خطوات ما بعد مئة سنة من سايكس بيكو :تصفية القضية الفلسطينية أولاً (بمسمى صفقة القرن) وحلف صهيوأمريكي مع عرب أمريكا
د. عبد الحي زلوم
1- عبودية العقل وغسيل الدماغ :
الجنرال الصيني صن تزو كتب قبل أكثر من 2500 سنة في كتابه «فن الحرب» أنه لا يجب التعامل مع الحرب بخفةٍ وتهوّر، إنما يجب استباقها بإجراءات تؤدي إلى تسهيل تحقيق النصر عبر الحرب النفسية والمخابرات … «فإحراز مئة انتصار في مئة معركة ليس هو الأفضل، بل إن إخضاع العدو بدون قتال هو أفضل ما يكون».
ابن خلدون قال :”إن أقسى أنواع العبودية هي عبودية العقل “. و منذ نشوء الرأسمالية الغربية قبل حوالي 500 سنة تَحَكَمَ بها فئة الــ1% في كل دولة وتحكم بهم أصحاب المال العالمي كالروتشايلدز وعددهم لا يتجاوز العشرات واسموا أنفسهم (اسياد الكون) وأنشأوا من المنظمات الفائقة السرية وشبه السرية ما أمكنهم من إدارة أجنداتهم. وفي القرن العشرين تم تطوير العلوم الإنسانية والاجتماعية بالسيطرة على الجماهير و إعادة تكوين مُثلها ومفاهيمها في ما اسموه صناعة (الرأي العام) وباستعمال ما اسميه ثالوث المال والإعلام والتسويق أصبح ممكناً تسويق البضائع وكذلك الأشخاص إلى المناصب العامة في ديمقراطيتهم وكتبوا الأجندات لمن أوصلوهم إلى السلطة وظنوا أن التّحكمَ بالعالم بأكمله قد أصبح ممكناً وجاؤوا بما اسموه النظام العالمي الجديد أي العولمة والتي حولت الدول عبر الشركات العابرة للقارات كعبيد يُشْغلون كل وقتهم سعياً إلى قوت يومهم وأغرقوا الدول بالديون عبر أدوات عولمتهم كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمؤسسات الشبيهة. وفقدت الدول سيادتها الاقتصادية وبالتالي السياسية . والسؤال هنا هل أن إيصال الأردن إلى مديونيته العالية وتشجيع السياسة الاستهلاكية لا الإنتاجية لها أغراض سياسية ؟ الجواب نعم ودعنا نورد ما صرح به الأستاذ كريم بقرادوني حينما كان رئيساً لحزب الكتائب اللبناني. ففي برنامج متلفز على روسيا اليوم قال أنه سأل رئيس الوزراء آنذاك رفيق الحريري “هل يستطيع لبنان أن يتحمل العبئ الثقيل للديون وفوائدها المتراكمة على لبنان فأجابه الحريري : سيتم شطب هذه الديون بجرة قلم عندما نوقع صلحاً مع إسرائيل . ” وللتذكير فقد شطبت الولايات المتحدة عشرين مليار دولار من ديون مصر نتيجة خدماتها (الجليلة ) أبان حرب الخليج الأولى على العراق !
2- “صفعة” القرن:
من علامات غسيل دماغنا أننا أصبحنا كالببغاوات نردد في عقلنا الظاهر ما تمّ غرسه في عقلنا الباطن . قالوا لنا نحن نُحضر لكم صفقة القرن . وصفقة تعني في ثناياها ايجابية من نوع ما . وهي فعلاً كذلك ولكن ليس لنا ولكن للصهيونية ودولتها في فلسطين. وبداية دعني أبين أنها جزء من المؤامرة استكمالاً لسايكس بيكو. فالمخطط هو تصفية القضية الفلسطينية وهذا ما يجب على الإعلام الوطني أن يستعمله بدل مصطلح صفقة القرن. وهي تمهيد إلى الخطوة التالية وهي بناء حلف صهيوأمريكي من الولايات المتحدة والكيان المحتل و عرب أمريكا ليكون بقيادة إسرائيلية لتحقيق الهيمنة الاقتصادية والسياسية وهذا هو مشروع إسرائيل الكبرى والذي سيكون أول ضحاياه عرب أمريكا .
3- عقلية الصفقات و اغتصاب الأوطان.
