طوق النجاة للملك والأردن في تموضع سياسي جديد.. والحذر من الوعود.. وقطر ليست أذكى منا..
فؤاد البطاينة
أتساءل هل القيادة القطرية أكثر حرصا على قطر من حرص القيادة الأردنية على الأردن. هل القيادة القطرية أقل ارتباطا بأمريكا وتكبيلا من القيادة الأردنية. لقد واجهت قطر خطر الاستهداف مرة وتصرفت بكل ذكاء وشجاعة لحماية نفسها. وأفشلت الوكيل والوكلاء وأسقطت الابتزاز حين سارعت وحمت نفسها بإيران وتركيا الدولتان اللتان تمدان يديهما للأردن دائما ، وتتحملان صد الأردن لهما وتغضان الطرف ، طرف الكبار عن أخطاء سياسية وعملية وبروتوكولية بحقهما. و ليس لدينا مشكلة مع هاتين الدولتين ولسنا مستهدفين منهما سوى بالصداقة.
الأردن دولة وقيادة وشعبا ، مستهدفا استهدافا استراتيجيا حثيثا وليس تكتيكيا كما هو في مثال قطر. وأدوات الاستهداف بين ظهرانينا. مستهدف من المحور الأمريكي – الإسرائيلي – الخليجي معا. والأردن على موعد في الشهر القادم مع موقف مسئول وطنيا وقوميا من صفقة القرن التي تستهدف القضية الفلسطينية باستخدام الأردن وقودا. فالضغوطات كلها في سياق مخطط التصفية هذا والمرتبط نجاحه بنجاح استخدام الأردن. وإذا استطعنا رفضه واقعا وعمليا في الأردن سيفشل. والأمل لا أسس له حتى الآن.
نحن لا نستطيع التصديق بان الملك لا يعرف أن الأردن مستهدف استهدافا نهائيا من تحالف غاشم مرتبط مرتبط باستهداف القضية الفلسطينية. وقد اطلع على معالم صفقة القرن ودور الأردن فيها ، ولكن نستطيع الافتراض والقول بأنه يقاوم بطريقة غير منتجة ومحصلتها سلبية لا تخلو من الاستسلام. وما لم يعلن موقفه الرافض لصفقة القرن جملة وتفصيلا ويقرن قوله بالفعل والبحث عن نهج مختلف وحمائي ، فإننا مضطرون للافتراض بأن تجاوبه مع الضغوطات على الشعب وخضوعه للإملاءات الخارجية هو في سياق تركيع الشعب لقبول القرار السياسي التصفوي.
طوق النجاة للملك والأردن هو فقط في تغيير النهج السياسي والتمسك بالشعب. فمع بقاء هذا النهج قائما لا ولاية عامة لحكومة ، ولا يمكن لأكثر الشخصيات كفاءة ووطنية أن يفعلوا شيئا ولا أن يكونوا حكومة قادرة على التغيير أو الإصلاح الحقيقي ، ولا يمكن لهم تغيير أي قرار داخلي له علاقة بالنهج السياسي واستحقاقاته. ولن تكون السياسة الخارجية فيه شأنا عاما ولا قراراتها تتشكل على أسس وطنية ولا على دراسات وخيارات ، ولا على تلمس الرأي العام. ولا شيء اسمه حكومة إنقاذ وطني مع نفس النهج السياسي ، بل حكومة وصولية وطنية. فنحن بحاجة إلى نهج إنقاذ وطني ، ونقطه.
إن شعار ” الشعب يريد تغيير الحكومة ” الذي استخدم بالاحتجاجات الأخيرة فاسد ، ويَصْلح أن يكون شعارا مدسوسا أو شعارا جاهلا وغير واع وغوغائي. ولا يمكن أن يكون شعارا وطنيا ولا ترفعه جهة لديها وعي سياسي ، فليس هو الشعار المطلوب للحالة الأردنية. بل إنه شعار يشكل تعمية على الواقع وتغطية على المطلوب الحقيقي وعلى عملية الإصلاح الحقيقي ، وتشويشا على صاحب القرار وبابا له على طريق المخاطر التي يسير عليها الأردن ، وأستغرب بل وأتساءل كيف لبعض المثقفين والنقابيين والسياسيين أن يركبونه ،. أليست لديهم قناعة بأن أمر الحكومات وقراراتها والأغلبية النيابة وبصمتها هو بيد الملك وحده ؟ كفانا نفاقا ووصولية على حساب الوطن والقضية ، وكفى الملك كلمات التعاطف مع الشعب وهو قادر على تفعيلها ، وقادر بشعبه لجانبه أن يتحدى العالم ويرفض كل الاستحقاقات الصهيونية الظالمة الاقتصادية والمالية والسياسية.
الأردن بملكه اليوم في مرحلة متقدمة من هجوم المحور الأمريكي – الصهيوني – الخليجي ، يُشَن عليه في مسارين ، خارجي وداخلي. وأصبح الداخلي معروفا وضربته القاضية هي في إقرار مشروع قانون الضريبة سياسي الهدف. وقد افتداه الملك بالملقي ليبقى. فهو مشروع مرتبط بالنهج السياسي المفروض ، وسيظهر بشكل أو آخر بجوهره ما لم يستمر الشعب برفضه بكل أساليب الضغط السياسي السلمي ليكون ذلك قاعدة لرفض كل السياسات الاقتصادية الظالمة للخزينة والشعب ،والهدامة للدولة ، وهو الاتجاه الشعبي الصحيح لمساعدة الملك على الانقلاب على النهج.
أما المسار الخارجي فهو سعي المحور الصهيوني – الخليجي لإخضاع الملك لمختلف الضغوطات الأمنية والعسكرية والسياسية وصولا الى تهديد عرشه وهو في اضعف حالاته للانضمام إلى حملة الإجهاز السياسي على القضية الفلسطينية ، وإلى الحملة العسكرية ضد إيران في المنطقة. وفي كليهما مقتل محَتم. فالأردن ونظامه اليوم بلا غطاء سياسي ولا اقتصادي ولا عسكري
إن انتفاضة الشعب الأردني اليوم تجاوزت قانون الضريبة والضغوطات الاقتصادية إلى الدخول في عمق طبيعة الأزمة السياسية بكل وعي وانضباطية. لقد أرادها المتأمرون فوضى وتدمير وتحد للملك وتهديد لكن حساباتهم ومراهنتهم على سلوك النظام وسلوك الشعب في هذه الأزمة كانت عكسية وارتدت عليهم. وهم الآن يلجأون إلى سياسة إعادة التموضع رعبا وتحسبا من تموضع جديد للملك. لكن الشعب أوعى والمفروض أن القيادة الهاشمية لها تاريخ مع هؤلاء ومع وعودهم.
إن كل أردني وطني صادق وقلبه على الأردن وعلى فلسطين وعلى الملك.أن ينصح الملك ويطالبه بعدم الثقة بوعود زائفة وأن يستخدم السهم المتاح لنا والأخير باتجاه تركيا وإيران وروسيا قبل فوات الأوان. ويرمي خلفه كل الترهات وحتى التي يعتبرها الكثيرون كبائر. فلا شيء أكبر من الأردن الوطن وكرامة الإنسان ، ولا خيانة أعظم من ترك فلسطين وشعبها. إن تحالفنا مع كل المتناقضات معا أمر مشروع ومطلوب في وضعنا وتسمح به المعادلات القائمة. وهذا الاتجاه لن يكون مغامرة بلا أمل. بل إن الإبقاء على نهجنا مع أعدائنا هي مغامرة عبثية معدومة الأمل ونتائجها أمامنا.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/06/06