الرأي العام الأميركي بدأ ينقلب ضد إسرائيل
د. جيمس زغبي
مؤيدو إسرائيل في الولايات المتحدة في مأزق. فالرأي العام يتغير وهناك المزيد من اللاعبين، الذين يتحدّون إسرائيل علانية والتكتيكات الفظة التي استخدموها بنجاح في الماضي لإسكات الانتقادات تعمل على تفاقم الوضع. ومن الأمثلة على ذلك:
أعلنت شركة Airbnb قبل بضعة أسابيع أنها لن تُدرج عقارات تقع في الضفة الغربية المحتلة ضمن قوائمها لتأجير العقارات. كان رد الفعل في إسرائيل وبين مؤيديها في الولايات المتحدة هستيرياً كما كان متوقعاً، ووصفوا الإجراء الذي اتخذته Airbnb بأنه «معادٍ للسامية». وأعلنت إسرائيل أنها ستفرض قانونها المناهض للمقاطعة من خلال منع Airbnb من العمل في أي مكان داخل البلاد. وقال بعض الزعماء السياسيين الأميركيين إنهم سيضغطون على الولايات الأميركية، التي أقرت تشريعاتها الخاصة ضد المقاطعة لاتخاذ إجراءات مماثلة ضد Airbnb.
قرار Airbnb وردود الفعل عليه مفيدة، لأنها تجمع عدداً من القضايا التي تحدد بالضبط إلى أين وصل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني اليوم.
في بعض الأحيان، من أجل رؤية قضية بوضوح، من المهم إعادتها إلى جوهرها. في هذه الحالة، زودنا الحاخام شمولي بوتيتش بمثال على الحجة الإسرائيلية الأساسية ضد Airbnb من خلال إعلان بمساحة صفحة كاملة في إحدى الصحف في الأسبوع الماضي. هذا الإعلان لم يعد قضية إسرائيل إلى جوهرها، بل كشف عن سخفها.
وجاء الإعلان تحت العنوان الرئيسي Airbnb: Anti-Semitic، زاعماً زوراً أن الشركة «خصت اليهود المقيمين في يهودا والسامرة بالتمييز وعاقبتهم على أساس جنسيتهم وعرقهم ودينهم فقط». ثم يتهم Airbnb بازدواجية المعايير، لأنهم لم يقوموا بإدراج عقارات الإيجار في الأراضي المحتلة الأخرى، مثل قبرص التي تحتلها تركيا، أو شبه جزيرة القرم التي تحتلها روسيا/ أو التيبت التي تحتلها الصين (اعتراف ضمني مثير لإسرائيل كمحتل في الشركة العظيمة للمحتلين الآخرين!). ويختتم الإعلان بلافتة سوداء صارخة كتب عليها إن «مقاطعة إسرائيل معاداة للسامية».
الإعلان برمته هو تشويه متعمد للواقع، لأن Airbnb لا تقاطع إسرائيل ولا اليهود. وما زالت تدرج في قوائمها العقارات في تل أبيب ومجموعة من المدن الإسرائيلية الأخرى، والعقارات المملوكة لليهود في كل مكان في العالم. ما قررت شركة Airbnb عدم إدراجه هو ممتلكات للمستوطنين اليهود في الأراضي الفلسطينية المحتلة. أما بالنسبة للحجة الإسرائيلية بأن Airbnb تستخدم معايير مزدوجة، فهناك أمران يجب إيضاحهما: (1) صرحت شركة Airbnb بالفعل أنها تعكف على «تقييم كيفية التعاطي مع قوائم في المناطق المحتلة حول العالم»، و(2) في أي من الحالات التي استشهد بها بوتيتش، هناك أدلة قابلة للمقارنة لإيجارات مملوكة لمستوطنين يعيشون في عقارات مبنية بشكل غير قانوني على أراض مصادرة.
