آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
طلال سلمان
عن الكاتب :
طلال سلمان (مواليد 1938) هو صحافي لبناني كبير مؤسس جريدة السفير اللبنانية اليومية. شكل منذ عقود مرجعية إعلامية في الشؤون العربية واللبنانية تحظى بالتقدير، وبالتأثير في الرأي العام.

صفقة القرن تأخذ العرب إلى مزبلة التاريخ.. ولماذا تستقبل السلطنة نتنياهو؟


طلال سلمان

من حق رئيس حكومة العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يتباهى بأنه قد غدا الآن، “سلطان” هذه المنطقة التي كانت تسمى سابقاً “الوطن العربي” والتي غدت “الشرق الأوسط”… سواء بالاحتلال المباشر، كما في فلسطين، أو الاحتلال المقنع، كما في العراق، أو بالحرب فيها وعليها، كما في سوريا، أو في اسار معاهدات الصلح، كما في مصر، أو بدعوى شرعية يهود الغرب في احتلال فلسطين المحتلة، وقد صاروا الآن “إسرائيليين”.

لقد اسقط الاحتلال الإسرائيلي والهيمنة الأجنبية وتهاوى “الدولة الوطنية” عن هذه المنطقة هويتها وبعثرتها سلطنات وممالك وإمارات وجمهوريات من كرتون تحت الحماية الأميركية ـ الإسرائيلية (وهما واحد..)

وقف نتنياهو، والى جانبه زوجته، وانحنيا أمام سلطان عُمان الذي حياهما بمنتهى الاحترام وكثير من الود… ثم جرت المحادثات كما بين صديقين قديمين، وخرج بعدها رئيس حكومة إسرائيل ليعلن بصراحة: لقد أنجزنا احتلال هذه المنطقة، التي كانت تسمى من قبل، الوطن العربي… فلنا علاقات الآن مع مختلف دولها، ويمكننا التجول فيها بحرية، ونذهب إلى أي مكان فيها.

لا مصالح مشتركة تربط إسرائيل التي تحتل فلسطين وترتهن الإرادة العربية مع سلطنة عُمان التي تقع عند طرف الجزيرة العربية، أمام اليمن مباشرة، وتقابها عبر البحر إيران.. لذا يصبح السؤال مشروعاً: لماذا يستقبل سلطان عُمان رئيس حكومة العدو الإسرائيلي؟.. فلا هو قاتل في فلسطين عند هجوم العصابات الصهيونية عليها تحت رعاية الانتداب البريطاني… ولا هو قاتل إسرائيل في حروبها ضد الأمة العربية 1948 و1956 و1967 و1973.. ولا هو ساعد المقاومة في لبنان على صد الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة عليه بين 1974 وحتى إجلاء العدو عن أرضه في العام 2000، ولا هو شارك في المقاومة الإسلامية وشعب لبنان وجيشه في إفشال الحرب الإسرائيلية في العام 2006، وتكبيد العدو خسائر فادحة، جعلته ينسحب يجر أذيال الخيبة.

ثم أن لسلطنة عُمان، دائماً، هامشاً من الاستقلالية، داخل مجلس التعاون الخليجي، فضلاً عن الجامعة العربية.. ولها سياستها الخاصة المتميزة عن سياسات جيرانها ـ في الجزيرة العربية، بدءا بالسعودية وانتهاء بقطر، فضلاً عن “الإمارات” التي قامت على بعض من أرضها بتواطؤ بريطاني ـ أميركي معلن..

كما أن الدول العربية الأخرى قد احترمت، عموماً، الوضع الخاص لسلطنة عمان، فلم تطلب منها، مرة، ما لا ترغب فيه، أو ما تراه خارجاً على سلوكها العام، عربياً ودولياً..

فلماذا، إذن، هذه الخطوة المفاجئة وغير المبررة، والتي تأتي كمكافأة مجانية لدولة العدو التي تقاتل شعب فلسطين على حقه في أرضه، فيسقط منه الشهداء والجرحى بالعشرات يومياً، وتقتلعه من بعض مدنه وقراه، بما في ذلك القدس الشريف، لبناء مزيد من المستوطنات واستقدام المزيد من المستوطنين؟!

هل تعب العرب من عروبتهم فهاجروا منها إلى هوية أخرى، كما يحدث مع أجيالنا الجديدة التي تترك بلادها بذريعة طلب العلم، فما أن تستقر في مهجرها حتى تسعى للحصول على جنسيته، متخلية عن “مواطنيتها” في بلادها حيث لا تستطيع أن تعيش بكفاءتها بكرامة؟!

أم أن العلة في أنظمتهم التي ليست على وئام مع الديمقراطية، وتفضل الرأي الواحد، بلا نقاش، والرئاسة ـ الملكية بالتزكية (حيث يتعذر التوريث!!)
*****
لم تمر على هذه الأمة حقبة كانت فيها ممزقة الأوصال، مختلفة دولها إلى حد العداء، متباعدة شعوبها عن بعضها بعضاً إلى حد محالفة العدو ضد الأخ الشقيق، متصدعة الكيانات إلى حد الاستعانة بالأجنبي الطامع، بل المحتل، والعدو الإسرائيلي، ضد الأهل.

