السعودية بعد جولة بن سلمان: المملكة تشتدّ عزلة!
رانا أبي جمعة
أظهرت لغة جسد الأمير وملامح وجهه ما حاول التغاضي عنه في تصريحاته القليلة. نعم رأيناه بأكثر من وجه، حيث تحوَّل من وجهٍ بشوشٍ واثقٍ في الإمارات والبحرين على ما أظهره سيْل الصوَر هناك إلى وجهٍ حَذْرٍ في مصر حيث اقتصرت الزيارة على لقاءين مع رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي برغم إصرار الإعلام المصري كما السعودي على الإشارة إلى الحفاوة الشعبية التي حظيَ بها وليّ العهد من خلال حضورٍ خجولٍ على جانبيّ بعض الطُرقات في القاهرة أثناء مرور موكبه الطويل، إلى وجهٍ قلقٍ في تونس حيث التقى فقط كلاً من الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد.
حاول المتظاهرون منع ثيوفيلوس من الدخول إليها
نقول المملكة بعد الجولة لأنه وببساطة عمل وليّ العهد محمّد بن سلمان على اختصار المملكة وسمعتها ومكانتها بشخصه، منذ أن قرَّر الأمير الشاب الاعتداء على القريب قبل البعيد في محاولةٍ منه للوصول إلى العرش في أقصر فترة زمنية مُمكنة، مُتناسياً الحِكمة التي تقول بأن مَن أحَسَنَ سياسة نفسه وأهله كان أهلاً لسياسةِ الناس.
لن يُنسى يوم الثاني من تشرين الأول من هذا العام في المدى المنظور، إذ أماط اللِثام عن وجه الدولة السعودية الرابعة مُمثّلةً بوليّ العهد، ولم يعد عمل شركات العلاقات العامة الغربية في تحسين صورة وليّ العهد ذا جدوى.
في الواقع لا يزال هناك الكثير من الغموض في واقِعة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول. التفاصيل المُتتالية لا تكشف إلا ما دار ضمن غُرَف القنصلية المُعتِمة من عملية قتلٍ بشعةٍ في محاولةٍ تركيةٍ لتوظيفٍ سياسي لا نعرف مراميها الحقيقية بعد، ولكن يبقى الأهم هي تلك التفاصيل المُتعلّقة بخاشقجي غير الصحافي نفسه وحيثيات مجيئه من الولايات المتحدة إلى تركيا، وصولاً إلى ما يمكن أن يكون حاصِلاً من اتصالات بين كلٍ من تركيا والولايات المتحدة الرسمية أو حتى العميقة قبل الواقِعة. هذه التفاصيل والمعلومات تبقى رهن الأيام وربما الشهور والسنوات المقبلة.
انتقلت السعودية بحسب تسلسل التصريحات والإجراءات من موقع المُتلقّي إلى الفاعِل بحسب بعض القراءات ، وعليه قرَّر وليّ العهد محمّد بن سلمان القيام بجولةٍ على بعض الدول العربية قبل الوصول إلى قمّة العشرين المُنعِقدة في الأرجنتين.
"لا أهلاً ولا سهلاً"، شعار سُمِعَ في كلٍ من مصر وتونس والجزائر وموريتانيا، فأفشل ما كان يُراد من الزيارة كهدفٍ واضحٍ ومعلوم من دون أن يُعلَن صراحةً، وهو تبييض وجه إبن سلمان عربياً علّه يُعطيه زُخماً معنوياً يتوجّه به إلى ما وراء البحار.
وفي حين أدّى قتل خاشقجي إلى فتح الباب واسعاً على أخطاء وخطايا وليّ العهد غير المحسوبة على رأسها الحرب على اليمن، أدّى الحديث عن الجولة العربية الأخيرة إلى إثارة ملّفات ظنَّ البعض بأنها طُويَت في أدراجٍ لن تُفتَح أبداً.
