عن المستقبل العربي المضيَّع بين مشروع الهيمنة الإسرائيلية والتيه البدوي..
طلال سلمان
يتبع العدو الإسرائيلي مع من تبقى من شعب فلسطين في أرضه، التي كانت أرضه على امتداد التاريخ، سياسة الإبادة الجماعية: إن لم يكن بالتهجير الشامل، وقد أنجز الكثير منه وفق خطة الاضطهاد المفتوح التي تشمل الأسر والقتل وإسقاط الجرحى والطرد بأوامر عسكرية، وتهديم البلدات والقرى بالبيوت والمساجد والكنائس والمدارس، فبأوامر الأبعاد والنفي إلى “خارج البلاد”..
“المبادلة” بسيطة: يؤتى بأي يهودي من أي مكان في العالم لإحلاله مكان ابن الأرض، من ولد أجداده وأباؤه فيها، وليس ضروريا أن يكون هذا “الوافد” او المستدعى “يهوديا”، بدليل أن حوالي مليون روسي معظمهم من “الارثوذكس” أو من أتباع ديانات أو مذاهب أخرى، قد “هودوا” أو “تهودوا” ليدخلوا النعيم الإسرائيلي “كمواطنين” عائدين إلى “ارض الميعاد” “لكي يحققوا كلمة الله” فيها وبها.
هكذا يتم تنفيذ الخطة الإسرائيلية بإحكام: يتم استفزاز الفلسطينيين بمصادرة بيوتهم أو هدمها وطردهم منها، فإذا خرجوا يتظاهرون احتجاجاً أطلق جنود الجيش والشرطة والعصابات الإسرائيلية المسلحة النار عليهم فتقتل من تقتل وتعتقل من تعتقل وتحكم المعتقلين بالسجن لسنوات طويلة وتعذبهم وتجعل حياتهم في بيوتهم وأرضهم جحيماً بحيث يستحيل العيش فيه.. وهكذا يخرجون منه، مرغمين، إلى حيث سبقهم بعض الأهل الذين يمكن أن يخففوا عنهم عذاب الشعور بالغربة.
بالمقابل تستمر الحرب التي تشنها السعودية و”دولة الإمارات العربية المتحدة” ـ لاحظ طول الاسم قياسا إلى عدد السكان ـ على اليمن، دولة أولى الحضارات في التاريخ العربي وخزان جيوش الفتح الإسلامي، وتعمل طيران القتل ومدافعه في بلاد أذكى الشعوب العربية وأفقرهم، ولا من يحتج أو يستنكر أو يشفق أو يتدخل لوقف هذه المذبحة ضد الشعب الفقير وذي التاريخ الناصع، وأذكى أهل الأرض وأبأسهم حالاً، لا سيما بعد احتجازهم مع “القات” في “المقيل” الذي يستقبل الجميع، ويتساوى فيه الوزير وشيخ القبيلة والسائق والموظف والخادم، في ظلال “عصمة المجلس” الذي يحرم نقل ما يقال فيه إلى من في الخارج..
وبعيداً عن مشاعر العنصرية وضرورة التمييز بين العرب وغير العرب من القتلة والسفاحين، فما الفرق بين ما ترتكبه إسرائيل، كدولة غاصبة ومعتدية ومزروعة بالقوة في قلب الوطن العربي، وما ترتكبه السعودية والإمارات، بطيرانها المستأجر طياروه، وعسكرها من المرتزقة الملمومة من عدد من الدول الفقيرة (في بعض أفريقيا، وأفغانستان والباكستان وبعض جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقا..)
*****
القتل هو القتل، خصوصاً وان الضحايا هم دائماً من “الأخوة العرب”.
هكذا يمكن أن يُحتسب، في هذا المجال، مئات آلاف الضحايا خلال الحرب في سوريا وعليها، فضلاً عن تهديم أسباب العمران في المدن التي يبدأ بها تاريخ التحضر الإنساني وقيام الدول القادرة والمؤهلة لبناء المستقبل الأفضل..