وبقدر ما تسقط الدماء الطاهرة غزيرة فوق أرض فلسطين ويتعاظم تصدي الشعب المجاهد للعدو الإسرائيلي، يتزايد تآمر الأنظمة العربية عليه لإنجاز المطلب الأميركي ـ الإسرائيلي بإتمام “صفقة القرن”، أي بمسح فلسطين، وإعادة “توطين” شعبها في بعض سيناء، إضافة إلى غزة، مع إبقاء ممر إلى الضفة.. والسلام!

أن “الدول” العربية التي ابتدعت خلال الخمسين سنة الأخيرة، ولم تكن شيئاً مذكوراً من قبل، بل مجرد قبائل متناثرة في بيداء بلا حدود، ولا ماء، ولا حواضر، ولا “شعب”، قد باتت الآن “دولاً” عظمى لها جيوش من المرتزقة متعددي الهوية، بسلاح صاروخي وطيران وبحرية، تجتاح دول التاريخ، وترسل النجدات إلى انفصاليي ليبيا، حيث النفط، وتساوم دول العالم على اليمن، وتتدخل في شؤون العراق، وتقاتل ضد شعب سوريا وتحاول التحكم بالحياة السياسية في لبنان ، وتتحالف مع العدو الإسرائيلي ضد أهلها العرب: تفتح له السفارات والقنصليات، وتستقبل وفوده، وكأن فلسطين قد استقرت في الماضي، وان “العرب” قد توزعوا ـ مرة جديدة ـ قبائل مقتتلة وعشائر هائمة على وجهها في صحراء بلا حدود.

فلسطين هي الهوية: هي العروبة والإسلام والمسيحية ودين موسى.. فكيف يسقط هذا كله ويخرج العرب من التاريخ؟
*****
لكأن العرب يضيقون بأرضهم ويريدون التخلص من مساحتها الهائلة فيعرضونها لمن يرغب فيها، متوسلين إلى “الاستعمار القديم” أن يعود باسمه الحديث: الامبريالية، وهي هي الصهيونية!

لكأن عداءهم لإسرائيل التي احتلت أرضهم في فلسطين وطردت شعبها منها، وما تزال تعمل فتكاً وتقتيلاً في من تبقى منه فيها، وتقيم مستعمراتها للأجانب المستوردين من أربع رياح الأرض، يهوداً أو متهودين لتقبلهم فيها، قد انقلب إلى أعجاب فانبهار فتسليم بتفوقها وبالتالي بحقها في أن ترث الأرض وما ومن عليها!

لكأن عرب هذه الأيام يدوسون على أجداث شهدائهم ودماء جرحاهم الذين سقطوا على هذه الأرض المباركة منذ عشرينات القرن الماضي وحتى اليوم، مروراً بثورة 1936 وصولاً إلى نكبة 1948 فإلى العدوان الثلاثي 1956، فإلى حرب 1973 فإلى الحرب على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي في لبنان (وسوريا) والتي امتدت ثمانية عشر عاماً، فإلى الحرب الإسرائيلية على لبنان 2006..
*****
صار تاريخنا ذكريات، ندوس عليها ونتقدم نحو الاستسلام وإنكار الذات.

بتنا نخجل من أبنائنا: لم نورثهم إلا الهزائم وانكسار الأحلام السنية.. نحدثهم عن قيام دولة الوحدة بين مصر وسوريا، في 22 فبراير 1958، فيذكروننا بالانفصال عام 1961، نحدثهم عن انتصار ثورة اليمن ضد الإمام محمد البدر حميد الدين الدكتاتور الجاهلي في 26 أيلول عام 1962 بينما نحن نحتفل بانتصار ثورة الجزائر على الاستعمار الاستيطاني الفرنسي الذي استطال لأكثر من مائة وخمسين سنة… فيسألوننا عن يمن اليوم التي يدمرها “الأشقاء”، وعن سوريا اليوم التي يتواطأ عليها الشقيق مع الغريب الطامع والعدو القومي فيحاولون استعادة صورة سوريا التي كانت “قلب العروبة النابض” وينظرون ألينا بإشفاق..

أما فلسطين فالكل يتجنب الحديث عنها، تارة بزعم أن عصر النضال والجهاد والتحرير وما إلى ذلك من تعابير عتيقة قد مضى وانقضى، وطوراً بزعم أن المهم أن تحجز الدول التي كانت عربية وباتت بلا هوية وبلا تاريخ، بل بلا ذاكرة، مكانا لنفسها في صفقة القرن فتعطي من حريتها ومن حقها في التقدم ما يدخلها إلى العصر الجديد..وإلا فإنها ذاهبة إلى “مزبلة التاريخ”!

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/11/08

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد