السعودية تتمنى الخروج من الحرب على اليمن.. وبقاء المغرب أو مغادرتها ليس مؤثرا
طالب الحسني
في أكتوبر 2014 قال وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل ( يبدو أننا بحاجة لعملية جراحية في اليمن ) نصف السطر هذا قاله الفيصل للمسؤولين في الإمارات ، وكشفه أنور قرقاش الوزير الإماراتي للشئون الخارجية خلال مقابلة له في قناة BBC منتصف العام الماضي 2018 وهو يستعرض إرهاصات ما قبل التدخل العسكري التي تقوده السعودية في اليمني ، تصريحات أخرى مقاربة قالها أحمد الصوفي السكرتير الصحفي للرئيس الأسبق علي عبدالله صالح لإحدى القنوات التي تمولها السعودية ومقرها الرياض ، مفادها أن السفير السعودي عقد لقاء في سفارة بلاده في العاصمة اليمنية صنعاء مع ممثلين عن ” الرئاسة اليمنية حينها ، وممثلين عن حزب الإصلاح ( إخوان اليمن ) وممثلين عن حزب المؤتمر الشعبي العام الذي كان يرأسه صالح ، طرح السفير ورقة عنوانها ” التمدد الحوثي ” هذا الأمر حصل في 2013 أي قبل عامين من إعلان ” عاصفة الحزم ” النقطة الأبرز في هذه الورقة هي الخيار العسكري بدعم سعودي ، والهدف هو القضاء على أنصارالله الحوثيين كليا ومنع مشاركتهم ليس فقط في الحكم بل وفي المشهد السياسي برمته ، انتهى .
هذه المقدمة لشرح التقديرات العسكرية السعودية للحرب في اليمن ، وأيضا الرغبة الملحة لاستخدام القوة ،وهذا الأمر خطير من زاويتين ، الأولى أنه يسقط تماما أن التدخل العسكري جاء فقط بطلب من عبدربه منصور هادي ، والأمر الآخر حجم التدخل السعودي في صناعة القرار في اليمن ، والقرار هنا ليس أي قرار ، إنه قرار الحرب والسلم والذي يفترض أن يخضع لأعلى مستوى من النقاش .
لنعود إلى ” العملية الجراحية ” التي كان يراها سعود الفيصل وعلى أساسها بني التدخل العسكري السعودي الإماراتي وبدعم أمريكي ، وهي بلا شك تشرح التقديرات السعودية وتصوراتها كيف ستجري الحرب والعدوان على اليمن ، التقديرات كانت تقول حرب خاطفة سريعة لن تستغرق سوى بضع شهور إن لم يكن بضع اسابيع ، عملية جراحية لا أقل ولا أكثر ، ووفق هذه التقديرات شاركت العديد من الدول ضمن التحالف الذي تقوده ومن بينها المغرب .
أبعد من ذلك أن تصور السعودية وهي تجمع التحالف العسكري العربي والأفريقي والغربي وبدعم أمريكي مفتوح ، ذهب بعيدا كتكرار التجربة وبذات التحالف في سوريا ولبنان ، وهناك من تحدث صراحة بهذا المشروع لحظات النشوة والشعور بالقوة عندما كانت 300 طائرة تدمر الجارة القريبة اليمن ، وكأنهم يطبقون القاعدة التي تقول اضرب الضعيف يهابك القوي ، لكن الذي حدث هو العكس تماما لقد أنهكت السعودية في اليمن وتريد أن تخرج منها بأقل الخسائر الممكنة وبشيء من ماء الوجه .
” العملية الجراحية ” بتعبير الفيصل لم تعد كذلك ، لقد أصبحت مستنقع وبحر من الدماء والأشلاء ومتاهة لا أول لها ولا آخر وليس هناك من أفق مشجع أو يفتح نافذة أمل للخلاص وإعلان الانتصار بالشروط السعودية أو حتى بجزء منها ووصل الإنهاك ذروته ومن يقول غير ذلك فإليه الحسبة الخفيفة التالية
تمتلك حكومة العاصمة اليمنية صنعاء المشكلة من أنصارالله الحوثيين وحلفاؤهم 10أضعاف المعسكرات التي كانوا يملكونها بداية العدوان على اليمن 2015 بعد أن فتحوا أبواب التجنيد علاوة على الدعم القبلي والشعبي المتواصل مع ملاحظة أن هذه المعسكرات لا تشبه أبدا المعسكرات التقليدية ، فالتجنيد هنا يحصل بدافع الرغبة للقتال وليس البقاء في العنابر وانتظار الرواتب الشهرية ، هذا أمر ، الأمر الآخر التصنيع العسكري على قاعدة الحاجة والضرورة فما تحتاجه جبهات القتال من الأسلحة المتوسطة والخفيفة والذخائر يتم توفيره محليا وبإنتاج كبير ، بالإضافة إلى تقنية الطائرات المسيرة ، والتطوير من الإنتاج الصاروخي ، وهو ما اعترفت به السعودية وأعلن التحالف عملية عسكرية أشبه بحملة غارات على ما أطلق عليها معامل التصنيع والتجميع منتصف يناير الماضي وليس هناك أدلة قطعية على نجاحها ، وهذا يعني أن قوتهم في تصاعد وليس في تراجع كما ترغب السعودية والتحالف الذي تقوده ، أضف إلى ذلك الاستقرار السياسي فآخر مسمار ضرب في عمود الرهان السعودي الإماراتي والأمريكي أيضا على زعزعزة الاستقرار والتوافق السياسي في صنعاء وإحداث خلافات وانقسامات ، فشل حركة الانقلاب التي قادها صالح وتسببت في مقتلة في ديسمبر 2017 وخروج أنصار الله الحوثيين منتصرين وسريعا سعوا إلى المصالح وتطبيع العلاقة مجددا مع القسم الأكبر من حزب صالح المؤتمر الشعبي العام وإعلان استمرار المشاركة في قيادة الدولة ومواجهة العدوان السعودي الأمريكي ، يقول السفير البريطاني السابق لدى اليمن مايكل آرون خلال مقابلة تلفزيونية مع الجزيرة مطلع يناير أن اجتماعا بريطانيا امريكيا عقد مع السعودية والإمارات عقب مقتل صالح اعتبر أن مرحلة جديدة تأسست لصالح أنصارالله الحوثيين ويجب التعامل معها باستراتيجية جديدة ، هذه التصريحات تحمل بعدا مهما في ملف اليمن وتنطوي على اعتراف بتلقي التحالف الذي تقوده السعودية ضربة موجعة .
في المقابل ظروف بقاء السعودية في هذه الحرب هشة فهي لا تعني سوى مزيد من الخسائر المالية أولا فتكاليف الاستمرار تصل إلى ستة مليار بحسب تقديرات وفي ظل تراجع الاقتصاد السعودي ، وثانيا تحرمها من الاستقرار المطلوب للتغلب على الكثير من القضايا التي تحاصر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الداخلة والخارج فالحرب على اليمن واغتيال خاشقجي أبرز قضيتين تؤرقان الرياض وتتمنى الخروج منها بأقل الخسائر
الأمر التحالف الذي تقوده الرياض يذهب نحو التفكك فالمغادرون منه يزدادون مع مرور الوقت ، إما بسبب التغيير الذي يحصل في البلدان مثلما هو الحال بالنسبة لماليزيا وباكستان أو بسبب خلافات مثلما حصل مع قطر أو لأسباب قد تبدو إجبارية مثلما هو الأمر بالنسبة للسودان ، أبرز شركاء التحالف ويشارك ب12 الف جندي ، اذ أن استمرار التظاهرات المطالبة بتنحية الرئيس السوداني عمر البشير تعني في النهاية المغادرة أو لأسباب أخرى مثلما يجري حاليا مع المغرب ، وفي المحصلة النهائية فإن بقاء المغرب أو مغادرتها لا تبدو مؤثرة فمشاركتها هي ضعيفة من الأساس
وفوق أن ظروف استمرار السعودية في العدوان على اليمن هشة ، التوجه الدولي نحو تفعيل وتقوية مسار الحل السياسي ، وهذا الأخير وإن كان يمر بكثير من التعقيدات لكنه في النهاية هو الطريق الوحيد للخروج من الحرب المأساوية التي ستختتم عامها الرابع بعد قرابة الشهر والنصف وهو ما يحتم على السعودية عض أصبع الندم على دخولها وليس على إكمالها في مسار معقد ومجهول
لن أعلق هنا على مشاريع القرارات التي يتبناها مجلس الشيوخ الأمريكي وصوت بالأغلبية على بعضها وتتعلق بوقف الدعم العسكري للسعودية في اليمن ووقف مبيعات الأسلحة ، وهو ما ينحت الجدار الذي تستند عليه الرياض ويفقدها القدرة كليا على المواصلة ، فهذا الأمر يحتاج لقراءة طويلة وطويلة جدا .
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/02/10