تشابه المتناقضات واختلاف المتشابهات بين قمة الرياض وقمة هلنسكي
حمد بن سعيد بن سليمان الرحبي
إن قوانين وسنن الكون تتشابه إلى حد ما مع قوانين وقواعد السياسة فالرياح إما أن تكون مبشرة أو منذرة وهكذا هي السياسة من يتقن فهم قواعدها يتقن فهم نتائجها، فالسياسة أزمات بلا حدود وخيارات بلا قيود وقرارات بلا عهود ، من هذا التنظير الذي اعتبره ضروريا للدخول في فحوى وتفاصيل صلب موضوع في غاية الأهمية يفسر ما حدث وما يحث من أحداث في منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص والعالم بشكل عام ، ولنبدأ عزيزي القارئ من قمة الرياض التي تمت في مايو 2017م بحضور الرئيس ترامب ومملثين من 55 دولة عربية وإسلامية ولا أود الدخول في تفاصيل هذه القمة ولكن ما أود الإشارة إليه الحدث الذي تلى هذه القمة وهو ظهور أعراض الأزمة الخليجية بين قطر والدول الخليجية الثلاث رغم أن كل منهم أعضاء في مجلس التعاون الخليجي وبينهما قواسم ومصالح مشتركة الكل يعلمها وأيضا أن طرفي النزاع هم حلفاء للولايات المتحدة وقطر تضم أيضا قاعدة العديد العسكرية التي تعتبر أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في منطقة الشرق الأوسط وفي هذه الأزمة تدخلت تركيا بقوة كما هو معلوم بأساطيلها الجرارة على سواحل الدوحة الهادئة وبطائرتها الحربية وما تحمله من عدة وعتاد.
ومن هنا إلى هناك نكمل المسير سويا عزيزي القارئ لنصل إلى قمة هلنسكي التي حدثت في يوليو 2018م أي بعد عام ونيف تقريبا من قمة الرياض بحضور الرئيس ترامب والرئيس بوتين بالعاصمة الفلندية هلنسكي وأيضا لا أود الدخول في تفاصيل هذه القمة ولكن ما أود الإشارة إليه الحدث الذي تلى هذه القمة وهو ظهور أعراض الأزمة التركية لسبب ظاهري يعلمه الجميع وهو احتجاز تركيا لقس أمريكي رغم أنه كان محتجز لدى تركيا منذ عام 2016م وأمريكا لم تطالب به بهذه الشدة والحدة إلا بعد قمة هلنسكي والنتائج التي تلت هذه الأزمة من تدعيات على الليرة التركية بشكل خاص والاقتصاد التركي بشكل عام ، هذه كله رغم أن أمريكا وتركيا حلفاء وأعضاء في حلف الناتو وأيضا تركيا تضم على أراضيها قاعدة عسكرية أمريكية كبيرة وهي قاعدة إنجرليك وهنا أيضا تدخلت قطر ودعمت تركيا ب 15 مليار دولار بشكل مباشر للاقتصاد والليرة التركية.
ولعله بعد سرد هذه الأحداث بدأت تتكشف لديك عزيزي القارئ ملامح التشابهات والتناقضات بين القمتين وأود أن أعرج على الشأن السوري فهناك حرب الجميع ضد الجميع فالسياسة خيوطها متشابكة كتشابك خيوط السجاد الإيراني المطرز الجميل فبعد الأزمة الخليجية استطاع الرئيس السوري وبدعم من روسيا تحرير الجنوب السوري مدينة تلو الأخرى كمن يجمع اللآلئ واحدة تلو الأخرى في ليلية قمرية شتوية جميلة ، وكذلك بعد الأزمة التركية سيتمكن الرئيس السوري وبدعم من روسيا من تحرير الشمال السوري وخاصة مدينة إدلب الواقعة على الحدود التركية فبوادر النصر بدأت تلوح في الأفق.
وهذا جانب من القصة أما الجانب الآخر فالوضع الذي يمر به العالم الآن يشبه إلى حد كبير الأوضاع التي كانت سائدة قبيل الحرب العالمية الثانية ولعلك عزيزي القارئ تندهش من كلامي هذا ولكن هذا هو الواقع الآن حيث تجري حرب ولكن من نوع آخر ألا وهي حرب اقتصادية يشنها الرئيس ترامب على العدو والصديق بعقوبات اقتصادية ورسوم جمركية لم يسلم منها احد فهناك عقوبات على إيران وروسيا وكوريا الشمالية والصين والأتحاد الأوربي وكندا والمكسيك وحتى اليابان التي طالما دعمتها الولايات المتحدة الآن تفرض عليه رسوم جمركية ، ناهيك عن عاصفة التغريدات التي يغرد بها الرئيس ترامب هنا وهناك والتي تثير الخوف والذعر وتؤثر على أسواق المال العالمية وعملات الدول ارتفاعا وهبوطا.
إن المتأمل في هذه المعطيات يدرك أن هناك نار خامدة تحت الرماد تنتظر هبة ريح توقدها فالرئيس بوتين ومن خلفه الصين أصبح له كلمة الآن في مختلف قضايا وأزمات العالم وهو ينظر بشغف إلى مجده القديم ليحي تاريخ الاتحاد السوفيتي من جديد وهذه العقوبات والرسوم الجمركية التي تفرضها الولايات المتحدة عليها ستضطرها للهجوم رغم أن روسيا تطلعاتها أكبر من إمكانياتها عكس الولايات المتحدة التي إمكانياتها أكبر من تطلعاتها ولكن الحكمة تقول أن المستنزف الذي يستفز يهاجم ناهيك على أن الإدارة الأمريكية الحالية تمارس سياسة إطالة الجرح المفتوح سواء كان في الأزمة الخليجية أو الأزمة التركية وهذا ينبأ بظهور أقطاب جديدة وتحالفات جديدة في العالم بدأت تتشكل مما سيمهد لظهور اتحاد المتناقضات وتفكك المتشابهات ولو على المدى البعيد. (انتهى).
كاتب وباحث عماني في الشؤون الاستراتيجية
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/08/26