كيف يعترف الحلف السعودي ـ الإماراتي بالخسارة؟
د. وفيق إبراهيم
انهيار المعارضات الإرهابية في سورية يلقي بتداعياته على كل الدول الداعمة لها. إنما بأشكال مختلفة وحسب تباين أحجامها وقواها.
الأوروبيون كدأبهم يقفون خلف معلمهم الأميركي في هجومه وتراجعاته.. فمن يرى السياسات الفرنسية والبريطانية كيف كانت قبل سنوات خمس أي يوم كان الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي يرسل التهديدات المتتالية إلى الرئيس بشار الأسد ومجمل حكام المنطقة بكل صفاقة، متوعّداً بأن قواته لن تتأخر عن دخول دمشق وبنغازي وبغداد، وكيف أصبحت هذه السياسات اليوم خجولة متأدبة تدعو إلى الحوار الداخلي وتجزم بأن الأسد باق رئيساً لسورية ولا مانع لديها.
الأميركيون من جهتهم باعوا محاولاتهم بتفتيت سورية إلى الروس فعقدوا معهم مؤتمراً في هلسنكي أوكل شؤون الحل السوري حصرياً بموسكو التي أصبح لزاماً عليها إيجاد حلول تلغي الأدوار التركية الإسرائيلية في الميدان السوري، والعمل على القضاء على آخر ما تبقى من بؤر إرهابية في سورية.
أما ما أخذته واشنطن كمقابل فلم يتضح بعد، علماً أن الحلف بين الدولة السورية وروسيا وإيران وحزب الله ربح معركة سورية عسكرياً ما أدى إلى تراجع الدول الغربية المتورطة بالقوة وليس نتيجة تفاهمات، وبدوره فإن الكيان الإسرائيلي الغاصب الذي عمل طويلاً على تفتيت سورية من خلال دعم الإرهاب وقصف الجيش السوري ومواقع حزب الله والمستشارين الإيرانيين، لجأ إلى موسكو ووسَّطها ليعود الجيش العربي السوري إلى حدود 1974. هذه الحدود السورية مع الجولان السوري المحتل اخترقتها «إسرائيل» التي دعمت فيها مئات آلاف الإرهابيين وأمنت لهم تغطية وحماية من هجمات الجيش العربي السوري.
الأردن بدوره انسحب من دعم المشروع الإرهابي مغلقاً حدوده في وجه نازحين سوريين فرّوا نحوها نتيجة أعمال الإرهابيين الذين هاجموا الجيش فصدّهم من عمليات قتالية ضارية أدّت إلى تحرير كامل محافظة درعا ومنطقة القنيطرة بحدودها مع الجولان السوري المحتل والأردن وقسم من الحدود مع العراق.
أما تركيا فكانت من أول البلدان المتورّطة التي استشعرت بهزيمة المشروع الإرهابي بعد وقت قليل، على بداية التدخّل العسكري الروسي في سورية.. فقبلت بالتحوّل من دولة داعمة للإرهاب بفتح حدودها ذات الألف كيلومتر مع سورية للسلاح والتمويل وبيع النفط واجتياحات الجيش التركي إلى دولة ضامنة إلى جانب موسكو وطهران ولا يزال الرئيس التركي أردوغان يُعوِّلُ حتى اليوم على بيع «النصرة» والإرهاب مقابل ضرب المشروع الكردي في سورية وإيلاء الإخوان المسلمين السوريين والتركمان حصصاً سياسياً في التسويات الداخلية المرتقبة.
كل الأطراف المتورطة إذاً أقرّت تباعاً بهزيمة الإرهاب الذي كانت تؤيده… وحدهما السعودية والإمارات تريثتا طويلاً قبل إعلان المؤشرات عن إقرارهما بالهزيمة…
كان لزاماً المزيد من وسائل الإقناع لإحباطهما. وتتابعت بما أصابهما بجنون لتغيّر الحال بسرعة برق:
ما هي المؤشرات؟
أولها انهيار الإرهاب في الجنوب السوري من حدود الجولان حتى أقصى العراق مروراً بالأردن وانفراط عقد الدول المتورّطة تباعاً الواحدة تلو الأخرى.
لقد شكّل انتصار الجيش السوري في محافظتي القنيطرة ودرعا الضربة التي قصمت ظهرَيْ الإمارات والسعودية اللتين خسرتا آخر تنظيمات إرهابية كانتا لا تزالان تراهنان عليهما كوسيلة لنفوذيهما السياسي.. ما شكلت خسارتهما إنهاء للدورين السعودي الإماراتي مقابل الصعود الحصري في شمال سورية للنفوذ التركي المتعاون مع جبهة النصرة في إدلب والشمال ومنظمات الإخوان المسلمين وميليشيات تركمان سورية وبعض السوريين الذين جنّستهم تركيا مؤخراً.
هناك الكثير من المؤشرات الإضافية التي أقنعت آل سعود وآل نهيان بانهيار دوريهما ليس في سورية فقط بل في الإقليم وتبدأ بخسارة الهجمات التي شنوها في الساحل الغربي عند منطقة الحديدة في اليمن. والهزيمة هنا ليست السبب الحصري في اقتناع الخليجيين بالمصاب الذي حلّ بهم. إنها قصف بارجة سعودية قرب الساحل اليمني الغربي وضرب سفينة نفط سعودية في المنطقة نفسها.