ويمكن أن يُحتسب من قُتل في العراق، سواء طوال العهد الدموي لصدام حسين، ثم خلال مذابح الاحتلال الأميركي الوحشي للعراق وتدمير أسباب الحضارة التي يبدأ بها التاريخ الإنساني وسرقة المتاحف والآثار التي تلخص تاريخ تقدم البشر وحضاراتهم العريقة.. لقد بات العراقيون اليوم غير العراقيين بالأمس، وفي بلادهم الآن أكثر من جيش احتلال في حين أن شعبها مهدد بفقدان وحدته.
أما ليبيا فيكاد يندثر آخر مرفق حضاري وآخر معلم عمراني فيها، وقد بادت دولتها او تكاد… وعاد صراع القبائل يدمر ما بني ويخلخل العلاقات الاجتماعية بين ذوي القربى، ويعيد البلاد الغنية بتاريخها المضيء في مقاومة الاحتلال الأجنبي، والشهيد العظيم عمر المختار شمس لا تغيب عن تلك الأرض التي معظمها صحراء، والتي يغري بها نفطها مختلف “الدول الطامعة” فيه وقد فقد من يحميه، أي أهلها الذين كانوا عبر التاريخ أهلها.
اليوم يستجلب النفط الدول الطامعة في البلاد البلا دولة، وتتنافس هناك الولايات المتحدة مع فرنسا وايطاليا.. ودولة الإمارات بقيادة الشيخ محمد بن زايد وإمارة قطر بقيادة الشيخ تميم بن خليفة آل ثاني..
*****
إسرائيل اليوم هي “الدولة العظمى” في الأرض العربية: أن “الشعوب” التي تم “لمها” من أربع جهات الأرض، قد تمكنت ـ في ظل الرعاية الدولية بالقيادة الأميركية ـ أن تصبح “أقوى دولة في الأرض العربية” ـ. فهي قد استغلت انحراف السادات لإخراج مصر من حومة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، ثم أفادت من خروج سوريا من ميدان الحرب بعدما خذلتها مصر السادات.
وسوريا الغارقة في دمها الآن تنتظر أن تستعيد ذاتها ثم دورها بعد العثور على “الحل السحري” لوقف هذه الحرب المدمرة فيها وعليها والتي تكاد تدخل عامها الثامن فيغرق أهلها في الدم والخراب وافتقاد الوحدة والطريق إلى استعادة “الدولة” التي كانت مثالاً للتماسك والوحدة الوطنية.
*****
كيف سيستقر لبنان ويهدأ الصراع فيه وسط هذه الحروب من حوله التي يحركها الخارج ويندفع إليها ـ بهبل ـ حكام وطامعون بالحكم في البلاد الخربة.. خصوصاً إذا تأملنا تاريخ أهل الطبقة السياسية فيه، والتي يكاد ينعدم لديها الشعور الوطني، ولا تهتم إلا بمعرفة: من هي القوة الخارجية الأعظم نفوذ لكي ترتبط بها فتصل إلى السلطة..
وهذه الطبقة تعيد حساباتها الآن، مع الافتراض أن الحرب في سوريا وعليها تقترب من نهاياتها (المعقدة).. والسعودية غارقة تستنزف مواردها، ومعها موارد دولة الإمارات، في حرب إبادة وحشية ضد شعب شقيق في اليمن، وفي مشاريع إمبراطورية لا تقدر عليها لأسباب موضوعية تتصل بطبيعة الحكم فيها وعلاقته “الأبوية” بمجتمعها..
..وها قد بدأت الزيارات العلنية، وانقلبت الزيارات السرية إلى دمشق إلى زيارات رسمية طمعاً بمشاريع إعادة الإعمار فيها..
وللسماسرة اللبنانيين خبرات دولية ثمينة في هذا المجال، لكنها تبقى أدنى من خبرات “زملائهم” السوريين.. إذن فإلى الشراكة أيها الأصدقاء من اجل أن نبني سوريا فنفيد ونستفيد!
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/09/22