عبدالمحسن يوسف جمال

قال تعالى: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ» (آل عمران: ١٤٢)

هذه الحياة الدنيا التي نعيشها فيها من الحلو والمر الكثير، والإنسان يتأرجح بينهما، فيوم هو في سعادة لا تضاهى، ويوم هو في عسر لا يطاق.. هكذا خلقها الله سبحانه دار عبور للآخرة، حيث الخلود الأبدي لمن يعتقد بذلك من المؤمنين باليوم الآخر من كل الأديان.. ويتعرّض الناس كلهم للابتلاءات التي قد تشتد أحيانا لدرجة اليأس من وجود حل، أو القنوط من رحمة الله سبحانه والعياذ بالله.

من هنا، فإن هذه الآية الكريمة ترشد الإنسان إلى حل ناجع لكل مشاكل هذه الدنيا الفانية، وهو التحلي بالصبر الجميل، وهي في حد ذاتها خصلة تحتاج من الإنسان إلى تدريب طويل ليتعلم هذه الخصلة التي قد تريحه كثيرا أثناء المحن والابتلاءات التي ستواجه الناس كلهم خلال مسيرتهم الحياتية.

وتنبه الآية الكريمة من يدعي الإسلام ويتخذه دينا له أن مجرد هذا الادعاء وحده لا يكفي للافتخار إلا إذا ترجمه إلى عمل أصيل يظهر فيه تطبيقه الصادق بمبادئ هذا الدين وأخلاقياته وصبره في تحمّل الأذى أثناء صراعه مع هذه الدنيا ذات الابتلاءات المتنوعة.

والصبر نوع من أنواع الجهاد في الله، لأن المشاكل تصقل الإنسان وتقوّي عزيمته لمواصلة هذه الحياة بالعمل على إيجاد حلول لهذه المشاكل، سواء منها المشاكل الفردية أو التي تعترض المجتمع أو تواجه الإنسانية كلها.

فالبشرية بشكل عام تحتاج هذا النوع من الناس الذين يقومون بأداء واجبهم العلمي والبحثي والديني والأسري بصبر للوصول إلى حلول قد تفيد الفرد أو الأسرة أو المجتمع أو العالم أجمع.

ولذلك، فأن مصطلح الصبر والجهاد قد يتسع كثيرا ليشمل كل من يقدم خدمة جليلة لمجتمعه الصغير أو لعالمه الكبير، سواء كان هذا الشخص عالما في مختبره، أو طالبا في جامعته، أو عاملا بسيطا في عمله، ناهيك عن أصحاب الابتلاءات المتنوّعة.

لذلك، فإن جائزة هؤلاء أن صدقوا مع الله بعملهم وثابروا على مواصلة الحياة رغم صعوبتها بالإيمان بالله والصبر على المحن، وإيجاد الحلول لما يواجهونه من مشاكل، ستكون جنة عرضها السماوات والأرض أُعدت للمتقين.

وحين يستشعر الإنسان هذه الجائزة المستقبلية فستسهل عليه كل صعوبات الحياة وسيواجهها بالصبر ومجاهدة النفس ليحصل عليها من رب غفور كريم.

جريدة القبس الكويتية