قرارات تطمئن العقاريين وتورط المواطنين
برجس حمود البرجس
أين الـ250 مليار ريال؟ هل ما زالت وزارة الإسكان تمتلك ذلك المبلغ؟ ولماذا الحرص على القرض المعجّل دون غيره من البرامج؟
مشروع الإسكان لبناء 500 ألف وحدة سكنية، والذي رُصد له 265 مليار ريال قبل 5 سنوات، لم يتقدم في البناء، وخرجت الوزارة من مسؤولية البناء إلى منح الأراضي والقروض ودمج البرنامج مع ما سمي بـ"منتجات الإسكان"، وأُوجدت العوائق وآخرها كان موضوع "رسوم الأراضي البيضاء"، ولكن سُخرت جميع المطالب لصالح وزارة الإسكان، وتوقعنا أن بداية الإنتاج نهاية العام الماضي.
سبق أن تم قبول 750 ألف طلب لعوائل استوفوا شروط الحصول على منتجات الإسكان، واسترجعت الوزارة أراضي تقدر بـ3750 كلم مربع عن طريق عدة قنوات، وأعلنت الوزارة عن بداية تحصيل الرسوم في رمضان لهذا العام، وكثيرا من الإعلانات الأخرى إلا أنها لم تمض قدما في البناء. ومؤخرا، هناك أحاديث عن إيقاف برامج صندوق التنمية العقاري، وربما يكون مؤقتا.
حرصت الوزارة على برنامج يفترض به أن يكون الأقل أهمية، وهو برنامج "القرض المعجّل"، وقد حذرنا منه كثيرا، هذا الحرص يثير الاستغراب، فمنذ متى عهدنا الوزارة تحرص على من هم في ذيل القائمة؟ وتعمل جاهدة لتسهيل العقبات التي يواجهها هؤلاء في الحصول على قرض بنكي. لماذا هذا الاهتمام بالشريحة المتوسطة وإهمال الشريحة الكبرى المتضررة التي لا تجد قيمة إيجار سكنها؟
كان يفترض بالقرض أن يكون 70% من قيمة المسكن بالنسبة للقرض المعجل وعلى المقترض توفير الـ30% الباقية، وطبعا من المستحيل أن يكون هناك مواطنون يستطيعون توفير هذا المبلغ، فعملت الوزارة المستحيل لإقناع المالية ومؤسسة النقد بأن يتكفل المواطن فقط بـ15% من قيمة المسكن، ويا لها من ورطة كبيرة سيقع في فخها المواطن.
لم تحل المشكلة، اتضح أن الغالبية العظمى من المستهدفين عليهم قروض شخصية بالأساس ويسددون بــ33% من رواتبهم، وهذه هي القدرة القصوى للتخلي عنها من الراتب، ولكن هناك أخبار تتحدث على أن القرض المعجل سيكون سداده من الثلث الثاني من الراتب، طبعا جميع هذه التسهيلات تعتبر "مقادير" للتورط في المستقبل القريب لمن يقبل بالقرض المعجّل.
على المواطن توفير الأرض أولا، توفير 15% من قيمة المسكن، التخلي عن ثُلثي الراتب لسنوات طويلة، سداد فوائد القرض أيضا!!! الغالبية العظمى منهم يدركون خطورة هذا القروض، ولن يتورط بهذا القرض إلا عدو نفسه.
المقترضون سيدخلون في تعقيدات بعد أن يتم خصم ثلثي رواتبهم، وهناك أيضا زيادة أعباء على الراتب بسبب غلاء المعيشة وتكلفة الحياة، وسيضطر كثير للاستغناء عن تلك المساكن المقترضة وتحرير الرواتب، ويبدو أننا نكرر قصة انهيار سوق العقار الأميركي والأوروبي عام 2007.
المقترضون لا يعلمون أنه مع بدء أي برنامج للإسكان، سيرتفع الطلب فترتفع أسعار المقاولين وأسعار البناء ومواد البناء؛ لذلك من يفكر بالاقتراض عليه أن يراجع نفسه كثيرا، وعلى الدولة التدخل ومنع الإسكان من توريط المواطنين ومنع كارثة مستقبلية.
هذه الحلول ليست للمساهمة في حل مشكلة السكن لذوي الدخل المحدود لأنها لا تنطبق إلا على شريحة قليلة جدا من الناس ممن رواتبهم عالية؛ ما لم توضح الوزارة سبب الحرص الشديد على من هم في ذيل قائمة الانتظار والذين سيحصلون على قروض معجّلة من البنوك، وإهمال الشريحة الأكثر استحقاقا والذين يواجهون صعوبة توفير قيمة إيجار السكن، فإن لهذا تفسيرين معا، الأول أن الوزارة لم تعد تمتلك المتبقي من الـ265 مليار ريال وهو حوالي 250 مليار ريال، والثاني أن الوزارة تحرص على عدم هبوط أسعار الأراضي التي هي أصلا هبطت 22% كمعدل مؤخرا، والسبب لأن الوزارة حريصة على "قيمة" تحصيل رسوم الأراضي لأنها نسبة 2.5% من قيمة الأرض عند تحصيلها. وبذلك يكون الحرص على "القرض المعجّل" لكي يزيد الطلب على الأراضي ويوقف هبوط قيمتها، لتكون رسوم الأراضي مرتفعة لهذه السنة.
الوضع يحتاج إلى توضيحات للمواطن الحيران، أين الـ250 مليار ريال؟ هل ما زالت الوزارة تمتلك ذلك المبلغ؟ لماذا الحرص على القرض المعجّل دون غيره من البرامج؟ وأيضا نحتاج إلى توضيح بالآثار المستقبلية على المواطن عند نقل مهام البناء من الوزارة إلى المستفيد، والتي سترفع من أسعار المقاولات ومواد البناء، هذا التوضيح مهم وهل دُرس الموضوع من ناحية اقتصادية واجتماعية؟
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2016/03/03