«الهيئة».. حتى متى؟!
نجيب عصام يماني
لم يعد يدهشني وغيري أي سلوك «شاذ» و«غير مقبول» يقدم عليه بعض منسوبي «هيئة الأمر بالمعروف»، فأقصى احتمال لعقوبة من يتجاوز منهم حدود صلاحياته، أن يعاقب إداريا بالنقل إلى غير منطقته، كنوع من «التغريب»، أما أن يقام عليه حد من حدود الله، أسوة بغيره ممن يرتكبون الجرم نفسه، فتلك أمنية لننتظرها كثيرا لنراها على أرض الواقع، حتى وإن أدى سلوكه إلى ضياع نفس، أو إشانة سمعة بغير ما جريرة واضحة، أو شهود عدول، ولم أجد في الدنيا كلها من «يستثنون» من العقوبة العادلة كفاء أخطائهم المريعة، سوى «هؤلاء»، ولم أجد له تفسيرا معقولا سوى الخشية من اهتزاز «صورة» الهيئة إن هي أوقعت العقوبة العلنية على منسوبيها. هذه الخشية على «الهيئة» بالتستر على أخطاء بعض منسوبيها لا حق بها حين لا يعاقب المخطئ بما يستحق وتشديد العقوبة كونهم يحملون رسالتها، بما يوجب عليهم أن يكونوا الأكثر حذرا وسترا ورحمة، وإلا فإن سمعتها ستبقى على المحك كلما وقع من منسوبيها سلوك يتفق الجميع في مفارقته ومجانبته لنصاعة مفهوم هذه الشعيرة في أدبيات الإسلام بسماحته المعلية من أسباب الستر والغفران، والرفيقة بالجناة والعصاة، والآخذة بأيدي المخالفين إلى بر الطاعة باللين واليسر والموعظة الحسنة.
لن تكون حادثة «الفتاة المعنفة» من قبل «رجال الهيئة» أمام مجمع النخيل شرقي الرياض، حسب ما جاء في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، وتداولتها وسائل التواصل الاجتماعي، لن تكون الأخيرة، بل إن القضية ستمضي إلى النسيان، بعد التبريرات الجاهزة، والرمي بالمأثمة المطلقة على الفتاة، و«طهرانية» من قاموا بتعنيفها بطريقة لا تمت إلى روح الدين الإسلامي ولا الإنسانية بصلة.. وليرجع محتسبو الهيئة إلى القرآن الكريم، وإلى سنة سيد الخلق أجمعين، فإن وجدوا فيهما تعنيفا وغلظة وسحلا في الطريق العام (وعنقلة بالأرجل)، ومعاقبة بغير محاكمة ومحضر مثبت، وشهود عدول، فسأسلم لهم بما درجوا على فعله.. فقد اعتدنا على ذلك ولن ننتظر بأكثر من «نقل إداري»، إن اعترفت «الهيئة» بخطأ منسوبيها..
إن ما قام به رجال «الهيئة» في تلك الحادثة، ينطوي على أمر خطير، يتمثل في تحويل عضو الهيئة إلى «سلطة موازية» لسلطة الدولة، بما يملكه من «حق» في جمع السلطات الثلاث في شخصه؛ فهو شرطي يطارد ويقبض، وقاض يشرع ويحكم، وجهة منفذة تضرب وتعاقب، كل ذلك يحدث بشكل فوري وآني، كما حدث مع الفتاة، ولا مساحة سوى الاستجداء وطلب الغوث والرحمة.. وهيهات فلن تجد إلا مزيدا من «الغلظة».. ولن تجد أمامها سوى البحث عن منافذ للهرب والنجاة من قبضة «أشاوس الهيئة»..
وبإزاء هذا الوضع «المريب» فإن المجتمع اليوم أحوج ما يكون إلى التنوير وتمليك المعرفة حول ماهية «رجل الهيئة» والدور الذي يقوم به، والحدود التي يجب أن لا يتخطاها، فليست له ميزة ترفعه مكانا عصيا على المحاسبة، ولن تخوله بطاقة الانتماء إلى هذه الفئة أن يمد عينيه بحثا عن المخالفات، ويستطيل بيده على عباد الله بالعقاب والجلد والإهانة للنفس التي كرمها الله..
هذا ما كان من أمر «الفتاة المعنفة»، أما بخصوص واقعة «اعتقال دمية سافرة» في «الخرج»، حسب ما أوردته وسائل الإعلام، فلم أكد أمسك نفسي من الضحك، وظننت أول الأمر أنني أقرأ مقطعا من كتب التراث الأدبي التي تتحدث عن «نوادر الحمقى والمغفلين»، ففيها مما قرأت نظيرا وشبيها، درجت على قراءته كلما احتجت إلى ما يسري عن نفسي، وما ظننت أن الأمر يخرج عن كونها مجرد «أقاصيص» انتحلها أو أنشأها الكتاب لوجه الدعابة لا أكثر، لكن أن يصبح ذلك واقعا تتناقله الصحف وتطير به الأخبار، فإني أطالب بإعادة الاعتبار لـ«الحمقى والمغفلين»، وأقر بصحة ما جاء من أخبارهم، والاعتذار لهم، فقط أرجوهم رجاء مستعطف تائب أن يضيفوا إلى أسفارهم هذه القصة الطريفة، فإن التفاصيل التي نقلتها «الحياة» تؤهل القصة لحجز مكان مميز في ذلك «الأدب الفكه»، إذ يقول الخبر: «قام عناصر الهيئة بنقل الدمية لمركز تابع للهيئة. وقال مؤيدون للهيئة، إن مصادرة «الدمية» تهدف في النهاية إلى الحفاظ على أخلاقيات المجتمع وحماية الفضيلة، باعتبار أن «الدمية» كانت تقوم بحركات غير أخلاقية بحسب محضر ضبط الدمية الذي أعده مركز هيئة الخرج».
لا حاجة بي إلى التعليق، لكني فقط أحاول تصور ما يمكن أن يعتقده عنا أي شخص، عاقل أو مجنون، في أصقاع العالم العريض عندما يقرأ حكاية «اعتقال الدمية السافرة»، كما إني أخشى كل الخشية أن ينفجر الحمقى والمغفلون في أضابير التراث بالضحك ملء أشداقهم إن وصلتهم قصتنا!!
صحفية عكاظ
أضيف بتاريخ :2016/02/15