الرهان الذي يمكن التعويل عليه يتمثل في نضالات أبناء شعب الحجاز وطبقتهم المتنورة المعارضة
عبدالسلام بنعيسي
إذا كانت البشرية تعيش حقا في عصر القانون والتمدن والحضارة، فإن محاكمة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وإخضاعه للقانون، يتعين أن تكون أمرا مفروغا منه، وغير قابلة لأي نقاش أو مساومة. فمن العار أن يذهب دم الضحية هدرا، وأن يُترك من أمر باغتياله حرا طليقا، ويتم مسح عملية القتل في مساعديه الأقربين، لكي تُجزُّ رؤوسهم بالسيف، الواحد تلو الآخر، وهم الذين نفذوا التعليمات الصارمة الصادرة عن حاكمهم، والتي كان يصعب عليهم ردّها في وجهه..
العدالة على هذا النحو ستكون عرجاء ومعيبة وانتقائية، وستفقد معناها المتعارف عليه بين بني البشر في مشارق الأرض وفي مغاربها.. كما أن بقاء محمد بن سلمان وليا للعهد، وتحوُّلَه لاحقا إلى ملك، رغم كل المذابح التي جرت في اليمن وسورية جراء سياسته المتهورة، وبعد إشرافه على اغتيال الصحافي جمال الخاشقجي، يعتبر هذا البقاء في السلطة جنونا، وتحديا سافرا للشعب السعودي، ولكافة أصحاب الضمائر الحية في جميع أنحاء العالم الذين استنكروا الطريقة البشعة التي اغتيل بها صحافي في قنصلية بلده حيث قصدها لقضاء أغراضه الإدارية، ولم يخرج منها حتى جثة هامدة، بل جثة مقسمة ومذابة في الأسيد..
ورغم بشاعة ما وقع، فلا شيء له قيمة وبال يلوح في الأفق من الأحداث الرائجة في السعودية جراء عملية الاغتيال هذه. لا ينبغي علينا نحن العرب انتظار أي شيء مفيد لنا ولقضايانا الوطنية والقومية من الإدارة الأمريكية، ومن هذا المسلسل الذي يبدو أنه سيمتد لوقت قد يكون طويلا جدا.
تَوقُّعُ أن أمرا ما سيخرج من هذه الزوبعة المندلعة في قلب السعودية، وسيكون في مصلحة العرب، ويخدم قضاياهم الملحة وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وسيؤدي إلى وقف هذا التدمير الذي يشمل العديد من أوطانهم، وأن مبدأ التضامن العربي سيعلو من جديد كشعار من أرض الحجاز ليلف الوطن العربي برمته، إذا جرت تنحية ابن سلمان عن السلطة، توقُّعٌ من هذا القبيل، لا يعدو كونه سرابا في سراب، ولا يمكن لأي عاقل المراهنة عليه.
فالأمر سيان، سواء تم ضمُّ ولي العهد السعودي إلى ملف الاغتيال وأضحى واحدا من الذين سيخضعون للمحاكمة، ووقع شطبه من دائرة الحكم، أو تم الالتفاف على اسمه، وسحبُه من الورطة التي زجَّ بنفسه فيها. لا شيء سيتغير في السعودية نتيجة هذا المخاض الحاصل جراء الاغتيال البشع الذي هزَّ العالم وانشغل به لأسابيع طويلة، وصار شغلا شاغلا للرأي العام الدولي بفضل التغطية الإعلامية التي حظي بها.
إذا قررت الإدارة الأمريكية، وعلى رأسها ترمب، تحت ضغط الكونغريس، التحرك من أجل إزاحة ابن سلمان من ولاية العهد ووضعه على الرف، واستبداله بغيره من الأمراء، فإنها ستقوم بذلك، لاعتبارات أمريكية صرفة، وستكون هذه الاعتبارات، في البداية والنهاية، متنافية مع المصلحة العربية العليا، فالأمير الذي سيقع تعويضه بابن سلمان، سيكون، لا محالة، على المقاس الأمريكي، لأنه اختيار أمريكي، وستندرج كل تحركاته والمواقف التي سيتخذها في سياق السياسة الخارجية التي تنهجها الرياض منذ عقود طويلة من الزمن.
