الاستثمار الأجنبي الذي لن يأتي!
د.عبد الوهاب ابو داهش
نظم منتدى التنافسية الدولي الذي عقد في الرياض الأسبوع الماضي من قبل هيئة الاستثمارات العامة، وكلمة الافتتاح بدأها معالي محافظ الهيئة والذي ذكر فيها الكثير عن الاقتصاد السعودي ولكنه لم يتطرق إلى الاستثمار الأجنبي إلا على استحياء. فلم يذكر حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة السنوية، ولم يذكر مجموعها التراكمي، ولم يذكر مساهمتها في إجمالي الناتج المحلي، ولم يذكر ماتم تنفيذه منها ضمن مشروعات معروف، ومالم يتم استثماره من الملتزم به. ولم يذكر المعوقات التي حالت دون استقطاب المزيد من الاستثمارات، وماذا سيتم بشأنها؟ لقد ذكر أن هناك تنسيقا مع خمسين جهة حكومية لإزالة عوائق الاستثمار، لكنه لم يقل ماهي أهم تلك العوائق؟ ومتى يتوقع أن تزال!
فالتنافسية تحتاج إلى إفصاح وشفافية، واعتراف بالعوائق، وتحديدها، والإجراءات لإزالتها. لذا لم تكن بداية منتدى استثماري بهذا الحجم مشجعة بالنسبة لي. وقد تأكد ذلك في الجلسات التي تلت يوم الافتتاح وحضرها وزراء سعوديون. فلم تطرح فرص استثمارية في قطاع الصحة والتعليم والإسكان. ولم تذكر حجم الفرص الاستثمارية المتوقعة في تلك القطاعات. وكيف سيكون دور المستثمر الأجنبي فيها؟ وكيف يمكن تمويلها؟ والخطة الزمنية لها؟ وغيرها من التساؤلات التي جاء الكثير من المستثمرين الأجانب لسماعها ومناقشتها.
نحن نحتاج إلى 4 تريليونات دولار من الاستثمارات المحلية والأجنبية خلال الخمس عشرة سنة القادمة كما أشارت دراسة ماكينزي. ولكننا لم نحصل إلا على 7.6 مليارات دولار في 2015 حسب أحد التقارير الأجنبية التي ترصد الاستثمار الأجنبي. وإذا أضيف إليها استثمارات محلية بنحو 300 مليار ريال منها إنفاق رأسمالي حكومي بنحو 200 مليار ريال، فإننا نتحدث عن 80 مليار دولار سنوياً (محلية) زائداً الأجنبية لتصل إلى 87.6 مليار دولار سنوياً. وهذا يعني أننا سنحقق إجمالي استثمارات تصل إلى 1.3 تريليون دولار في 15 سنة، مايعني أننا حققنا فقط نحو الربع من متطلبات الاستثمار التي ستضاعف لنا إجمالي الناتج المحلي حسب دراسة ماكينزي.
إن من الواضح أننا بحاجة إلى عمل كبير ومضن للوصول إلى استثمارات ضخمة لمضاعفة الناتج المحلي، مع صعوبة استيعاب الاقتصاد المحلي مالم يتم إزالة عوائق الاستثمار، ليس أمام المستثمر الأجنبي فحسب، بل والمستثمر المحلي الذي يواجه تحديات كبيرة نتيجة التغييرات المتعددة والمفاجئة للبعض منها خصوصاً مايتعلق بسياسة التوطين والسعودة، والإنفاق الحكومي البطيء والمتراجع في نفس الوقت، وعزوف المستثمر الأجنبي في الشراكة المحلية، وصعوبة النفاذ في الأسواق بسبب التعقيدات البيروقراطية والهيكلية لمعظم القطاعات.
من أجل ذلك فإن من الأهمية بمكان أن تنشر هيئة الاستثمارات العامة كل العوائق وتناقشها مع المهتمين ورجال الأعمال وموظفي الحكومة لحلها وإزالتها بأسرع وقت ممكن لأنها نفس المعوقات التي كانت قبل إنشاء الهيئة، ومازالت بعد إنشاء الهيئة. وأصبح الحديث عنها أو استعراضها يشكل خيبة أمل، ولعل هذا من أهم الأسباب أن معالي محافظ الاستثمار لم يتطرق لها في خطابه الافتتاحي، حتى لا يصاب المستثمر الأجنبي هو الآخر بخيبة أمل أيضاً، ويمل من الحضور والاستثمار معاً.
نحن تواقون جداً لجذب الاستثمارت الأجنبية، لكن فتح التملك بنسبة 100% لا يعني أن المستثمر الأجنبي سيأتي مهرولاً، فالمشاركة بنسبة 60% أو 40% التي تتبناها بعض القطاعات الهامة قد تكون هي الأنسب للمستثمر الأجنبي ورغم ذلك لم يأتِ. فالمشكلة ليست نسبة التملك لوحدها، فهناك أسباب كثيرة تعلمها الهيئة وعليها مواجهة المجتمع بها وعلينا تقبلها إذا أردنا أن نتخلص من مشاكل البطالة، والاعتماد على النفط، وتحقيق التنويع الاقتصادي الذي نسعى إليه من السبعينات.
جريدة الرياض
أضيف بتاريخ :2016/02/01