روسيا تعطّل المخطط التركي في سوريا والعراق
مصطفى الصراف
اعتمدت أميركا منذ البداية على حلفائها في المنطقة لتنفيذ مخططها الشرق الأوسط الجديد أو الفوضى الخلاقة، وقد شنت حربها بالوكالة على سوريا في محاولة منها لتغيير النظام القائم فيها، وتنصيب نظام سياسي آخر تابع لمحورها مهادن لإسرائيل، وإذا لم يتحقق لأميركا ذلك؛ فإنها ستعمل على تقسيم سوريا إلى إمارات طائفية وعرقية متخاصمة وكيانات هزيلة، وقد فشلت أميركا فعلا في تغيير النظام؛ لذلك زجت بالمجموعات الإرهابية المسلحة المرتزقة، حيث جمعتهم من مختلف أنحاء العالم ليدخلوا سوريا عن طريق الحدود التركية بعد تزويدهم بالمال والسلاح، تارة باسم المعارضة وتارة أخرى باسم «الدولة الإسلامية» في سوريا والعراق.
ولقد تمادت تركيا في تنفيذ هذا المخطط واستغلت الحماية الأميركية لها للعمل لحسابها ماديا وسياسيا، وذهبت في تماديها إلى أن أقدمت على إسقاط طائرة روسية محلقة على الحدود السورية كنوع من جس النبض وكمقدمة لدخول الأراضي السورية؛ بهدف إقامة منطقة منزوعة السلاح على الأراضي السورية، فاستغلت روسيا هذا التصرف وقامت بعمل لم تتوقعه تركيا أو تضعه في حساباتها، بأن جلبت إلى سوريا قوات ضخمة من مختلف أنواع الأسلحة في صورة تحدٍ لتركيا، ما جعل تركيا تتراجع عن الدخول إلى الأراضي السورية، كما تسببت بعرقلة نشاط الطيران لدول التحالف الأميركي على سوريا ما لم يكن بتنسيق مع روسيا، وقد تراجعت بذلك أميركا عن المضي بمخططها لتقسيم سوريا في الوقت الراهن؛ لأنها لا تريد مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا، قد تجر لحرب دولية لا تسمح بها الظروف العالمية الحالية، ولا يمكن لتركيا وحلفاء أميركا في المنطقة خوض هذه المواجهة مع روسيا من دون أميركا، ونفس ما حدث في سوريا أقدمت عليه تركيا في العراق، عندما أدخلت قواتها في شمال العراق ربما لعرقلة الجيش العراقي عن تحرير الموصل بتفاهم تركيا مع أميركا، لفرض شروطها للحصول على قاعدة عسكرية في العراق، فبعد النجاح الذي حققه الجيش العراقي مدعوما بالحشد الشعبي وأبناء العشائر على داعش، بدأت أميركا بصفتها تقود تحالفا ضد داعش، تتصرف عكس ما تعلن، حيث سمحت لداعش بأن تتمدد أكثر ودعمتها بالسلاح المتطور عن طريق تركيا، وراحت تماطل في تسليم الجيش العراقي السلاح الذي اتفق معها عليه، لا سيما الطائرات المتطورة، ولكون أميركا هي من يوفر الغطاء الجوي للجيش العراقي، فإنها أخذت تؤخر خطط الجيش العراقي للقضاء على داعش، ما اضطر النظام العراقي الاتفاق مع روسيا لسد حاجته وكسر التحكم الأميركي، وسرعان ما لبت روسيا ذلك الطلب وأضاعت الفرصة على أميركا وحلفائها من فرض شروطهم والتعرض لسيادة العراق، وهو ما جعل رئيس النظام العراقي يصرح بأنه سيتم القضاء على داعش خلال عام 2016، وبهذا صارت أميركا وحلفاؤها في وضع لا يحسدون عليه، ومن انعكاسات ذلك، بداية تصدع في حزب العدالة والتنمية وأصبح مهددا بانقسامات داخلية، بالإضافة إلى امتناع الجيش التركي عن الانسياق وراء الأهواء السياسية الداعية إلى التصادم عسكريا في سوريا أو في العراق.
جريدة القبس الكويتية
أضيف بتاريخ :2016/02/17