تشكيل الحكومة يحتاج إلى إذن سعودي جديد!
د. وفيق إبراهيم
استطاع رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الاستفادة من وقوفه إلى جانب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في محنته الخاشقجية… صحيح أنه بالغ في الانصياع له وفقاً لمفهوم السمع والطاعة والولاء والإبراء فيما العالم بأسره يواصل إدانة جرائمه وإباداته، إلا أنه في المقابل نجح في تأمين ضغوط سعودية كافية أصابت عنجهية حزب القوات اللبنانية في الصميم، حتى بدت عنترياتها التي كانت تطلقها منذ أربعة أشهر فقاعات لا تحمل ايّ مفاعيل سوى الرائحة غير السليمة.
ما يمكن هنا ملاحظته بسرعة أنّ مدى الإذن السعودي لا يتعدّى عقدة جعجع، لذلك فوجئ «السعد» بجدية مطلب تمثيل النواب السنة المستقلين.
كان يُعتَقَدُ كما اتضح منذ يومين أنه لم يكن يأخذ هذا المطلب على محمل الجدّ توهّماً منه بأنه تهديد من أطراف تريد استعجال التشكيل.
واكتشف أنّه أكثر من عقدة كان يتمّ إطلاقها إعلامياً إنما دون إصرار، وكان يجري أيضاً تسريب معلومات من مصادر الرئيس بري وحزب الله حول عدم تمسكهما العميق بالنواب السنة المستقلين.
فماذا تبيّن له؟ ارتفاع حدّة الصراع بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية حال فعلياً دون تشكيل الحكومة في الأشهر الخمسة الماضية، حتى بدا الأمر وكأن العونيين يرفضون الاستسلام لأحجام قوات منفوخة سعودياً، فيما يتشبّثُ نواب جعجع بتمثيل قوي في الحكم مسنود إقليمياً ويستطيعون من خلاله توسيع دائرة مؤيديهم مسيحياً وتحالفاتهم مع حزب المستقبل التي يمكن لها أن تصل إلى حدود تأييد جعجع أو من يشبهه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
لماذا يرفض الحريري تمثيل السنّة المستقلين في الحكومة؟
الأسباب ضعيفة. والضغط السعودي هو الذي أبعد مجموعة رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي ورجل الأعمال فؤاد مخزومي عن كتلة هؤلاء المستقلين، وحسن التدبّر ارتباطاً بخصوصيات منطقة صيدا هو الذي أملى على النائب أسامة سعد عدم الانتماء إليها أيضاً على الرغم من أنه يترشّح في وجه لوائح الحريرية السياسية منذ أواخر القرن الماضي ومتحالف مع المقاومة وحركة أمل.
لذلك فهو نائب سني مناهض للحريرية السنية ولا ينتمي لأيّ كتلة وكان بالإمكان عدم ممارسة ضغط سعودي على مخزومي وميقاتي فيصبحون كتلة سنية وازنة تستحق وزيراً على الأقلّ.
وجاءت القراءة الحريرية للناجحين في الانتخابات من النواب السنة لتجمّد بضغط إقليمي حركة نائبين في طرابلس وبيروت وتستفيد من تشتت نائب في صيدا فتخلو الساحة لـ»سعد» بـ 17 نائباً سنياً يحظى بواسطتهم على 6 وزراء من ضمنهم وزير مسيحي. وهو بهذه الدسامة التي تفيض سمناً ورشحاً يصرّ على تمثيل أمل وحزب الله بستة وزراء ووزير للمردة على الرغم من انّ الثنائي الشيعي لديه 26 نائباً شيعياً و4 نواب من طوائف أخرى من دون حلفائهم.
لقد راهن حلف الحريري جعجع على حاجة حزب الله لتشكيل سريع للحكومة يسبق بدء العقوبات على إيران، وقبل أن تصيبه في لبنان، لكنها أصبحت سارية المفعول على لبنان بأسره وليس على حزب الله فقط.
وهناك قوى لبنانية لم تتمكّن من إخفاء فرحتها لبدء تطبيق هذه العقوبات والمأساة أنها شريكة للمقاومة في حكومة الحريري.
