ياحبذا .. ياوزير الخارجية
طراد بن سعيد العمري
أعلنت السعودية استعدادها إرسال قوات برية للمشاركة في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في سوريا ضمن التحالف الدولي. وهنا نتساءل: أليس من الحكمة أن يقوم وزير الخارجية بالطلب من الملك دعوة مجلس الشورى لعقد جلسة طارئة وسريّة يقوم خلالها الوزير بعرض الموقف السياسي والتطورات الجارية على الساحة الإقليمية والدولية والدوافع التي أدت بالسعودية للمشاركة بقوات برية، وعرض الخيارات والتداعيات المُحتملة والأهداف المراد تحقيقها من عملية المشاركة هذه؟ صحيح أن مثل هذا الإجراء قد يشكل سابقة في خطوات وإجراءات اتخاذ القرار السياسي السعودي، لكن السعودية اليوم ودورها ومسئولياتها مختلفة بشكل كبير عن الماضي نظراً لما يجري على الساحتين الإقليمية والدولية. ولذا فإن إدخال مجلس الشورى ضمن خطوات اتخاذ القرار هو إجراء محمود، وسابقة جيدة، وسنة حميدة، ستحسب للملك سلمان وعهده.
إرسال قوات برية إلى خارج الحدود في عملية عسكرية هدفها القتال هي مهمة غير عادية وربما استثنائية، وليس بمقدور أحد التنبؤ بمدتها أو كلفتها الإستراتيجية أو السياسية أو العسكرية أو الإقتصادية. ولذا تعزف كثير من حكومات الدول عن الدخول فيها أو تبسيطها أو الإنفراد بالقرار فيها، وتتخذ دساتيرها وقوانينها وأنظمتها العديد من الإجراءات شبه المعقدة لمناقشتها بعمق والغوص في كثير من الاحتمالات. كما أنه من العسير جداً التنبؤ بمدة أو كلفة الحرب، فمعرفة متى تبدأ الحرب قد يكون يسيراً، لكن من العسير معرفة متى تنتهي الحرب وكيف. الحرب العراقية / الإيرانية، على سبيل المثال، بدأت بفرضية استمرارها (٨) أسابيع لكنها استمرت (٨) سنوات (١٩٨٠-١٩٨٨)، واستنزفت تلك الحرب الكثير من موارد الدولتين. وبالرغم من النصر الهش الذي زعمه صدام حسين (العراق)، إلا أن تلك الحرب ولّدت حروب أخرى في المنطقة، ولا زالت العراق والمنطقة تدفع بعض أثمان تلك الحرب.
الوضع في سوريا مختلط ومركب ومعقد، فسماء العراق وسوريا باتت مزدحمة بالطائرات من معظم دول العالم: أمريكا وروسيا وتركيا وفرنسا وبريطانيا وبقية دول التحالف الدولي منذ أكثر من عام، لكن لم تجرؤ دولة على إرسال قوات برية على الأرض لتعقيدات الوضع. التدخل الروسي، من جانب أخر، زاد الأمر تعقيداً حيث أن روسيا تدعم الدولة السورية ورئيسها ونظامها وجيشها وتتمسك بالتعريف القانوني للسيادة والشرعية وللإرهاب، أيضاً، الذي يشمل كل فرد أو مجموعة تحمل السلاح ضد النظام والحكومة الشرعية والجيش، مما جعل المعارضة السورية كجيش الفتح وأحرار الشام مستهدفة من الطيران الروسي. بالإضافة لضرب مواقع حساسة لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الذي بدء بالتلاشي قليلاً في سوريا والعراق والظهور بشكل أكبر في ليبيا واليمن وبعض مناطق العالم، حيث أعلن بان كي مون قبل أيام أن ٣٤ جماعة مسلحة في مختلف أنحاء العالم بايعت “داعش”.
