احياء ذكرى 4 مارس .. بطولة ووفاء
علي آل غراش
الشعب الحي هو الذي يفتخر بالأحرار والشرفاء والأبطال الذين يضحون لأجل العدالة الاجتماعية والدفاع عن المظلومين والمطالبة بالحقوق المدنية والسياسية للمساهمة في بناء وطن حضاري يمثل جميع المواطنين. والشعب الوفي هو الذي يحرص على إحياء المناسبات المهمة والمؤثرة في المجتمع والأمة، ومن تلك المناسبات التي تستحق الاحياء والافتخار والاهتمام هي ذكرى مظاهرات واحتجاجات 4 مارس في الاحساء، التي تمثل انطلاقة لكسر قيود الخوف والصمت ولتبقى نبراسا للمطالبة بالحقوق للاجيال. إن الافتخار والتضامن مع كل من شارك في تلك التظاهرات الحضارية السلمية ومن تعرض للاعتقال والأذى ولكل من قام بتغطية ورصد الحدث التاريخي 4 مارس دليل على الوفاء من أهل الوفاء.
تمر الذكرى السنة الثامنة للحدث التاريخي البطولي 4 مارس الذي شهدته مدينة الهفوف العاصمة الإدارية لمنطقة الأحساء. ففي مثل هذا اليوم 4 مارس 2011 وفي ظل التهديد والوعيد والترهيب الحكومي من خروج أي مظاهرات في أي مكان في المملكة، والخوف الشديد لدى معظم الشعب من التظاهر، استطاع أهالي الأحساء بتوجيه ضربة مفاجئة للجميع وصادمة للحكومة، عبر خروج المئات من الشباب وكبار السن والأطفال والمشاركة في التظاهرات والاحتجاجات القوية من أجل العدالة والحرية والتغيير والإصلاح، والدفاع عن المعتقلين منهم الرمز الحر #الشيخ_توفيق_العامر الذي كان القدوة والقائد المضحي الذي كان معتقلا في سجون السلطة حينها بسبب التعبير عن الرأي.
نزل شباب الأحساء الأبطال إلى الشوارع ليحطموا أجواء الخوف والترهيب نتيجة التهديد والتحذير لأي حراك وتظاهر من قبل السلطة الحاكمة في عموم المملكة، فأنطلقت المظاهرات من عند مسجد أئمة البقيع بشرق #الهفوف إلى مبنى إمارة #الأحساء التاريخية بسلمية وكان الهدف إيصال الصوت إلى أعلى سلطة في الدولة عبر حاكم الأحساء، فعلت الأصوات وارتفعت قبضات الأيدي إلى عنان السماء بترديد شعارات وطنية: الشعب يريد الإصلاح، الشعب يريد التغيير، الشعب يريد الإفراج عن الشيخ توفيق، الشعب يريد حقه، الشعب يريد وظائف، لا للطائفية ..، وعند مبنى إمارة الأحساء كانت هناك الرسالة الأقوى الموجه إلى الحاكم المحافظ مباشرة وهو أمير من العائلة الحاكمة ال سعود، بترديد شعار: “أرحل يا بدر، أرحل يا بدر” بدون اسم أمير، انها رسالة مباشرة وشفافة تمثل إرادة الأمة الغاضبة المستعدة لتقديم التضحيات، أمة تقف موقف واحد أمام باب الإمارة والناس تطالب الأمير بالرحيل.
إنه موقف بطولي عظيم ولحظات لا تنسى، ولهذا لابد من الاحتفاء بهذا اليوم، لتقديم الشكر والتعريف بالابطال الذين ساهموا في إقامة هذه الاحتجاجات ولكل من شارك ولكل من تعرض للاعتقال والتعذيب، والتضامن مع من لا يزال معتقلا سنوات طويلة لغاية اليوم، ليكون هذا الحدث التاريخي شعلة لكل من يريد أن يسلك طريق المطالبة بالحقوق والإصلاح والتغيير وعدم السكوت عن الظلم والإستبداد والفساد، وكي تشعر الأجيال بالفخر والإعتزاز بما قدمه المشاركون في تلك التظاهرات والاحتجاجات.