لكن في النهاية، لا يتعلق الأمر بالأكاذيب الواردة في هذا الإعلان أو أي من الجهود الأخرى لمحاربة Airbnb. الشيء المهم هو أنه في مواجهة تراجع الدعم العام وتناقص القدرة على السيطرة على الرواية حول طبيعة صراعهم مع الفلسطينيين، فإن أنصار إسرائيل يستهدفون بشكل أعمى كل من يخالفهم في محاولة للضغط على أي شخص يجرؤ على تحديهم.
وما الحملة ضد Airbnb إلا مثال حديث. وهناك مثال آخر، ففي الأسبوع الماضي فقط، مورست ضغوط هائلة على شبكة CNN، مما أجبرها على طرد احد مراسليها، وهو الدكتور مارك لامونت هيل. كانت «جريمة» هيل أنه عند عودته من زيارة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، تحدث في «اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني»، الذي ترعاه الأمم المتحدة، داعياً إلى «فلسطين حرة من النهر إلى البحر».
وبينما كان واضحا من جميع ملاحظاته أن هيل كان يدعو إلى العدالة والمساواة في الحقوق للإسرائيليين والفلسطينيين، فإن أنصار إسرائيل تقمصوا على الفور دور الضحية، وقفزوا للهجوم والتنديد بهيل واتهامه «بالتحريض على العنف» و«الدعوة إلى الإبادة الجماعية» و«الترويج لمعاداة السامية».. الخ. وبدلاً من دحض هذه الاتهامات الشنيعة والوقوف إلى جانب المعلق، عمدت «سي إن إن» إلى طرد هيل. وبعد ذلك بوقت قصير، اتهم رئيس مجلس أمناء جامعة تمبل، حيث كان هيل أستاذا، هيل بنشر «خطاب الكراهية» وطرح إمكانية عزله من وظيفته.
هاتان الحالتان ــ قرار شركة كبرى باحترام القانون الدولي والمعلّق الرئيسي الذي يتحدث عن العدالة ــ هما مجرد مثالين على المشهد السياسي المتغير في الولايات المتحدة. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن إسرائيل تفقد مكانتها لدى الرأي العام الأميركي ــ خاصة بين المجموعات الديموغرافية التي تشكل الائتلاف الديموقراطي (الشباب ومجتمعات الأقليات والنساء المتعلمات).
وكردة فعل، تحاول جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل الآن، بعد أن أدركت أنه لا يمكنها إسكات الانتقادات لإسرائيل من خلال توجيه الضربات لها على انفراد، تمرير مشاريع قرارات في الكونغرس بمعاقبة و/ أو تجريم أي انتقادات أو تحركات ضد إسرائيل.
ولكن المشكلة التي يواجهها أنصار إسرائيل هي أن التغييرات في الرأي العام الأميركي تجاه السياسات الإسرائيلية والوعي بالمحنة الفلسطينية قادت شركات مثل Airbnb والأميركيين الأفارقة التقدميين مثل هيل لرفع أصواتهم، وبالتالي جعل من الصعب تمرير مثل هذه القوانين القمعية في الكونغرس، بل أن الحملة ضد هذه الشركة وضد هيل كانت لها انعكاسات سلبية على إسرائيل وأنصارها.
لقد بدأت المجموعات الطلابية في حرم الجامعات تمرر القرارات المؤيدة لحركة المقاطعة BDS، ومجموعات الحقوق المدنية تكسب التحديات القانونية ضد القوانين المناهضة لـBDS على مستوى الولايات. ولأن أنصار القوانين المثيرة للجدل مثل AAA ،IABA يواجهون مقاومة شرسة فإنهم يلجأون إلى طرق ملتوية. وأخيراً، من المهم ملاحظة أن أفرادا مثل مارك لامونت هيل، وشركات مثل Airbnb، يحظون بالثناء لتصديهم لبلطجة أنصار إسرائيل.
النضال من أجل العدالة مستمر. والتحديات كبيرة، ولكن الأمور بدأت بالتحسن.
جريدة القبس الكويتية
أضيف بتاريخ :2018/12/15