في السعودية، يضطلع الملك بمثل هذا القرار الصعب والمهمة الثقيلة، فهو حامل الأمانة العظمى، ورأس الدولة، ويرأس مجلس الوزراء، والقائد الأعلى لكافة القطاعات العسكرية، وله كافة الصلاحيات من دون أي منازع، ومع ذلك نجد أن الملك سلمان، حفظه الله، يستنير بآراء كثير من الجهات قبل اتخاذه قرارات مصيرية وحساسة. بل أننا نؤكد أن الملك يستطلع أراء الأشقاء والأصدقاء والحلفاء، بالرغم من أنه غير ملزم بذلك شرعاً أو قانوناً أو عُرفاً. كما نلاحظ أن السعودية أحجمت في الماضي عن المشاركة في كثير من الأحداث ليس خوفاً من الحرب والقتال، بل تجنباً للدخول في مغامرات غير محسوبة النتائج تزج بالقوات المسلحة السعودية في أتون حروب ليست من صميم الدفاع عن السعودية وحدودها ومقدراتها. ولا شك أن مجلس الوزراء، ومجلس الشئون السياسية والأمنية، والعسكريين المعنيين قد أشبعوا موضوع مشاركة قوات برية، بحثاً ودراسة وتمحيصاً. ولكننا نرى أن مشاركة مجلس الشورى سيزيد من صلابة وتحسين وتحصين القرار. فالمجلس يحتضن خلاصة المتميزين في المجتمع السعودي، وتم إختيارهم بعناية فائقة، ويمكن لنا الجزم بأنهم جميعاً ومن دون استثناء يملكون من الوطنية العالية ما لا يقل عن جندي أو ضابط مرابط على الحدود والثغور السعودية.
يضم مجلس الشورى (١٤) لجنة متخصصة، من بينها لجنة الشؤون الأمنية، ولجنة الشؤون الخارجية. فلجنة الشؤون الأمنية، على سبيل المثال، تختص بدراسة الموضوعات ذات العلاقة بالجهات العسكرية والشئون الأمنية وتقوم بدراسة الموضوعات والأنظمة واللوائح ذات العلاقة بالشؤون الأمنية والعسكرية ومنها: سياسات الدفاع والأمن الإستراتيجي، وأيضاً، الاتفاقيات الدولية أو الإقليمية أو الثنائية ذات العلاقة بالجوانب الأمنية أو العسكرية. أما لجنة الشؤون الخارجية فتختص بدراسة الموضوعات ذات العلاقة بالشؤون الخارجية والمنظمات الإقليمية والدولية ومذكرات التفاهم والاتفاقيات والمعاهدات ذات العلاقة بالشؤون السياسية والخارجية. وكل لجنة تضم (١١) عضواً على قدر عالٍ من العلم والخبرة والكفاءة، ويمكن لهاتين اللجنتين بحكم الاختصاص المساهمة في الإعداد للإيجاز المقدم من وزير الخارجية، لكن اللجنتين لا تغنيان عن عرض المشروع على مجلس الشورى بكامل أعضائه.
عرض مشاركة قوات برية سعودية على مجلس الشورى يبدو لأول وهلة عند البعض فيه نوع من الحد من حرية مُتَّخِذ القرار، وهذا صحيح بعض الشيء، لكنه يحمل في طياته بالمقابل الكثير من الإيجابيات من أهمها “إبراء الذمة”. وهذه الإيجابية في حد ذاتها ستعطي طاقة كبيرة لوزير الخارجية دبلوماسياً وسياسياً، وثقة أكبر للقادة العسكريين في الميدان إستراتيجياً وتكتيكياً، كما تعطي انطباعاً إيجابياً للداخل والخارج عن خطوات القرار السعودي. فلم يكن واجباً على الملك فهد رحمه الله، على سبيل المثال، عرض أمر استدعاء قوات أجنبية على هيئة كبار العلماء في العام (١٩٩٠م) لتأمين السعودية ضد طموحات العراق بعد غزوه للكويت، لكنها فعلها اعترافاً بدور الفقهاء في أمر يحمل خطورة عالية وضرورة قصوى. الأهم من ذلك كله، هو ضمان مُتَّخِذ القرار بأن أي تطورات مستقبلية في مهمة تلك القوات تكون معلومة لأهل الحل والعقد في المجتمع ونعني بذلك هنا مجلس الشورى.
