هانوي تمنح طهران جرعة صمود في مواجهة واشنطن
صالح القزويني
أعتقد أن المثل الذي يقول (مصائب قوم عند قوم فوائد) ينطبق على قمة العاصمة الفيتنامية هانوي بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ اون، ومن المؤكد أن طهران أحد المستفيدين من المصيبة التي حلت بترامب في هانوي.
لقد صعقَ كيم الجميع عندما أعلن في مارس من العام الماضي أنه مستعد للتخلي عن أسلحته النووية وإجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية، فلا الذين أيدوه ولا الذين عارضوه توقعوا أن يسقط من أعلى قمة جبل التصدي والرفض إلى أسفل الاستسلام والانبطاح، وبالفعل عقد أول قمة مع ترامب في سنغافورة وسبق ذلك قام بتفكيك وتدمير الموقع الذي أجرى فيه تجاربه النووية.
لا شك أن خطوة بيونغ يانغ بتدمير موقع التجارب النووية لم تنطلي على الكثيرين وخاصة الأميركيين، فما دامت كوريا الشمالية قد حصلت على القنبلة النووية وربما الهيدروجينية وصواريخ تصل مدياتها إلى أكثر من 10 آلاف كيلومتر فلم تعد هناك أهمية لوجود الموقع ولذلك دمرته بيونغ يانغ .
غير أن الأميركيين لم يعلنوا أن لعبة بيونغ يانغ لم تنطلي عليهم ولم يعلنوا أيضا أن هذه الخطوة لبت رغبتهم وحققت طموحاتهم، بل أوحووا للعالم أن التهديدات والضغوط الشديدة التي مارسها ترامب على كيم أرغمته على التراجع عن مواقفه والموافقة على اجراء المفاوضات وتدمير الأسلحة النووية، إلا أن عدم توصل ترامب وكيم إلى اتفاق في قمتي سنغافورة وهانوي يبين أن الصورة التي رسمتها واشنطن عن بيونغ يانغ ليست صحيحة وأن كيم ليس على استعداد للتنازل عن أسلحته النووية دون أن يحصل على إلغاء كامل للعقوبات، بل أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قال في المؤتمر الصحفي يوم أمس الخميس مع ترامب أنه لم يكن يتوقع أن المفاوضات كانت صعبة مع الوفد الكوري الشمالي.
الانتصار الوهمي الذي حققه ترامب على كيم شجعه على القيام بالخطوة التالية وهي إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، ففي مارس 2018 أعلن كيم عن استعداده للتفاوض والتخلي عن أسلحته النووية وفي مايو 2018 أي بعد أقل من شهرين أعلن ترامب عن انسحابه من الاتفاق النووي، وبذلك أراد أن يقول للعالم انه كما نجحت ضغوطه وتهديداته بإرغام كوريا على التخلي عن أسلحتها النووية فانه سيحقق ذات النجاح ضد إيران.
اليوم وبعد أن تبين للقاصي والداني أن ما يروج له ترامب تجاه كوريا الشمالية لا يتطابق مع الواقع بتاتا، فان شكوك المجتمع الدولي ستعزز تجاه كل ما يعلنه وما يقوم به ضد دول العالم وفي مقدمتها إيران، ففي الوقت الذي يعلن فيه ترامب أن العقوبات التي فرضها على إيران شلت قدرات النظام الحاكم فيها؛ فان المجتمع الدولي يرى بأم عينيه أن الحياة طبيعية في إيران، كما أن مواقف قادة إيران ازدادت قوة وتحديا ضد الولايات المتحدة، أضف إلى ذلك أن الإيرانيين عبّروا في المسيرات المليونية بالذكرى السنوية لانتصار الثورة الإسلامية عن وقوفهم إلى جانب نظامهم وحكومتهم.
لا أدري ما هو السبب الرئيسي في عدم توصل ترامب وكيم إلى اتفاق في قمة هانوي ولكن لا يراودني أدنى شك أن أحد الأسباب الرئيسية وراء فشل القمة في تحقيق نتائج مثمرة هو أن كيم لا يثق بترامب، فلو كان لديه أدنى ثقة لقام بتفكيك برنامجه النووي بالكامل مقابل الوعد الذي قدمه ترامب له بإلغاء العقوبات، بل أن شكوك كيم تعززت وتزايدت تجاه ترامب عندما رفض مقترح التخلي بالكامل عن المفاعل النووي في يون بيونغ مقابل إلغاء العقوبات.
إلغاء ترامب للاتفاق النووي بيّن للعالم أن هذا الرجل لا يمكن المراهنة عليه، وربما هذا السبب الرئيسي الذي دعا كيم إلى عدم التخلي عن أسلحته النووية، بل أن أية حكومة في العالم لن تجرأ على التوصل إلى اتفاق مع إدارة ترامب لأنه إذا لم يحترم اتفاقا (النووي مع إيران) وقعت عليه أعظم الدول في العالم وصادقت عليه الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي فمالذي يمنع ترامب من إلغاء أي اتفاق آخر وقع عليه؟
من هنا فإن فشل قمة هانوي عزز ثقة القادة الإيرانيين بأنفسهم وأمام شعبهم والمجتمع الدولي وثقتهم أيضا بالسياسات التي ينتهجوها، ومع أن صلابة مواقف المسؤولين الإيرانيين وخاصة موقف قائد الثورة لم تتراجع منذ مجيء ترامب للسلطة وحتى الآن إلا أن قمة هانوي ستزيد من هذه الصلابة، وعلى الأرجح فان طلب ترامب بإجراء مفاوضات مع طهران لن تجد أذنا صاغية لدى المسؤولين الإيرانيين كما كانت من قبل.
في مقابل سياسة الضغط والعقوبات الترامبية فإن إيران لن تقف مكتوفة الأيدي بل أن طهران بدأت تحركها على كافة الأصعدة منذ الانسحاب الأميركي من الاتفاق من أجل إرغام ترامب على إعادة النظر في سياسته والتراجع عنها، كما أنه من المتوقع أن تقوم بيونغ يانغ بتحركات لتحقيق ذات الغرض.
وبما أن الوضع لا يمكن أن يستمر إلى الأبد بهذا الشكل فإن التحركات الإيرانية والكورية الشمالية لو أثمرت عن نتائج كبيرة تتسبب بالإحراج لترامب، فلن يبقى أمامه سوى خيارين، إما أن يلجأ للمواجهة عسكرية سواء مع إيران أو كوريا الشمالية، أو أن يتراجع عن العقوبات التي فرضها.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/03/01