الشاهي واللبن والوجه الحسن!
عبدالله المزهر
إذا عودك أحدهم على شيء حتى وإن لم يكن هذا الشيء من حقك أساسا فإنك ستشعر بالامتعاض حين يتوقف عن ذلك.
في العمل أحب إعداد كوب الشاهي أو القهوة بنفسي، وأستحي أن أطلب ذلك من الزملاء المراسلين لأنهم أكبر مني سنا، وكنت أصنع كوبا إضافيا لزميل آخر حتى أصبحت تلك عادة تقريبا، ثم إني غيرت عادتي هذه دون أسباب، وأصبحت أصنع كوبا لنفسي فقط، هذا الأمر أثار الشكوك في نفس زميلي وأني لم أعد أفعل ذلك لأني لم أعد أقدره ولا أحترمه. وبدأ في التعامل معي حسب هذه الافتراضية، واعتبر أني مقصر في حقه بشكل أو بآخر.
بنفس هذه الطريقة تتعامل بعض شركاتنا الوطنية «الكبرى» مع المواطن أو المستهلك، هي تحقق أرباحا سنوية متزايدة والمستهلك يدفع مقابل خدماتها في صمت، وحين تقل أرباحها ـ أو حتى يكون هناك مجرد احتمال بأنها ستنخفض ـ فإن هذه الشركات تفترض أن هذا يعني ضرورة رفع أسعار خدماتها أو منتجاتها، هي اعتادت أنه لا بد أن يحافظ المستهلك على مستوى أرباحها في حد معين، وأن يرفع الأرباح ربعا بعد ربع في السنة المالية، وحين تقل الأرباح لأي سبب كان فإنها تفترض أن واجب المستهلك الحتمي الذي لا مناص منه هو أن يدفع لها أموالا إضافية حتى لا تشعر بالتغيير.
وأنا لا أتحدث عن الخسائر والشركات الخاسرة، أتحدث عن شركات رابحة وتريد مزيدا من الأرباح، وتعتبر أن انخفاض أرباحها ولو بنسبة يسيرة هي مشكلة لا بد أن يدفعها المستهلك لأنه هو من عودها على ذلك.
توجد مشكلة واضحة يعاني منها الجميع، بسبب ارتفاع رسوم الخدمات وبعض القرارات التنظيمية الأخرى، وهذه مشكلة تحتاج إلى الصبر وإلى أن يتحمل الجميع بعض الآلام أملا في الشفاء من مشكلات متراكمة، لكن كثير ـ إن لم يكن كل ـ الشركات وكثير من التجار عموما يريدون أن يتحمل المستهلك وحده كل الآثار، وأن يكون وحده هو حل كل المشكلات المالية والاقتصادية. أن يتحمل الضريبة والرسوم، وأن تبقى أرباح الشركات مستقرة لا ينالها أذى، وهذه قسمة غير عادلة وأنانية وسوء منقلب، لأن المنطق يقول إن هذه الشركات استفادت من جيوب الناس عقودا من الزمن وجمعت أرباحا لم يعد منها على الناس والمجتمع أي شيء. لكنها تترفع عن مشاركة الناس همومها ومشاكلها وتستصعب أن تتنازل عن قليل من أرباحها حتى تمر هذه الأزمة ويخرج منها الجميع.
وعلى أي حال..
حين قررت هذه الشركات أن تشارك المجتمع فإنها اختارت أن تشارك الناس جيوبهم واكتفت بذلك، والمستهلك يتحمل بعض المسؤولية، فهو من عودها أن يدفع مهما عاثوا في الأسعار فسادا، حتى آمنت الشركات أن ذلك هو الحق والواجب والمفترض، وأنها سائرة على الحق لا يضرها من خذلها وقرر أن يترك كل ما غلا ثمنه وتوفر بديله.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2018/07/04