قمر الفوضى وأصبع الصحفي..!
عبدالله المزهر..
لا أعرف الصحفي الذي تقمص دور الطبيب في مستشفيات جدة، والحقيقة أني أيضا لا أعرف مستشفيات جدة نفسها، وأسأل الله لي ولكم أن تكون علاقتنا مع المستشفيات لا تتجاوز «السلام من بعيد».
صحيح أني سأغضب كثيرا لو كنت مريضا ثم ذهبت إلى المستشفى وشرحت حالتي باستفاضة للطبيب ثم اكتشفت بعد ذلك أنه صحفي وأنه لم يسبق له أن مر بجانب سور كلية الطب. وأظن أني سأغضب ليس لأني أفشيت سرا لشخص غير معني به، ولكن الأمر المستفز هو أنه من المؤكد أن طريق الوصول إلى ذلك الطبيب كانت شاقة ومتعبة ومضنية، ولذلك فإنه من العبث إعادة الكرة من جديد والبحث عن طبيب حقيقي.
وزارة الصحة ـ مشكورة ـ تركت قمر فوضى المستشفيات وتشبثت بأصبع الصحفي، وقررت أن تحاكمه وأن تجعله عبرة لكل صحفي يفكر في أن يكشف خللا أو ثغرة في الأماكن التي يؤمها الناس باحثين عن أمل الشفاء بعد أن أتعبهم واقع الشقاء.
مع أن الرسالة التي يفترض أن وزارة الصحة تلقتها وفهمتها وقررت حلها هي أن دخول هذا الصحفي يعني إمكانية دخول غيره ممن لا يحمل نواياه ولا رغبته في الإصلاح وسد الخلل. ولو كنت مسؤولا في وزارة الصحة لشكرت الصحفي وتكفلت باحتياجاته من البنادول طوال فترة عمله في الصحافة.
وقد يسأل سائل أو يقول قائل بأن الطريقة التي استخدمها الصحفي لكشف الخلل كانت مؤذية لآخرين، وهذا صحيح إلى حد ما، ولكنه أذى أخف من أذى الفوضى، وبقليل من التمعن والتدبر والتفكر سنجد أنه ما من وسيلة أخرى أكثر نجاعة من هذه الطريقة لكشف مشكلة ما وتسليط الضوء عليها.
وإحقاقا للحق فإن وزارة الصحة في الآونة الأخيرة لها كثير من المبادرات الإيجابية وفيها تغيير ملحوظ، لكنها ستعود لنقطة الصفر ـ وربما ما دونها ـ إن اقتنع المسؤولون عنها أنها وصلت إلى درجة لا يمكن نقدها وأنها منزهة من كل عيب وخلل. وإن
من دلائل الفشل وعلاماته الأولى ـ في أي جهة وفي أي مكان ـ اعتبار النقد عداوة والسعي لقطع كل أصبع تشير إلى خلل.
وعلى أي حال..
وبمناسبة الصحفي ومحاكمته وإحالته للنائب العام فإني قد حاولت جاهدا أن أبحث عن مهمة «هيئة الصحفيين» والحقيقة أني لم أجد لها مهمة سوى انتخاب رئيسها. وهي مهمة وحيدة لكنها ليست سهلة ولا تقدر عليها أي هيئة أخرى، ونسأل الله أن يعينها ـ أي الهيئة ـ على هذه المسؤولية الملقاة على عاتقها إن كان لها عاتق!
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2018/07/25