آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد السلام بنعيسي
عن الكاتب :
كاتب بصحيفة رأي اليوم

اطمئن يا سيادة الرئيس السيسي… سورية مستغنية عن مالك وأمن الخليج مضمون وليس في حاجة للقوات المصرية لتحميه


عبد السلام بنعيسي

هدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في تصريحات صحافية متعددة بأن مصر ستتدخل عسكريا إذا تعرض أمن الخليج للتهديد، والمقصود طبعا بالجهة التي يفترض أنها مصدر التهديد للخليج هي إيران، وليس إسرائيل التي يتهافت بعض الخليجيين هذه الأيام على قرع الطبول وإشهار السيوف وهز الأرداف رقصا أثناء استقبال قادتها في عواصمهم للتطبيع معها. بمثل هذه التصريحات يحاول الرئيس المصري خلق الانطباع عند الجمهور العربي بأنه انطلاقا من حرصه على أمن واستقرار دول الخليج العربية، فإنه على استعداد للزج بجيش بلده للقتال إلى جانب دول الخليج، للدفاع عن أمنها واستقرارها الذي يوحي السيسي بأنه يعتبره جزء لا يتجزأ من أمن مصر كما صرح بذلك أكثر من مرة..

إذا كان أمن مصر جزء من أمن دول الخليج، فإن لا أحد يمكنه أن يجادل في كون أمن مصر وهذه الدول مجتمعة يشكل بدوره جزء متشابكا ومرتبطا بالأمن القومي العربي الشامل. فتضعضع الأمن العربي في أي بقعة من الخريطة العربية، ينعكس سلبا على باقي الأقطار الأخرى، سواء أخذنا ذلك في الحسبان أم لا. لا تعيش دول الخليج في جزيرة مفصولة عن باقي دول العالم العربي، إنها محاطة بالعراق، وباليمن، وسوريا، ولبنان، والأردن، والسودان، ومصر، وفلسطين.. كما أن المغرب العربي يشكل العمق الجغرافي والاستراتيجي للدولة المصرية، وهو يقع على حدودها ومتاخم لها، وتبعات ما يجري فيه قد تنعكس عليها سلبا أو إيجابا.

فلماذا عينُ مصر متجهة دائما صوب دول الخليج لوحدها؟ لماذا يبدو الرئيس المصري وكأنه حريص على أمن واستقرار هذه الدول دون غيرها؟ أليست هذه انتقائية وازدواجية في التعامل مع الدول العربية من طرف الشقيقة الكبرى؟ ألا يدفع هذا السلوك إلى ترسيخ الاعتقاد لدى باقي الدول العربية بكون مصر لا تهتم بها ولا تفكر في أوضاعها وأنها تركز اهتمامها على الدول الخليجية بسبب الثروة التي تملكها تلك الدول، وأنه لولا ثروتها لما التفتت إليها القاهرة، كما لا تلتفت لباقي أشقائها العرب؟ ألا يمكن لهذه السياسة المصرية المساهمة في تكريس الشرخ الحاصل بين الدول الخليجية وباقي الدول العربية؟

تتعرض سوريا منذ 2011 لحرب كونية شنت عليها من طرف الغرب بقيادة أمريكا وإسرائيل، وتم استعمال الحركات والمجاميع الإرهابية التي استُقدمت من جهات الدنيا الأربع واستعملت أداة لتدمير بلاد الشام، وتم التدمير بتمويل خليجي، وبتغطية سياسية وإعلامية من الجامعة العربية، وبفتاوى فقهاء ومشايخ الدول الخليجية، ولقد قُصفت سوريا عشرات المرات من طرف أمريكا وإسرائيل، وقُتل أبناؤها أثناء القصف، ودمرت منشآتها، وها هي القوات الأمريكية وكذلك التركية تحتل أراض سورية، فماذا فعل الرئيس عبد الفتاح السيسي لسوريا منذ وصوله إلى الحكم سنة 2013 إلى اليوم؟ لماذا لم يتدخل لمساندة الشقيقة السورية كما يتوعد بالتدخل عسكريا في حال تعرض أمن الدول الخليجية للتهديد؟

 ليس الأمن السوري هو الذي يتعرض منذ 2011 إلى التهديد وكفى، البلد كان يواجه مشروعا جهنميا لتدمير الدولة وإزالتها من الخريطة السياسية العالمية، وتفتيتها إلى كانتونات، تتحكم في كل كانتون منها جماعة إرهابية تتلقى الدعم من الخارج وتخضع له، وتنفذ أجندته في المنطقة، هذه الأجندة التي تخدم في البداية والنهاية المصلحة الاستراتيجية الإسرائيلية، وتضرب في العمق الأمن القومي العربي، وتقضي القضاء المبرم على مستقبل العرب، وتحكم عليهم بالتشتت والتشرذم إلى كيانات طائفية وعرقية ومذهبية، وتغيب الأوطان، وتنمحي بتاتا من الوجود فكرة القومية العربية.

