شعب الخليج حطب حصار قطر
علي آل غراش
منذ تأسيس منظومة مجلس التعاون الخليجي عام 1981 والشعب الخليجي الموزع في الدول الست التي تشكل المجلس يتطلع أن تكون همومه وآماله وطموحاته هي الأهم للمجلس ليصبح واحدا كما كان سابقا، وطالما ردد أغنية؛ خليجنا واحد مصيرنا واحد.
ولكن للأسف الشعوب العربية ومنها الخليجية دائما هي آخر اهتمامات السلطات الحاكمة، التي تبحث عن زيادة قوتها الأمنية لتبقى حاكمة مسيطرة على الشعوب بشكل أكبر وأقوى من خلال التحالفات مع دول أخرى والاستفادة من أي تقنية حديثة لذلك. فالشعب الخليجي كالعادة هو الغائب من الاجتماعات والقرارات بل على العكس الكل متفق ضده لزيادة السيطرة عليه في وطنه وخارجه عبر الاتفاقيات الأمنية التي تصب في مصلحة الأنظمة الحاكمة.
لقد انكشفت حقيقة المجلس الخليجي بشكل واضح مع اندلاع ما يعرف بأزمة قطع العلاقات مع قطر، أزمة بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة مع قطر من جهة أخرى بدأت في حزيران/يونيو 2017 وأظهرت مدى المزاجية والتقلب والحقد والكراهية والانتقام.
في ليلة واحدة انفجرت الأزمة كالبركان، وانقلب الحال وأصبحت دولة قطر الشقيقة عدوة، وأصبح مواطنوها الذين لا يتجاوز عددهم 400 ألف نسمة غير أشقاء وغير مرغوب فيهم في تلك الدول الأربع؛ فتم قطع للعلاقات وحصار بري وبحري وجوي، والإعلان عن مشروع لتحويل قطر إلى جزيرة عبر حفر قناة مائية في الحدود البرية الوحيدة مع السعودية، وشن حملات إعلامية شرسة، وهذا يظهر مدى الاحتقان والتوتر والجاهزية والتخطيط المسبق، وممارسة ضغوط خارجية. فقد تم خلال هذه الأزمة ممارسة أبشع الأساليب الإعلامية في التزييف والتشويه والترهيب، وأسوأ ما فيها الزج بشعوب هذه الدول في الأزمة العبثية بطريقة سيئة، واستخدامهم كحطب لنار الخلافات السياسية بين الأنظمة، وهذه من أسوأ الأساليب التي لها انعكاسات سلبية على الشعب الواحد كالشعب العربي الخليجي، وبين أفراد العوائل المترابطة في تلك الدول.
قطع صلة الرحم
الشعوب ليس لها دخل في الأزمة وليست لها مصلحة فيما حدث ويحدث لا من بعيد أو قريب، فالشعب الخليجي واحد، أصوله وعاداته وتقاليده واحدة، والعوائل مترابطة وأن تم تقسيم الحدود السياسية حسب اسماء جديدة، فالشعب العربي القطري هو جزء لا يتجزأ من أهالي الخليج، وبالخصوص في الأحساء شرق المملكة والبحرين والإمارات بسبب القرب الجغرافي، ففي الأحساء توجد قبائل كبيرة مثل المرِّي لها امتداد قوي داخل قطر، وهناك علاقات عائلية وتجارية تاريخية، وتوجد أملاك قطرية في المنطقة، والأمر تجاوز البشر والإساءة للمواطنين القطريين، حيث وصل إلى حد استهداف الإبل والماشية القطرية في الدول المجاورة بالترحيل المباشر.
ومارست بعض الدول الأربع ضغوطا على كل مواطن لها متواجد في قطر للعمل أو لصلة الرحم أو السياحة أو غيرها مطالبة إياهم الخروج من قطر وقطع أي علاقة له في المكان. ووصل الأمر إلى حد التدخل في الشؤون الداخلية وإجبار العوائل والقبائل الكبيرة المتواجدة على الحدود بالإساءة لقطر كما حدث لشيوخ قبيلة المرِّي بالتصريح لوسائل الإعلام للإساءة لقطر خلال اجتماع مع القيادة السعودية.
لحظات مرعبة
ما حدث خلال ليلة واحدة هو إعلان حرب ضد قطر، وترهيب لمواطني المجلس عبر إجبارهم على تبني مواقف حكامهم، أنها لحظات مرعبة، كيف أصبح المواطن الخليجي القطري عدوا، فيتم استهدافه وملاحقة كل ما هو قطري، بالإضافة إلى الحصار الاقتصادي؟
ولو أن قطر لم تجد البديل والتعويض من خلال بعض الدول وبالخصوص من إيران وتركيا، كان من الممكن أن يحدث ما هو أسوأ للشعب القطري بسبب الحصار الاقتصادي وقطع أي تواصل مع العالم، أي أن هذه الدول التي قطعت العلاقة مع قطر مستعدة لفرض حصار وتجويع للشعب القطري، كما يحدث للشعب العربي اليمني حاليا، وكما حدث سابقا للشعب العراقي. وفي كل الأحوال الشعب المسكين هو الذي يدفع الثمن للأزمة العبثية لإشباع غرور الحكام.
الزج بالشعوب لعبة خطيرة
إن سياسة الزج بالشعوب في الخلافات السياسية التي تقع بين الأنظمة الحاكمة لعبة خطيرة جدا، تضر بالشعوب، لأن المصالح السياسية للحكام تختلف وتتبدل حسب المزاج وربما تعود بينهم العلاقات فجأة، ولكن الإساءة بين الشعوب تبقى آثارها. وهي لعبة لها أبعاد كبيرة تتجاوز السياسية التي تتغير حسب المصالح الشخصية للحكام والمصالح للنظام. للأسف الشديد أن الأنظمة الحاكمة التي قطعت العلاقة مع قطر تمكنت من خلال وسائل إعلامها وأساليبها الترهيبية الزج بمواطنيها لتبني ودعم موقفها وسياستها لقطع العلاقات مع قطر، وممارسة الإساءة للشعب القطري، وذلك عبر شن حملة إعلامية سريعة وقوية، وطرد أي قطري من هذه الدول، وتهديد كل من يتعاطف أو يزور أو يعمل في قطر بالاعتقال التعسفي وفرض غرامة مالية، ولقد تم اعتقال وسجن العديد من مواطني دول الخليج بسبب رفض تلك السياسة العدوانية والتجييش ضد الشعب القطري أو اليمني.
ابتزاز وخسائر
وكما هو معروف لقد اندلعت أزمة قطع العلاقات مع قطر بشكل مفاجئ بعد زيارة الرئيس الأمريكي إلى الرياض واجتماعه مع زعماء الدول العربية والإسلامية، وحصوله على مبالغ ضخمة من دول الخليج وبالخصوص من السعودية والإمارات كبدل حماية لتلك الأنظمة كما صرح الرئيس ترامب خلال حملته الانتخابية الرئاسية «الخليج لديه الكثير من المال ولا ينفق سوى القليل، وقد ولى زمن الحماية بلا مقابل» وقد حقق الرئيس الأمريكي هدفه بالحصول على مئات المليارات والعودة بها إلى أمريكا مهللا. مما يعني أن الأزمة السعودية الإمارتية مع قطر تم الإعداد والترتيب والتنسيق لها مع إدارة البيت الأبيض التي تبحث عن المال فقط، وقد استفادت أمريكا من دعم هذه الأزمة من كل الاتجاهات لتحقيق المزيد من الابتزاز والحصول على المزيد من المال من كل الأطراف. أمريكا مع الجميع في التصعيد حسب ما هو مرسوم من قبل إدارتها. فقد صرح الرئيس ترامب: «القادة أشاروا إلى أن قطر تقوم بتمويل الفكر المتطرف». ترامب أعطى الضوء الأخضر لعزل قطر وتوريط الرياض في مستنقع جديد، والخاسر هم شعوب المنطقة الذين للأسف يصفقون لمن هم سبب المشاكل والأزمات .. العوائل الحاكمة.
لدى السعودية ومن يدور في مدارها أسباب مخفية ضد قطر لتفجير الأزمة بتلك الطريقة غير المسبوقة، وهي غير الأسباب التي طرحت عبر وسائل الإعلام التي لم تقنع أحدا. فالسعودية في ظل عهد الحزم والحروب حكم الملك سلمان وأبنه محمد يريد الانتقام من قطر، وتجريد الدوحة من كل قوة بل من سيادتها وأن تكون مجرد تابع صغير مطيع للرياض، والأسوأ تحويل صراعها مع الدوحة إلى صراع بين الشعوب وهذه المشكلة الكبرى.
طبول الحرب
إن سياسة استدراج الشعوب والزج بهم في هذه الأزمة وغيرها ليكونوا حطبا ما كان لها أن تنجح لو وجدت الوعي والمحبة وروح الشعب الواحد والمصير المشترك، ولكن في المجتمع شخصيات من الكتاب والإعلاميين وكذلك الفنانين ورجال الدين لديهم قدرة على التلون السريع حسب مزاج السلطة الحاكمة، والمساهمة في مشروعها التصعيدي وإشعال نار الكراهية وتبني الخطابات التحريضية والعدوانية، وتأييد الحصار وقرع طبول الحرب ضد الشعب العربي القطري، كما حدث ويحدث للشعب اليمني.
لماذا التحريض وزرع الكراهية للآخر الخليجي العربي لمجرد الاختلاف في المواقف السياسية بين الأنظمة الحاكمة، أين الأخوة والإنسانية، أين الوعي وحرية الرأي والمصير المشترك، هل لهذه الدرجة شعوب المنطقة تابعة للأنظمة في خلال ساعات تتغير مواقفها ضد شعب شقيق؟
حتما هذه السياسة تؤكد غياب حق المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات المصيرية، وغياب أي مجال للتعبير عن الرأي ورفض التصعيد والعنف والحروب، ونقد سياسة النظام الحاكم الذي يرفع راية التحريض والتهديد.
وتتطلع شعوب المنطقة لإنهاء أزمة قطع العلاقات مع قطر، وهي ستنتهي، لأن الحصار والمقاطعة فشلت لغاية اليوم.
جريدة القدس العربي
أضيف بتاريخ :2018/06/03