أي ابتهاج أو سرور من طرف العرب لتغيير ابن سلمان بأمير سعودي آخر سيكون بلا معنى. إذ لا يمكن تصور أن أميرا سيأتي مكان ابن سلمان، سيكون بمقدوره إحداث قطيعة مع الطريقة التي كان سلفه يدبر بها شؤون الدولة السعودية، وأنه سينهج سياسة مغايرة تؤمن بمشاركة الشعب السعودي في اتخاذ القرارات التي تهم مصير بلده.. سواء كانت قرارات تتعلق بالسياسة الداخلية أو الخارجية للدولة، وأنه سيقوم بمراجعتها بأكملها، وسيسلك سياسات مخالفة لها.
التغيير الذي يأتي من الفوق، ومن داخل الأسرة الحاكمة في الرياض، وبإملاء من أمريكا، لا يمكنه أن يكون إلا تغييرا لإعادة ترتيب الأوضاع الداخلية بطريقة محكمة أكثر في السعودية، ولتأمين استمرارية نفس الأسلوب في ممارسة السلطة وتدبير أمور الدولة بالرياض. الوضع السياسي في السعودية والخيارات الكبرى في هذا البلد ستظل على حالها، سواء بقي ابن سلمان، أو جاء أمير آخر غيره وليا للعهد..
الارتهان لأمريكا والرضوخ لإملاءاتها، والهرولة للتطبيع مع الدولة العبرية، واستحواذ أقلية على السلطة والثروة في أرض الحجاز ستظل هي السمات الرئيسية البارزة لسياسة الطبقة الحاكمة في الرياض، فلقد كان ترمب صريحا، إلى حد الوقاحة حين قال، بأنه لولا السعودية لكانت إسرائيل في مأزق كبير، ولقد وقفنا على مرافعة نتنياهو دفاعا عن الحكام السعوديين وأساسا ولي العهد، ولذلك علينا عدم انتظار أي شيء له أهمية من زحمة الأحداث والأخبار الوافدة من الرياض على خلفية تبعات اغتيال الخاشقجي..
الرهان الذي يمكن التعويل عليه هو نضالات أبناء شعب الحجاز وطبقتهم المتنورة المعارضة التي تعيش في الداخل أو الخارج، في السجون والمعتقلات السرية، وفي المدن والقرى والبوادي وفي الجامعات والكليات وفي المساجد ودور العبادة، وفي كل ركن وزاوية من السعودية.. تعيش رافضة السياسة الرسمية لبلدها، ومعارضة لها، ومناضلة من أجل تغييرها، وأبانت عن حركية لافتة في واقعة الخاشقجي..
فنضالات هؤلاء وتضحياتهم ستنصهر، في قوتها وحرارتها، وستتأجج بالانتصارات التي يراكمها محور المقاومة، سواء في اليمن، أو العراق، أو سورية، أو غزة، أو لبنان، فكل انتصار يتحقق على جبهة من هذه الجبهات المتنوعة، يخلق صدى له في الشارع السعودي، وسيساهم في زيادة إذكاء الزخم الشعبي الذي يتبلور معارضا في أرض الحجاز، ليصبح تيارا شعبيا عارما هادرا سيطيح بكل الموغلين في سياسة الانبطاح والرضوخ والمساهمة في تمويل وتسويق المشروع الصهيوأمريكي في عالمنا العربي.. الرهان ينبغي أن يكون على أبناء الشعب في السعودية، وليس على الطبقة الحاكمة هناك، فهذه أصبحت، عربيا، في حالة ميؤوس منها..
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/11/24