في علوم الإدارة الحديثة منذ منتصف القرن الماضي نشأ فرع من علوم الإدارة اسمه السلوك التنظيميOrganizational Behavior) ) وباختصار فإن أي مؤسسة أو دولة يكون تصرفها في الحاضر والمستقبل متأثراً بتاريخها . أما تاريخ الولايات المتحدة فنشأ على اغتصاب الأوطان من أصحابها وأبادتهم الجماعية ووضع ما تبقى منهم في معسكرات احتجاز . كتب الرئيس الأمريكي الأسبق كارتر انه في بداية الأمر لم يجد مشكلة في أن (إسرائيل) اغتصبت الأرض من الفلسطينيين فكتب أن مزرعتي قد اغتصبها جدودي من الهنود الحمر .
كما أن بيع وشراء الأوطان هو أمرٌ مترسخ في التاريخ الأمريكي لمن يعرفه . ففي سنة 1802 تمّ شراء ما تم تسميته بصفقة لويزيانا من فرنسا مقابل حوالي 15 مليون دولار، وتضم أراضي هذه الصفقة ولايات عديدة ابتداء من لويزيانا الحالية وأوكلاهوما واركينسا وولايات عديدة أخرى بل وتشمل مقاطعتين في كندا .
استولت الولايات المتحدة بعد حربها على المكسيك على أراضي من تكساس وحتى كاليفورنيا والتي تمّ ضمها للولايات المتحدة سنة 1850. ثم تم شراء الأسكا من روسيا سنة 1867 . وقام مزارعون أمريكيون بخلع ملكة هاواي وضم تلك الجزيرة سنة 1898 وذلك بمساعدة 300 من أفراد المرينز.
أما بالنسبة للرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب فحسب ما جاء في كتاب للبروفيسورة بلير عن الرئيس ترامب ووالده فكتبت أن والده كون ثروته عن طريق الدعارة ثمّ بصفقات مع المافيا في العقارات في نيويورك وأكمل ابنه دونالد ترامب المشوار. بمثل هذه الثقافة والحضارة والعقلية يجد هؤلاء بأن بيع الأوطان مقابل المال هو أمرٌ طبيعي جداً.
بمنطق الصفقات تقول الصحافة الأمريكية أن ترامب قال لعباس أن عليه أن يأخذ صفقته كما هي وإلا… والأمر نفسه مع رؤساء عرب أمريكا .
يبدوا أن عرب أمريكا قد أعجبوا بنظام (الصفقات) فهم يريدون مقايضة فلسطين وشعبها بصفقة لعلهم يستمرون على رأس أنظمتهم عدداً من السنين لو أمكن.
4- الوسيط النزيه !
المشكلة أن عباس هو اليوم الحي الميت حيث أصبح بضاعة منتهية الصلاحية . أتمنى أنه شرب حليب السباع وتجرأ أن يرفض مقابلة كوشنر و جرينبلات وأن يستمر في موقفه هذا وإن كان لدي شكوك . فهل من لا يستطيع أن يتحرك من شارع إلى شارع أو قرية إلى قرية في فلسطين إلا بتصريح من شاويش من جيش الاحتلال يستطيع أن يقول لا لصهر الرئيس الأمريكي بحجة أن أمريكا قد أصبحت وسيطاً غير نزيه منذ 6/12/2017 ؟ ولكن منذ متى كانت الولايات المتحدة وسيطاً نزيهاً ؟
جاء في كتابي “أمريكا إسرائيل الكبرى يوضح مسئول إيباك السابق ستيفن روزين، الذي تم تجريمه بتهمة تسريب وثائق حكومية سرية لإسرائيل، مدى ما تتمتع به لجنة العلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية من قوة، أمام مراسل النيويوركر جيفري غولدبيرغ، بوضع فوطة مطعم على الطاولة أمامه وهو يقول:” باستطاعتنا الحصول على تواقيع 70 سيناتوراً على هذه الفوطة في أقل من 24 ساعة”.ما يقوله بروفيسوران من جامعتي هارفارد وشيكاغو الشهيرتين في كتابهما عن اللوبي الإسرائيلي أنه لا يوجد سياسة أمريكية في الشرق الأوسط وإنما سياسة إسرائيلية تنفذها الولايات المتحدة .
كيف لنا أن نثق أو نصدق أي كلمة يقولها رئيس سلطة لا وطنية تقوم بأعمال الكناسة والحراسة للاحتلال ولا يستحي أن يقول أن التعاون التجسسي ضد شعبه لخدمة الاحتلال هو أمرٌ مقدس !
5- يا حلفاء واشنطن :” المتغطي بالأمريكان عريان “.
منذ منتصف العقد الأول من القرن الحالي بدأ الرئيس السابق حسني مبارك يشعر بأن الولايات المتحدة ستخذله فدأب يقول لمن يثق بهم : “المتغطي بالأمريكان عريان” . المشكلة أن ذاكرة البعض قصيرة .