بيد أنّ الحقيقة ليست هنا لوجود إصرار قديم وأساسي وعميق لدى حلف أمل حزب الله على تمثيل السنة المستقلين لأسباب عدة:
أنهم حظوا على أصوات سنية كبيرة هي التي أنجحتهم ما يكشف وجود بيئة سنية لا تؤيد الحريرية السياسية، وهي بحاجة إلى ظروف موضوعية كي تكبر ويشتدّ ساعدها. وهذه الظروف تبدأ عادة بنجاح ممثلين لها في البرلمان وتنمو إلى مستوى وزاري ما يجعلها عميقة في شرعية تمثيلها لهذه البيئة السنية القابلة لاجتياح مناطق الحريري بالتصدي للفساد ووقف الهدر والديماغوجية وإعادة الاعتبار لرؤساء حكومات أصبح الأمراء السعوديون يهيّئونهم عند أيّ استحقاق.
المسألة بالنسبة لفريق المقاومة في قسم منه هو محاولة كسر الديماغوجية السياسية التي تربط بين المجوس وشاهنشاهات إيران والمقاومة.
إنّ من يستمع لخطابات القوات وأطراف حزب المستقبل وبعض المتمرّدين عليه والراغبين، يظنون أنّ هؤلاء من الخليج أو «إسرائيل» أو في التيار «الإسرائيلي» في واشنطن، ضمن هذا المنطق فإنّ تمثيل السنة المستقلين يؤسّس لتراجع كبير في الفتنة السنية الشيعية مؤمّناً لعهد الرئيس ميشال عون غطاءً وطنياً وليس طائفياً ولا يقتصر على المسيحيين والشيعة، بل يضمن قسماً من السنة من ضمن فرضية انتقال جنبلاط إلى هذا الفريق أيضاً.
فيصبح فريق جعجع الحريري زمرة قليلة ليس بوسعها الاستمرار في الفساد الذي يحدث في مرحلة الحريرية منذ نشوئها في التسعينيات وحتى اليوم، بما أنتج 100 مليار دولار ديناً على بلد لا يزيد عدد سكانه عن 4 ملايين.
فأين ذهبت هذه المليارات؟
لجهة النواب السنة المستقلين فهم مصرّون على التمثيل الحكومي وقد لا تسرّهم أبداً حركات المساومة عليهم من أيّ جهة كانت. هذا بالإضافة إلى أنهم لا يساومون على تمثيل كتلتهم لأنها مشروع سياسي كما يقولون. وهذا يستبعد توزير السني من خارج التكتل من حصة رئيس الجمهورية كحلّ وسط، كما يحاول الحريري.
هذه هي الخيارات الأساسية لتشكيل الحكومة المرتقبة وفق الاقتناع الأكيد بأنّ التحالفات المؤيدة للسنة المستقلين لن تتخلى عنهم أبداً، فعلى المستوى الإقليمي أصبح اتجاه الحريري جعجع مكشوفاً بأزمة الخاشقجي التي كشفت عن مستوى إحراج هو موجود دائماً وسط تعامٍ أميركي عنه وأوضاع سورية تتحسّن بالاستقرار في الداخل وفتح حدودها مع الأردن والعراق، وهناك تيار سني كبير لم يعد يحتمل التعامل الخليجي مع الرئيس سعد الحريري بما فيه من إهانات واستكبار وخفة. وهذا التيار مرشح للنمو. أما حزب الله فيعرف أنّ العقوبات عليه هي محاولة أميركية لإفهام اللبنانيين انّ المقاومة هي التي تتسبّب لهم بهذا التراجع الاقتصادي المقبل وبذلك يؤسّسون لحروب أهلية تحدّ من الدور الإقليمي للحزب.
أين الحلّ؟
موجود في زيارة خاطفة للشيخ سعد الحريري إلى الرياض ليأخذ تعليمة سعودية بخيارين: محاولة ترشيح سني مستقلّ من خارج الكتلة ومن حصة السنة. وعند الرفض ينتقي الحريري نائباً من الكتلة المستقلة يعتقد أنّ لديه القابلية للتعاون مع السعودية. وهناك مَن يقول له مسبقاً إنّ الخيارين مرفوضان ولا حلّ إلا باختيار ممثلها في الحكومة الجديدة ولن يكون أبداً على قياس الحريري.
يحتاج هذا السيناريو إلى مدة، لكنه هو الحلّ الوحيد لوضع لبنان ضمن دائرة الاستقرار والسيادة والنمو الاقتصادي.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2018/11/01