تلك المظاهرة الكبيرة التي انطلقت من شرق الهفوف إلى وسط وسط مدينة الهفوف والجماهير تردد الشعارات الحقوقية والسياسية ومع مرور الوقت يزداد عدد المشاركين حيث بلغ عدد المشاركين بالآلاف في النهاية، ويزداد الحماس وترتفع الاصوات اكثر، والأكثر تميزا في هذه الاحتجاجات المحافظة على النظام والسلمية مما ساهم في استمرارها بالذهاب والعودة إلى مكان الانطلاق مسجد أئمة البقيع وتستمر ساعات. واتسعت رقعة المظاهرات حيث شهد مدينة العمران بالاحساء مظاهرات في يوم 11 مارس. إنها تمثل رسالة غضب واحتقان شعبي ضد الحكومة وان الناس على استعداد للتضحية للحصول على العدالة وتحقيق الاصلاح الشامل، وقد تلقت الحكومة الرسالة الصادمة مما جعلها غير قادرة على كيفية التعامل مع الحدث الكبير.
ونتيجة التظاهرات والاحتجاجات الواسعة وخوف السلطة من إتساع الغضب الشعبي في ظل وحدة ولحمة الشارع، قامت سلطات الرياض بالإفراج عن #الشيخ_توفيق_العامر ، وتحقيق بعض المطالب البسيطة والصغيرة بشكل مؤقت، لتهدئة الجماهير الغاضبة فقط، ولكنها بعد فترة قصيرة قامت بتوجيه الضربات ضد النشطاء والمتظاهرين والمحتجين عبر الاختطاف والاعتقال التعسفي للعديد من الشباب والشيوخ والأطفال ففي يوم 11 في العمران وغيرها بالأحساء، حيث أستخدمت السلطة في 11 مارس قبضتها الأمنية القمعية بمشاركة قوات خاصة وطائرات الهليكوبتر.
وهذا ما حدث للأسف الشديد حيث عادت السلطة باختطاف الشيخ العامر من الطريق العام - ومازال لغاية اليوم خلف قضبان السجون -، وتم إعتقال المئات من الشباب وتعذيبهم والبعض لا يزال في السجون لغاية اليوم، كما انها قامت باعتقال كل من دعم حراك 4 مارس اعلاميا كمجموعة شباب 4 مارس على صفحة الفيسبوك وعددهم 7 بالاضافة لمجموعة من الأحداث ولم تتوقف السلطة عند هذا الحد بل قامت في 21 مارس 2016 باعتقال العالم والفقيه والباحث الكبير الشجاع آية الله سماحة #الشيخ_حسين_الراضي باختطافه من الطريق العام في مدينة #العمران بنفس الطريقة التي اعتقل بها الرمز الشيخ العامر، بسبب مواقفه الوطنية والإنسانية والدينية بقول كلمة حق، وعدم السكوت عن الظلم والفساد في الوطن، ومطالبته بالإصلاح ورفض الفساد والإستبداد والقتل الجائر كإعدام الابرياء ومنهم #الشهيد_الشيخ_النمر ورفض الحرب العبثية على اليمن، ومايزال سماحة الشيخ الراضي معتقلا منذ نحو عام بلا تهمة فهو لم يعتد على أحد. بل اعتقاله يمثل رسالة تصعيد وترهيب واستهتار بالشخصيات والرموز من قبل سلطة الرياض التي لم تحترم مكانته العلمية والدينية والاجتماعية والسن.
وقد قامت سلطات الرياض بحملات اعتقال واسعة ضد الكفاءات الوطنية وقد اطلقت الحكومة على المجموعة خلية التجسس لتبرير اعتقالها التعسفي فنحو 20 معتقلا من الاحساء، وفي المجموعة الثانية نحو 7 من الاحساء. الأحساء ما زالت تقدم التضحيات اسوة بالمناطق الاخرى لتحقيق الإصلاح الشامل ومحاربة الفساد وتشييد وطن حر لكافة المواطنين، رغم التحديات والبطش الحكومي حيث يوجد الآلاف من المعتقلين والمعتقلات بسبب التعبير عن الرأي، وتعرض عدد منهم للتعذيب الوحشي، وانتهاك الأعراض والتحرش بالمعتقلات، بالإضافة إلى هناك من أضطر للعيش في الخارج من الرجال والنساء.