أما الأنكى فإن الأميركيين لم يعلقوا على الموضوع بالحدّة التي يريدها حكام الخليج… ولم تسارع البحرية الأميركية كما كان هؤلاء الشيوخ يتوقعون إلى قصف أنصار الله في اليمن أو في الحديدة… وهذا أضعف الإيمان حسب تحليلاتهما المعقدة..! إلى حدود السذاجة وكأنهم كانا يعتقدان أن واشنطن تعمل من أجلهما.
أما المصيبة الكبرى التي أصابتهما بسعار كتماه خشية انهيار وضعيهما في بلدانهما، فتتعلقُ بتصريح مباغت دعا فيه الرئيس الأميركي ترامب الإيرانيين إلى حوار مفتوح ومن دون شروط مسبقة لإنهاء التوتر في العلاقات بينهما.. إنه الجنون بعينه الذي فتك بالخليجيين وأرداهم.
فهم كانوا يحلمون بأن تحوّل تهديدات ترامب إيران ركاماً، كما كان يتوعّدهم.. وهيأوا أنفسهم لضرب خطوط المقاومة في العراق وسورية ولبنان واليمن مع العودة إلى أسرها في سجون الاستتباع والتخلف.
وما أخرجهما عن طورهما، فهو الرفض الإيراني لهذا العرض الأميركي وإصراره على عودة واشنطن إلى الالتزام بالاتفاق النووي والتوقف عن شيطنة إيران.
عند هذا الحد توقف الخليجيون عن الاستمرار بالأحلام مقرّرين الانسحاب التدريجي من التزاماتهما بدعم الإرهاب وتسهيل الظروف لصفقة القرن التي كان يفترض بها أن تُلغي قضية فلسطين إلى الأبد.
ولما أيقن المحمدان بن سلمان وبن زايد أن سقوطهما الكبير أصبحا قاب قوسين أو أدنى من التحقق، اتفقا على تصعيد القتال ضد اليمن، والانكفاء الكامل عن معارك سورية، لقد أنجزا حركتين مضحكتين ومتتابعتين: الأولى تتعلق بهيئة المعارضة في مفاوضات أستانة وسوتشي الذي وافق للمرة الأولى على الوقوف في وجه الإرهاب «النصرة وداعش» وتأييد تشكيل لجنة دستورية وعودة النازحين السوريين إلى بلادهم.
وبدا الأمر كما لو أن صراعاً خليجياً تركياً على إدارة المعارضة السورية مرشح للاندلاع والتصعيد.
لكن ما كشف الحركة السعودية الخليجية بدا واضحاً في برقية طيّرها الملك سلمان لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بقوله له فيها بأنه معه كيفما اتجه. وأن السعودية مع القدس الشرقية عاصمة لفلسطين ولا تقبل بغير ذلك على الإطلاق.
مع الإشارة إلى أن محمد بن سلمان وعشرات السياسيين السعوديين كانوا قد أعلنوا في الثلاثة شهور الماضية أن القضية الفلسطينية انتهت بكل تفاصيلها، معتبرين أن الفلسطينيين أنفسهم هم مَن قضوا عليها بترددهم عن الصلح مع «إسرائيل» في أوقات ماضية.
كما أن وسائل الإعلام كشفت عن تنسيق إسرائيلي سعودي إماراتي – بحريني لشنّ حرب مشتركة على إيران – فما الذي تسبّب بهذا الانقلاب السعودي؟
إنه يكلل تأكيد نصر الدولة السورية ونجاح أنصار الله في الصمود في اليمن – مع تراجعات ترامب الذي يطلق عشرات التصريحات المتناقضة في اليوم نفسه غير عابئ بغضب إبن سلمان أو رقصة العرضة التي أداها الملك سلمان أمام ترامب قبل أن يرغم آل سعود على تقديم 500 مليار دولار لبلاده.
وهكذا انقلبت السياسة السعودية رأساً على عقب، فها هي تحاول اليوم العودة إلى المنطقة من بوابة قضية فلسطين بهدفين: منع انضمام الفلسطينيين إلى محور المقاومة والالتفاف على الانتصار السوري… وهذا بحد ذاته إقرار صريح بانهيار صفقة القرن الأميركية السعودية الإسرائيلية، بسبب النصر في الميدان السوري لقوى المقاومة.
هذا هو الرهان الخليجي الجديد الذي يأمل حكام الرياض المحافظة من خلاله على الحد الأدنى من دورهم الإقليمي والعربي.
ويريدون تركيز جهودهم على ابتلاع اليمن عبر المزيد من تحقيق انقسامات عربية وجذب الغرب الأميركي لمشاركتهم هجمات جديدة على صنعاء والحديدة.
ومجدداً يراهن حكام الخليج على المستحيل، اليمن المهيأ للصمود سنوات أخرى، وسط توقعات بارتفاع حمى الطائرات اليمنية المسيّرة التي قد تفضي غاراتها إلى رحيل الشركات الغربية العاملة في الخليج… ما يؤدي إلى استنفاد القيمة الخليجية النفطية عند الغرب. فيصبح السؤال: متى تنهار دول لها وظيفةٌ وحيدة وهي تأمين النفط والمال للقوى الأميركية والأوروبية؟
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2018/08/03