ليس للأباطرة أصدقاء ولا صداقات. مات ماركوس في منفاه، وضاقت الأرض بما رحبت لقبرٍ يـُوارى به جثمان شاه إيران. جنـّدت الولايات المتحدة ألوف المتطوعين البسطاء ليجاهدوا معها ضد الكفار السوفييت في أفغانستان وكذلك في سوريا وبعد أن قـُضي الأمر، أين أصبح هؤلاء؟ منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ! ثم أين هو سوهارتو؟ وأمـّا مانويل نورييغا فلقد بدأ حياته مخبراً ثم عميلاً من الدرجة الممتازة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية حيث أوصلته إلى حكم جمهورية بنما. ثم أصبح السجين رقم 41586 في أحد سجون ميامي الفيدرالية بولاية فلوريدا.
6- (صفقة قرنهم) مصيرها الفشل لربما عاجلاً لا آجلاً.
لربما وصل البعض إلى استنتاج ما قاله سعد زغلول لزوجته (غطيني يا صفية مفيش فايدة). والحقيقة أن أمتنا اليوم تعيش في عصر جاهلية جديدة إلا أن الحقيقة على الأرض تقول أن الشعب الفلسطيني لن يهزم . حدثني الصديق الدكتور منار الفرا عن حوادث عاشها بنفسه حينما كان مديراً متطوعاً لمستشفى العودة في جباليا بقطاع غزة. ومن تلك الحوادث كما رواها ” أثناء الاجتياح كانت هناك عاملة بالمستشفى تدعى أم خليل ولها ابن وحيد استشهد أثناء الاجتياح ولما ذهبت لتعزيتها بدأت تزغرت وتقول لي لا تُعزيني بل هنيني يا حكيم لاستشهاده وكانت مفاجأة لي شديدة فهذا ابنها الوحيد وعمره 21 عاماً .”
كما حدثني عن حادثة أخرى :
“لا أنسى فتاة فلسطينية اسمها إسلام دويرار وعمرها 12 عاماً جاء والدها يحملها إلى المستشفى وهي مصابة بقذيفة دخلت من ظهرها وخرجت من بطنها وكانت شبه منتهية وحاولنا علاجها دون جدوى وفارقت الحياة وكان هناك قرط ذهبي في أذنيها فخلصته منها ونظفته وبصفتي مديراً للمستشفى ذهبت لوالدها لأخبره وترددت قليلاً فقال لي : استشهدت إسلام فقلت نعم والعوض بسلامتك. فقال لي أنها ليست أعز عندي من الشهداء الشبان وناولته الحلق وقلت له هذا ذكرى من إسلام فرفض وقال لي يا حكيم هذا المستشفى تطوعي خذوا الحلق ليساهم في مصروفاتكم .
وهناك أسباب عديدة للتفاؤل العقلاني . فأولاً كما يتنبأ المؤرخون والباحثون فإن الإمبراطوريات تنهار بعد أن تتوسع فوق إمكانياتها المادية والعسكرية . والولايات المتحدة وصلت اليوم إلى هذا المستوى فهي لم تربح حرباً واحدة شنتها خلال هذا القرن سواء في أفغانستان أو العراق أو سوريا . وهي اليوم تعادي العالم بأكمله وتشن حرباً اقتصادية حتى ضد أصدق حلفائها وتحولت إلى دولة مافيا تفرض الأتاوات على الدول ومصيرها مصير الاتحاد السوفياتي قبل سنوات قليلة .
وأما السبب الثاني فهو أن الحضارة الإسلامية العربية قد أثبتت خلال القرون أنها أقوى من غزاتها . جاء التتار غزاة واحتضنتهم الحضارة العربية الإسلامية فتبنوها وحاربوا من أجلها. واليوم بدأت عملية إعادة تكوين مُثلنا الذاتية فأنتجت حركات وشعوب مقاومة .
وثالثاً : بعد أن يتم تكنيس عملاء الحركات الفلسطينية التي أوصلت القضية الفلسطينية إلى ما هي عليه اليوم فإن هذا الشعب استطاع بالحجارة أن يقاوم الاحتلال بكل أجهزته الأمنية وجيشه لأكثر من خمس سنوات إلى أن تمت مؤامرة أوسلو . هؤلاء الذين نصّبهم الاحتلالُ والولايات المتحدة على سلطةٍ لا وطنية سيتم تكنيسهم . انظروا إلى آلاف الشباب الذين يقاومون الاحتلال بطائرات ورقية . وستثبت الأيام أن الكيان الصهيوني هو نمر من ورق ليس لها مقومات الحياة الذاتية. وزمن الهزائم يبدو انه قد ولّى ونحن مقبلون على فجر جديد.
الملخص المفيد :
قال أنشتاين ” لا يمكن حل المشاكل من نفس العقول التي سببتها .
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/07/05