لقد ظلت بلاد الشام بالنسبة للمصريين تشكل منذ عصر الفراعنة الخط الأول للدفاع عن الدولة المصرية، ولقد اعتبرت مصر في عهد عبد الناصر سورية قلب العروبة النابض، فكيف ينشغل الرئيس المصري الحالي بأمن دول الخليج ولا يتوقف لحظة واحدة عن عزمه الدفاع عن أمنها، في حين لا يلقي أي بال لما يقع في سورية؟ ألم تقاتل القوات السورية إلى جانب نظيرتها السورية العدو الإسرائيلي في حروب متتالية؟ ألم يقدم الجيشان المصري والسوري الشهداء سويا دفاعا عن فلسطين وعن حق العرب في أن تكون لهم كلمتهم تحت الشمس؟ فلماذا لا يصدر عن الرئيس المصري أي موقف يعرب فيه عن دعمه ومساندته للدولة السورية في حربها ضد الإرهاب الذي يدمر بلدها ويقتل شعبها؟؟

 يا ليت الرئيس المصري اكتفى بالصمت إزاء ما يجري في سورية، بل إنه أدلى بتصريح غاية في الغرابة، قائلا وكأنه يخاطب الرئيس السوري: ” مش أنت إلي كسرتها؟ مش أنت خربتها؟ أصلحلك أنا ليه؟..لا أنا ما أصلحلكش، أنا أصلح بلدي، وأبني بلدي ولشبابي”.

وهكذا فبقدر ما يغتنم السيسي أي فرصة للإعراب عن عزمه الدفاع عن دول الخليج، بحجة الحرص على الأمن القومي العربي، ومن منطلق الأخوة العربية، بقدر ما انتهز المناسبة الأولى ليتبرأ من أي موقف داعم لسورية ومساند لإعادة إعمارها، أليست الأخوة هنا ذات طبيعة انتقائية ومصلحية وانتهازية، لأنها معلنة بشكل ثابت وواضح تجاه الأشقاء الخليجيين الأغنياء، في حين أنها متمنعة ومحجوبة عن الأشقاء السوريين الفقراء الذين يعيشون محرومين في بلدهم المدمرة؟

لا أحد من السوريين، بل من العالم، ينتظر دعما ماليا من مصر للمساهمة في إعادة إعمار سورية، فمصر دولة فقيرة ماليا، وهي في حاجة لكل فرنك وريال لإطعام فقرائها، ولكن من حق السوريين انتظار الدعم السياسي والإعلامي والمعنوي من الدولة المصرية لبلدهم، وهذا دعم لن يكلف الخزينة المصرية شيئا.. فلماذا تبخل القاهرة على السوريين بذلك، ولماذا يستبق السيسي الأحداث ليعلن عن موقف الرافض للمساهمة، ولو سياسيا، في إعادة إعمار سورية؟

خطورة تصريح السيسي تأتي من كونه يكتسي طابعا تحريضيا لدول العالم، ومن بينها دول الخليج، لكي لا تساهم ماليا في إعادة إعمار سورية، وكأنه يريد أن يظل مستفردا بهذه الدول ليجبي منها لوحده الدعم المالي لبلده؟

إذا كانت مصر دولة ذات قيم ومبادئ وتهمها المصلحة العربية العليا، فإن الأحقَّ بوقوف مصر إلى جانبها هي الدول العربية التي تتعرض  للتدمير وللقتل وتسفك دماء أبنائها ويهدم عمرانها وتخرب منشآتها في حروب شنت عليها من خارج حدودها، وهذه الدول هي سورية، واليمن، وليبيا، وفلسطين، والعراق… فحين تشيح القاهرة بوجهها عن واقع هذه الدول ولا تبالي بمحنها، وتهرول معلنة نيتها الدفاع عن الدول الخليجية ضد خطر مفترض الذي هو الخطر الإيراني، فإن مصر بسلوكها هذا تبين أنها لا تتصرف بما تستدعيه المصلحة القومية العربية، وإنما تتصرف بنقيضها لدوافع شوفينيية محضة..

أمن الدول الخليجية محروس ومضمون، وليس بإمكان إيران التطاول عليه أو تهديده، إلا إذا كانت مضطرة لذلك بتعرضها لحرب صهيوأمريكية تشن عليها، وقتها قد ترد وقد يتعرض الأمن الخليجي للاهتزاز، وعلى هذا الأساس فإن السياسة الأمريكية الهوجاء تجاه إيران هي التي تهدد الأمن الخليجي. وفي كل الأحوال ليست القوات المصرية هي التي ستوفر الحماية والأمن للخليجيين، فهم لا يمكنهم التعويل عليها، لأن بيضهم وُضع كله منذ زمن بعيد في السلة الأمريكية، والمنطقة أصبحت شبه محمية للأمريكان، فلا داعي لانشغال القاهرة أكثر من اللازم بالأمن الخليجي، فللبيت رب أمريكي يحميه كما يقال..

الطريقة الوحيدة التي يمكن لمصر المساهمة بها في حماية أمن الخليج من المخاطر التي تهدده هي بتقديم النصح للسعودية والإمارات بضرورة التخلي عن سياستهما العدائية بشكل مجاني لإيران، فهذه سياسة انتحارية للإيرانيين والخليجيين، ووقف حربهما على اليمن، فهذا شعب شقيق واستمرار العدوان عليه لن تنتج عنه أي فائدة للبلدين، إنهما يدمرانه فعلا، ولكنهما يبدران أموالهما بلا طائل هناك، ولن يحققا أي نصر على الشعب اليمني، ومن مصلحتهما إيقاف الحرب التي تستنزف ثرواتهما، لأنهما سيخرجان منها في نهاية المطاف مهزومَيْن. خيرُ وسيلة لمساعدة الدولتين من جانب الرئيس السيسي هي مصارحتهما بالحقيقة لوقف هذه الحرب الملعونة، فصديقك من يَصْدُقُك القول، وليس من يتظاهر بأنه يُصدِّقك، طمعا في ذهب المعز..

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/11/10

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد