معسكر الممانعة ومعسكر الهيمنة: التعايش المستحيل
حميدي العبدالله
المقصود بمعسكر الممانعة جميع دول العالم التي ترفض سياسة الهيمنة التي اعتادت عليها الحكومات الغربية وفي مقدّمته الولايات المتحدة، ويضمّ هذا المعسكر روسيا والصين وإيران وسورية وكوبا وفنزويلا وحتى كوريا الشمالية وكثير من حكومات العالم التي ترفض سياسة الهيمنة والتدخل في الشؤون الداخلية لدول مستقلة. أما معسكر الهيمنة فمعروف ويضمّ الولايات المتحدة والحكومات الغربية وحكومات كثيرة في القارات جميعها تدور في فلك هذه الهيمنة.
الآن وبعد انتهاء المرحلة الانتقالية التي سادت لمدة عقدين هما عقد التسعينات والعقد الأول من القرن الواحد والعشرين، يعود الصراع من جديد إلى مستوى أكثر قوة من الحرب الباردة بين المعسكرين، وبفعل هذا الصراع باتت السيطرة متداخلة على مستوى مناطق واسعة، وحتى داخل دول بعينها.
البعض يتوقع أن توضع نهاية لهذا الصراع والتعايش القائم بين المعسكرين في بعض الدول والمناطق من خلال تسوية بين المعسكرين، وثمة أحاديث كثيرة عن يالطا جديدة.
لكن من الواضح أنّ الذين يتحدثون عن يالطا جديدة لا يجيدون القراءة الدقيقة لأحداث التاريخ، إذ أنّ يالطا جاءت تتويجاً لنتائج الحرب العالمية الثانية، وجاءت تكريساً لحسم الصراع بين معسكرين بعد حرب مكلفة تجاوز ضحاياها العشرين مليون، ومن يتحدث عن يالطا جديدة عليه أن يقرّ بأنها لن تحدث إلا بعد حرب تحسم الصراع بين معسكر الممانعة من جهة، ومعسكر الهيمنة من جهة أخرى، وهذه الحرب لا تزال في بداياتها، ولم تحسم على غرار ما حصل في الحرب العالمية الثانية ومهّد لتسوية يالطا التاريخية التي أنتجت نظامين عالميين، هما المعسكر الغربي الرأسمالي والمعسكر الشرقي الاشتراكي التحرري.
ما يعني المنطقة الآن ليس ما يجري الآن في فنزويلا، أو ما يجري قرب حدود روسيا ولا سيما في أوكرانيا، على الرغم من واقع أنّ انعكاساته ستكون مؤثرة على المنطقة وما يجري فيها، لكن الأمر الأكثر أهمية هو استحالة التعايش على الأقلّ في ثلاث ساحات رئيسية، الأولى الساحة العراقية، والثانية الساحة السورية، والثالثة الساحة اليمنية.
في العراق احتدم الصراع بين المعسكرين ولا سيما بعد إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش، ففي حين تسعى الولايات المتحدة لحسم الصراع في العراق لمصلحتها، وتحويله إلى قاعدة لتدعيم وجودها في العراق وفي المنطقة في مواجهة معسكر الممانعة، وهو ما أفصح عنه الرئيس الأميركي عندما غرّد قائلاً إنّ القوات الأميركية ستبقى في العراق لمراقبة إيران، فإنّ معسكر الممانعة في هذا البلد يسعى إلى إخراج القوات الأميركية من العراق، أو على الأقلّ تعطيل أيّ قدرة لها لأن يكون العراق قاعدة للعمل ضدّ معسكر الممانعة، وهذا الصراع يضع حداً لتعايش استمرّ منذ الاحتلال الأميركي للعراق، ولكنه بات الآن مستحيلاً وتتحكم به دينامية لا بدّ أن تقود إلى مواجهة كبرى.
في سورية، ومع اقتراب تحرير كلّ الأرض السورية من الجيوش الإرهابية، باتت أولوية سورية، الدولة والجيش، استعادة المناطق الخاضعة للسيطرة الأميركية، إذا انسحبت الولايات المتحدة من سورية تنفيذاً لقرار ترامب تجنبت المواجهة، ولكنها إذا ماطلت وتراجعت عن الانسحاب فإنّ المواجهة حتمية بمعزل عما إذا كانت ستقع بعد أسابيع أو بعد أشهر.
أيضاً في اليمن، فإنّ موقع اليمن الجيواستراتيجي، يجعل احتمالات التوصل إلى تسوية رضائية تنهي الصراع فيه بين المعسكرين أمر أقرب إلى المستحيل، وبالتالي فإنّ الحرب سوف تستمرّ فترة طويلة، وستكون نتائجها مرهونة بالصراع في مداه الأوسع في المنطقة والعالم بين المعسكرين الرئيسيين.
في مطلق الأحوال فإنّ التطورات المتسارعة من فنزويلا مروراً بأوكرانيا وخروج الولايات المتحدة من اتفاقات استراتيجية موقعة مع روسيا وانتهاءً بما يجري في العراق وسورية واليمن وبين إيران والولايات المتحدة، كلها وقائع تؤكد أنّ التعايش بين المعسكرين من الأمور المستحيلة.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/02/06