيادته..
إنه شعب منذور للشهادة..
وقدرنا أن الشهادة هي طريق التحرير..
وفلسطين تستحق، في الجهد لتحريرها، دماء الشهداء، وتشوهات الجرحى في الحرب الوحشية التي يشنها عليهم العدو الإسرائيلي، في ظل تأييد عالمي واسع بين عناوينه ما كتب بالعربية وتلفع الكوفية والعقال.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/05/30