عن “سائِق تكسي” يسألني هل تَكتُب ما تُريد؟.. وعن “وقفة رجل واحِد” ضِد “الرئيس أو المليك”!
خالد الجيوسي
يبدو أنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مُتأثِّرٌ نوعاً ما بالأنظمة “الديكتاتوريّة” التي يَنتَقِدها، وهو يسير بمنظومة الولايات المتحدة الأمريكيّة الديمقراطيّة نحو الهاوية، آخرها كان هُجومه على الصِّحافة، واعتبار أن كُل من لا يُؤيّد سياسات الإدارة الحاليّة، هو عدوّ للشَّعب، كما أنّ كُل التقارير التي تنتقده هي بمثابة “أخبار كاذبة”.
هذه الاتِّهامات التي يُوجهها الرئيس الأمريكي، شبيهةٌ بتلك التي تُروّجها بعض أنظمتنا العربيّة الحاليّة، فأصحاب الرأي، والأقلام الحُرّة، إمّا عُملاء، أو مندسين، أو أصحاب أجندات خارجيّة، يهدفون إلى خلق البلبلة، وعدم الاستقرار، وإلى ما هُنالك من عبارات تُشبه إلى حد كبير اتّهامات ترامب لصحافة بلاده، والتي منها “أعداء الوطن”.
الفارٍق الوحيد في أمريكا وبين تلك الأنظمة، أنّ ليس هُناك من صِحافة الدَّولة التي تَلتزِم الصَّمت على تجاوزات القادة، وتُحاول تبرير تصريحاتها، أو ما بات يُعرَف في وطننا العربي بالتَّشبيح، والتَّطبيل، بَل على العَكس تُهاجِم هذه المنابر أيَّ مَشهدٍ من مَشاهِد التَّسلُّط، وتُمارِس دورها كمُراقب، وتلتزم بمعايير المادّة الأُولى من الدُّستور الأمريكيّ التي تضمن حُريّة الصحافة.
الصُّحف الأمريكيّة كان لها “وقفة رجل واحد”، حين أطلقت حملةً مُنسَّقةً من المقالات الافتتاحيّة، تحت عُنوان “لسنا أعداء لأحد”، وهي الحملة التي قادتها صحيفة “بوسطن غلوب”، واعتبرت أنّ مثل تلك التصرّفات تُشجّع رؤساء مثل بوتين وأردوغان على مُعاملة الصحافيين كأعداء، وهي الحملة التي شاركت فيها (200) صحيفة في البِلاد.
لسنا من المُعجَبين أبداً بالتَّجرِبة الأمريكيّة، ولا نُحَبِّذ أبداً حتى اعتمادها كمِثالٍ للمُقارنة، قد يُفهم منه الإعجاب، لكن نعتقد أنّ على الصحافة والصحفيين دور منوط، وواجب مُقدَّس، وصوت يجب أن يكون سقفه السَّماء، أمام أي مُحاولات لقطع الصوت، والزَّج به خلف القُضبان، وهو ما يحصل في صُحفنا العربيّة للأسف، وفي مُحاولات بائسة لتجنّب مقص الرقيب، والأخير أي الرقيب الذي تُمارس عليه الرقابة أيضاً، ويُفضّل أخيراً مبدأ كما يُقال “السَّير جنب الحيط”، وهو مبدأ لا يتناسب أبداً مع مبادئ الصحافة الحُرّة، وهُنا ربّما يكمن مبدأ غيرة الكاتب الصحافي العربي، من نظيراته الصُّحف الغربيّة، والأمريكيّة على وَجه الخُصوص.
في دولنا العربيّة، من يجرؤ على تنظيم حملة، كتلك الحملة التي نظّمتها الصحف الأمريكيّة ضد الرئيس، الجميع فقط يجرؤ على تعظيم هذا المليك، أو ذاك الأمير، وما من صوت آخر إلا وكان ضيفاً سريعاً خلف القُضبان، وأحياناً حتى لو مارس فضيلة الصَّمت.
صحيح أنّ الحملة التي نظّمتها الصُّحف الأمريكيّة، قوبلت بالنَّقد من بعض وسائل إعلام أُخرى، وحتى النصف الآخر المُؤيّد للرئيس، لكن في المُقابِل أيضاً سلّطت الضُّوء على أجواء سلبيّة عدائيّة قد يكون أشاعها الرئيس ترامب، لموقفه المُعادي للصُّحف، وربّما فتح المجال أمام هجمات عنيفة كالذي استهدف “كابيتال غازيت”، وأوقع قتلى، وهُنا تكمن تحديداً حُريّة الرأي.. والرأي الآخر التي بِتنا نفتقدها في صُحفنا العربيّة المحليّة، والدوليّة، وإن بتفاوت.
لا نَعلم حقّاً، ما هو مصير هؤلاء المُعتقلين، والمُعتقلات في دول عربيّة بعينها، والذين تُطالِب الولايات المتحدة الأمريكيّة بتقارير عنهم، وأسباب اعتقالهم، إذا كانت إدارة هذه الدولة، تُمارس “العربدة السلطويّة” على مُؤسّساتها القانونيّة، وجمعيّاتها الإنسانيّة، بل ومسؤوليها السَّابقين بالسُّباب والشتائم، وأخيراً صحافتها، فأيُّ مَصيرٍ عادِلٍ يُمكِن لهَؤلاء أن يلقوه، وحليفة بلادهم القُدوة على اعتبار (أمريكا) سقطت في ذات الوحل؟!
أختم بهذا السُّؤال الذي وجّهه لي سائق “تكسي” في العاصمة عمّان، حين أدرك أنني الكاتب الصحافي ذاته الذي يقرأ له بعد حَديثٍ جرى بيني وبينه، وهو من المُتابعين لهَذهِ الصَّحيفة التي أكتب بها أُسبوعيّاً، سأل الرجل وعلى وجهه علامات الاستفهام وعلى مَقرُبةٍ من الوِجهة التي أتوجّه إليها: “هل تَكتُب ما تُريد بالفِعل”؟ أجبت نعم أحياناً.. ولا أحياناً أُخرى.. فأجاب ببساطةٍ مُتناهية: “يا رَجُل أنت صحفي عربي.. وين مفكّر حالك عايش؟”.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/08/18