الدور الجيوسياسي والإستراتيجي والسياسي المستجد للسعودية اليوم يتطلب مشاركة أكبر عدد ممكن من مؤسسات الدولة مع الحكومة في اتخاذ القرارات الكبرى ومن أهم تلك القرارات، الانخراط في عمليات عسكرية بقوات برية على أراضي الغير، وهو بالمناسبة ما تعزف عنه كثير من القوى العظمى التي دأبت على إرسال جنودها خارج حدود بلادها. الجديد في الأمر، أن العالم سيشهد في الحقبة الحالية والمستقبلية الكثير من بؤر التوتر في منطقة الشرق الأوسط والعالم، مما يتطلب تدخلاً عسكريا على الأرض بشكل مستمر وشبه دائم، وإذا كانت السعودية تدعو اليوم من مركز القيادة إلى مشاركة الآخرين معها في حل معضلة أمنية أو عسكرية هنا أو هناك، فالآخرون سيطلبون من السعودية مستقبلاً المشاركة في حل معضلاتهم الأمنية والعسكرية على مبدأ المعاملة بالمثل. ولذا فإن عرض أي مشاركة عسكرية في الخارج على مجلس الشورى سيكفي مُتَّخِذ القرار الحرج.
ومن هنا، نجد أن المبادرة بإشراك مجلس الشورى في قرار مثل إرسال قوات برية وجنود على الأرض في مهمات خارج الحدود، ستكون مبادرة وسابقة وسنة حميدة تجيّر للملك سلمان، أيده الله. كما أن الملك بصفته رئيس مجلس الوزراء له الحق في إحالة أي أمر يراه إلى مجلس الشورى لاستطلاع رأيه. ويجب أن يتوقع وزير الخارجية خلال عرض مشروع إرسال قوات برية إلى خارج الحدود ألف سؤال وسؤال، لكن (٩٠٪) من تلك الأسئلة هي تساؤلات مشروعة ستقوّي من موقف الوزير وستفتح ذهنه على كثير من الزوايا الغير مرئيّة، ولربما أن بعض من تلك الزوايا لم يلتفت إليها فيعمل على تحسينها وتحصينها. كما يجب أن يتوقع وزير الخارجية، أن يتم تأجيل ألَّبت في المشروع برمته لحين الإجابة على تساؤلات والعودة مرة أخرى إلى مجلس الشورى. وليتوقع الوزير، ثالثاً، أن الأعضاء لم يقتنعوا ويتم رفض مشروع إرسال قوات برية إلى الخارج. عندها لا يجب أن يستنكف الوزير أو مُتَّخِذ القرار من رفض المشاركة، فذلك أمر إيجابي وليس أمر سلبي مطلقاً.
أخيراً، الدور القيادي للسعودية يتنامى بشكل متسارع وأصبحت القوى العظمى والمؤثرة في العالم تدرك ذلك وتتطلع إلى القرار السعودي بحكم زعامتها الإقليمية والعالمية، يقول شاعرنا العربي: لولا المشقة ساد الناس كلهموا *** الجود يفقر والإقدام قتال. ولذا نتوقع أن تزداد مشاركة السعودية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً في المستقبل بحكم دورها القيادي، وأكبر دليل على ذلك، مشاركة السعودية في (٣) تحالفات في أقل من عام: التحالف العربي؛ التحالف الدولي؛ والتحالف الإسلامي العسكري. ختاماً، لن يضير وزير الخارجية أن يقترح على ولاة الأمر أن يتم الطلب لعقد جلسة طارئة لمجلس الشورى، صحيح، أن وزير الخارجية سيتعّرق قليلاً، ويتحرّج كثيراً، وينشف ريقه بعض الشيء، لكنه سيكون أكثر اطمئنانا مهما كانت النتائج. يقول المتنبي:
الرأي قبل شجاعة الشجعان *** هو أول وهي المحل الثاني
فإذا هما اجتمعا لنفس حرة *** بلغت من العلياء كل مكـان
حفظ الله الوطن.
صحيفة أنحاء
أضيف بتاريخ :2016/02/10