جريمة قتل خاشقجي.. والابتزاز الأميركي!
طلال سلمان
أخيراً، وبعدما افترض ولي العهد في السعودية الأمير محمد بن سلمان إن الجريمة الوحشية التي نفذها رجاله في القنصلية السعودية في إسطنبول قد مر عليها الزمن، أقدم على مباشرة نشاطه الخارجي عبر جولة واسعة بدأها بالحلفاء الأقربين، البحرين والإمارات ومصر السيسي على أن يستكملها في الدول العربية في شمالي افريقيا: تونس والجزائر وموريتانيا.
لم يكن ثمة ما يزعج الملك المقبل للسعودية في عواصم هذه الدول المدجنة.. بالدولار والمصالح المشتركة. لكن أصوات الاعتراض ارتفعت عالية عبر تظاهرات الغضب التي ملأت شوارع تونس، تعلن رفضها استقبال الزائر الذي تراه متورطاً في جريمة اغتيال الكاتب الصحافي جمال خاشقجي وتقطيع جثته وإخفاء أي أثر لها.
وبغض النظر عما إذا هذا الأمير سيتمكن من التجول آمناً في تونس أم يكمل طريقه إلى غيرها، فإن الرأي العام في تونس قد عبر عن إرادة الأمة جميعاً، برفض استقبال ولي العهد السعودي لافتراض تورطه في هذه الجريمة النكراء التي هزت وجدان الناس ببشاعتها وافتقار مرتكبيها إلى المبررات والذرائع، إن كان ثمة ما يبرر هذا القتل الوحشي في مقر رسمي يرفع علم الدولة المعنية..
بما يؤكد ضلوع كبار المسؤولين فيها في التخطيط والتحضير وتوفير العناصر المنفذة.. مع الحرص على إخفاء الجثة المقطعة وإنكار المسؤولية عن ارتكاب هذه الجريمة غير المسبوقة.
بالمقابل، فإن الرئيس الأميركي ترامب مارس هوايته المفضلة كمضارب في البورصة عبر ابتزاز المملكة الرهينة بتصريحات متناقضة ولكنها تصب في الخانة إياها: ادفع فنساعد على إبعاد التهمة عنك، إما إذا لم تدفع لنا فسوف نجعلك تندم على ترددك!
من ذلك إعلان ترامب في تصريح متلفز، وهو يقصد الملك سلمان بن عبد العزيز: لولانا لما بقيتم أسبوعين في الحكم!
وعلى طريقته المتقنة في فن الإبتزاز، قال ترامب في تصريح آخر: قد يكون ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على علم بجريمة اغتيال خاشقجي .. وقد لا يكون!
هكذا تكون العدالة في بورصة ترامب: تدفع فنتجاوز عن إدانتك مباشرة وندين المنفذين فقط.. لا تدفع، سيكون ثمة حساب مختلف!
…وهناك، في الجهة الأخرى، ملوك المضاربة في عهد أتاتورك الجديد، أردوغان: بين أسبوع وآخر، يُظهر وزير خارجيته أو وزير العدل في حكومته، أدلة جديدة تؤكد ثبوت المسؤولية عن الجريمة على “مسؤولين كبار” أمروا فنفذ الموفدون إلى أسطنبول.. وبالتالي فالمسؤولية تطال من أمر وليس من نفذ فحسب.
أما في لبنان فقد انقسم الناس طائفياً ومذهبياً، ولكن ضمن حدود، وان كانت بعض القيادات الدينية وبعض السياسيين، وكذلك بعض الصحف، قد تجاهلت الحدث أو أنها تبنت وجهة نظر المملكة المذهبة، طالما أنها لا تستطيع إنكار الجريمة التي هزت العالم ببشاعتها ودفعت العدد من الدول ذات التأثير في أوروبا إلى إدانة المسؤولين السعوديين، أيا كانوا وامتنع بعض رؤساء الحكومة وبعض وزراء الخارجية في أوروبا عن زيارة السعودية، ولو تلبية لدعوة رسمية “شرهاتها” ثمينة جداً.
*****
في هذا الوقت، وبرغم أن لبنان لا علاقة له من قريب أو من بعيد بهذه الجريمة بمدبريها ومنفذيها…
..وبرغم أن الرئيس سعد الحريري، قد تجاوز ذكرياته السوداء إبان احتجازه في الرياض وإهانته شخصيا وضرب مرافقيه وسجنهم، فذهب إلى المملكة وصحبه ولي العهد إلى مؤتمر كان ينعقد في الرياض، ومازحه حول فترة احتجازه، وضحكا معاً، وكأن شيئاً لم يكن.. برغم ما يتذكره الناس من أنه لولا تدخل الرئيس الفرنسي ماكرون، ونزوله شخصياً في الرياض (من خارج المقرر) ليطمئن إلى سلامة الحريري يتوسط لإطلاق سراحه، لكان رئيس حكومة لبنان ـ آنذاك ـ ما زال رهينة ولي العهد السعودي لأسباب لا يعرفها، حتى الساعة، أحد.
وها هو الحريري، العائد بالسلامة من الأسر الملكي، يحاول عبثاً تشكيل حكومة يلغي بها غيره، فيعجز.. وتمر الأيام والأسابيع والشهور على الفراغ في سراي الحكم، والشلل في الحياة السياسية في لبنان… فلا تهتم السعودية، ولا تتحرك حكومتها، وان هي اكتفت بترقية القائم بالأعمال السعودي في لبنان إلى رتبة سفير!
… مع أن سعد الحريري كان يجب أن يُدرك، بالتجربة المرة، أن لشعبه دينا عليه، إذ تضامن معه اللبنانيون جميعاً، من هم ضده سياسياً ومن هم ضده اجتماعياً ومن هم محايدون وطبعاً من هم معه، حتى اضطر من أمر باحتجازه إلى إطلاق سراحه ليعود إلى عائلته وأهله في لبنان.
بقي أن يُصدر الأمر بإطلاق سراح لبنان ذاته.. قبل أن يضربه انهيار السلطة بعد الانهيار الاقتصادي الذي يشل الحركة فيه.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/12/01