في القاهرة، أعادت الزيارة التي لم تدم يوماً واحداً كاملاً فعلياً لتُحيي هويّة تيران وصنافير الجدليّة ، وأُعيد التصويب على خلفيّات انتزاع الجزيرتين من مصر، فيما أعادت الزيارة التي لم تدم سوى بضع ساعات في تونس إلى رفع الصوت حول تسليم الرئيس السابق زين العابدين بن علي الذي فرَّ إلى المملكة أثناء ثورة الياسمين، ووقوف المملكة بوجه إرادة الشعب التونسي، يساريين وإسلاميين.
أما في الجزائر التي تعتمد سياسة عدم التدخّل في شؤون الدول العربية الداخلية ، فقد جرى الترحيب بالزيارة الأخوية برغم تباعُد الرؤى والسياسات حيال أكثر من ملف، لم ينس جزائريٌ واحدٌ سياسياً كان أمْ إعلامياً أمْ حتى ناشِطاً أن يُشير إلى ملف سوق النفط العالمي مُصوِّباً مباشرة أو موارَبةً لا فرق على زيادة السعودية لإنتاجها النفطي وانعكاسها السلبي على الجزائر.
ولكن ما الذي أظهرته الجولة الأولى - التي لم تنتهِ بعد- لوليّ العهد السعودي بعد قتل خاشقجي شكلاً ومضموناً حتى الساعة؟
أظهرت لغة جسد الأمير وملامح وجهه ما حاول التغاضي عنه في تصريحاته القليلة. نعم رأيناه بأكثر من وجه، حيث تحوَّل من وجهٍ بشوشٍ واثقٍ في الإمارات والبحرين على ما أظهره سيْل الصوَر هناك إلى وجهٍ حَذْرٍ في مصر حيث اقتصرت الزيارة على لقاءين مع رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي برغم إصرار الإعلام المصري كما السعودي على الإشارة إلى الحفاوة الشعبية التي حظيَ بها وليّ العهد من خلال حضورٍ خجولٍ على جانبيّ بعض الطُرقات في القاهرة أثناء مرور موكبه الطويل، إلى وجهٍ قلقٍ في تونس حيث التقى فقط كلاً من الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد.
في الشكل أيضاً، كان واضحاً بأن جولة الأمير لم يتخلّلها أيّ مؤتمر صحافي في مرحلةٍ تكثر فيها الأسئلة عما قبلها وما بعدها.
اتّسمت الزيارات إلى كلٍ من مصر وتونس بعدم دقّة مواعيدها وقصْر مدّتها الزمنية. فالزيارة التي قيل إنها دامت ليومين في القاهرة كانت فعلياً أقل من أربع وعشرين ساعة، أما الزيارة إلى تونس فكانت لأربع ساعاتٍ فقط وأتت على وقع تظاهراتٍ واحتجاجاتٍ ودعواتٍ قضائية.
في المضمون، لم يتمخَّض عن زيارتيّ مصر وتونس إلا القليل، نتج من الأولى تكليف وزير التجارة السعودي من وليّ العهد السعودي محمّد بن سلمان، بأن يعتبر نفسه وزيراً في الحكومة المصرية سعياً لتعزيز التعاون الاستراتيجي بين مصر والسعودية، فيما نتج من الثانية بحسب معلومات غير مؤكَّدة مَنْح البنك المركزي التونسي وديعة مالية، وتوفير كميات من النفط بأسعارٍ تفضيليةٍ ومساعداتٍ عسكرية.
كخُلاصة، كانت هناك غلَبة للشكل على المضمون، ربما هذا ما أراده فعلاً الجانب السعودي من خلال زيارة هذه الدول الأربع قبل التوجّه إلى قمّة العشرين في الأرجنتين. ولكن ما لم يتنبّه إليه هذا الجانب إلى أن الذاكرة البصرية اليوم تختزن الكثير عن هذه الجولة ولا يمّت النجاح لها بصلة إنما العكس.
بعد هذه الجولة تأكّد المؤكَّد بأن الحُكَّام العرب في وادٍ والشعوب العربية في وادٍ آخر، وتأكَّد أنه لا يزال للمجتمع المدني صوت مسموع، كما أصبح أقرب إلى المؤكَّد أن الأمير الشاب العازِل لمملكته قد يكون عَزَل نفسه عن العرش المُشتهى.
لصالح موقع "الميادين"
أضيف بتاريخ :2018/12/01