ناجحون خارج بيوتهم وفاشلون فيها!
حسن المدحوب
حدثتني إحدى الزوجات عن حال زوجها، وقالت انه إنسان ناجح جدا في عمله ومشهور اجتماعيا ومهنيا، لكنه فاشل جدا في بيته؛ لأن كل اهتمامه منصب على عمله.
وليس هذا هو لب الموضوع عندها، قالت إنها مستغربة جدا منه؛ لأنه محاضر ومدرب في مجال التنمية البشرية وتطوير الذات، وله الكثير من المحاضرات المسجلة في تطوير مهارات الأبناء ورعايتهم وابتكار الحلول لمشاكلهم، ويدعو دائما إلى جعل الأسرة في المقام الأول، لكنه على النقيض من ذلك في البيت، فهو لا يعرف عن دراستهم وتحصيلهم وسلوكهم ومشاكلهم؛ لأنه في الغالب يكون مشغولا في عمله، وعندما يكون حاضرا في المنزل يسأل عنهم أسئلة مقتضبة ثم يذهب لإكمال تحضيراته لورشة جديدة سيقدمها إلى الناس!
تقول الزوجة، ما فاجأني أنني كلما أتحدث معه عن موضوع الاهتمام بالأبناء ومشاركتي في رعاية المنزل، يرد علي بأنني أغار من نجاحاته، وأنني احتاج إلى أن أحضر إحدى ورشه التي يقدمها لأتعلم فنون رعاية الأبناء وحفزهم وخلق أفكار الابتكار والتميز في نفوسهم!
وتابعت الزوجة، في إحدى المرات سألته، لو خيروك بين حضور تكريم لأحد أبنائك في المدرسة وبين ورشة ستقدمها للناس ماذا ستختار، أجابني على الفور، سأحضر الورشة طبعًا؛ لأني ملتزم بوقتها أمام الناس، وأنت يمكنك حضور التكريم، وعند عودتي من الورشة سأشتري هدية له!
انتهت المحادثة مع هذه الزوجة. لكن بالتأكيد فإن هذا النمط من التفكير والحياة، سائد لدى العديدين من البحرينيين والبحرينيات على حدٍّ سواء، الذين نسوا أن النجاح شراكة وليس أنانية.
كثيرون منا يلجأون إلى العمل الإضافي بعد انقضاء أوقات أعمالهم الأساسية اليومية أملاً في إعاشة أسرهم حياة كريمة وخاصة في ظل الالتزامات الأسرية والظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها غالبية المواطنين البحرينيين، والبعض الآخر يذهب إلى العمل الإضافي من باب تحقيق الذات أو خدمة المجتمع وما شابه، وكل هذه الأمور مشروعة بل ومحببة وايجابية، لكن عندما تكون على حساب الأسرة والزوجة أو الزوج والأبناء، فإنها تحتاج إلى مراجعة ووقفة صريحة مع الذات!
البعض منا يدرك الآثار السلبية لهذه الالتزامات الإضافية ويحاول جهده في علاجها والتقليل منها، والبعض الآخر يتغاضى عنها، إما لأنه مجبر على ذلك بسبب ظروفه الصعبة، أو بسبب أنانيته في الحياة.
فما فائدة تحقيق الذات وتحقيق النجاحات المهنية مقابل أن يكون ثمنها مستقبل أسرته وأبنائه، وما هو النجاح الحقيقي، هل هو نجاح فرد على حساب بقية أفراد الأسرة؟
علينا جميعًا أن نتأكد أن حياتنا ليست لنا وحدنا، أسرنا وأبناؤنا جزء كبير منها أيضًا، والإنسان الناجح هو الذي يساهم في نجاحات أسرته وأبنائه، كما يجد ويجتهد في بناء نجاحاته الشخصية.
ما نزرعه اليوم في أسرنا سنحصده غدًا، إذا ابتعدنا اليوم عن أبنائنا وزوجاتنا أو أزواجنا، وهم في أمسّ حاجتهم إلينا، ليس ماديا فقط، وإنما عاطفيا ومعنويا وتربويا وأخلاقيا، فقطعا لن نجدهم سندا لنا في الوقت الذي سنكون فيه في أمس الحاجة إليهم غدا، والإنسان الناجح والسوي هو الذي لا يتخلى عن أسرته من أجل نجاحات تتبخر مع الزمن.
الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/02/17