ذكرى مظاهرات 4 مارس محطة تاريخية مهمة جدا وبالخصوص لأهالي الأحساء وسيكون لها آثارا في المستقبل، فهي تستحق التأمل والدراسات والاستفادة منها للقيام بأفضل من ذلك، فهي تجربة مهمة جدا قد أظهرت مدى شجاعة وبطولة الشباب والاستعداد للتضحية والعطاء في ظل وجود قيادات مخلصة متصدية ومضحية تتقدم في الساحات والميادين في التظاهر والاحتجاج كالرمز والداعية الحقوقي الشيخ توفيق العامر، وفي مسؤولية قول الحق والتضامن مع الشرفاء كموقف الشيخ حسين الراضي، بالإضافة لمواقف الشباب منهم المعتقل فاضل السليمان وغيرهم.
إنها تجربة تستحق الدراسة والبحث وتقييم تجربة التواصل مع السلطة السلطة التي خدعت الشعب بالوعود وما زالت لغاية اليوم بينما تقوم باعتقال الرموز والنشطاء وزرع الخوف عند الشعب. كما أنها تجربة تفضح وتعري كل من يتواصل مع السلطة من الوجهاء والشخصيات التي ساهمت بشكل سلبي وبقتل روح التضحية والمطالبة والتظاهر عبر زرع الخوف بمبررات تخدم الحكومة فقط ضد مصلحة الشعب.
إن احياء ذكرى 4 مارس مناسبة لاحياء القلوب والضمائر المحبة للحق والعدالة، والعاشقة للحرية والكرامة، والسير على منهج العطاء والتضحية والاباء والثورة ضد الاستبداد والفساد ونصرة الأبطال، كما ان #ذكرى_4_مارس فرصة للأهالي الأحساء والوطن والشرفاء في العالم لإعلان التضامن مع أبناء الاحساء الأبطال الأحرار كالعالم الباحث آية الله الشيخ حسين الراضي، ومع الداعية البطل الشجاع سماحة الشيخ توفيق العامر ومع شباب الاحساء المعتقلين ومع كل معتقل حر شريف، وتقديم التحية لكافة الشباب الذين شاركوا في المظاهرات ولمن تعرض للاعتقال والتعذيب ليشعروا بالعز والفخر وتقدير المجتمع لتضحياتهم، ومن المهم جدا التضامن مع أهالي المعتقلين الذين تحملوا أقسى المعاناة، فالوقوف بجانبهم حتما سيخفف حجم المعاناة والحزن بل على العكس سيشعرون بالفخر والاعتزاز انهم يستحقون الكثير من قبل أفراد المجتمع الوفي.
من باب الوفاء الحرص على التضامن الشباب الذين مازالو لغاية اليوم في سجون الاعتقال بسبب التظاهر أو دعم التظاهر والمطالبة بالإفراج عنهم كالداعية الحر الشيخ توفيق العامر والشيخ حسين الراضي ومجموعة الكفاءات الوطنية وعن بقية المعتقلين والمعتقلات الذين قدموا وضحوا لتسود العدالة في الوطن، انهم يستحقون التكريم والتقدير من قبل المجتمع، واستحضار دورهم البطولي والافتخار به.
نتقدم بالشكر للأبطال الشرفاء الأحرار في سجون الاعتقال، وتحية للشعب الحي الذي يفتخر ويتشرف بدور هولاء الأبطال، وتحية لعوائل الشهداء الذين سقطوا بسبب التعبير عن الرأي والمطالبة بالحقوق الوطنية بسلمية، كالشهيد الشيخ النمر والشباب الشهداء، رحم الله الشهداء الأبرار. الحرية لكافة معتقلي الرأي في العالم والوطن والأحساء ومنهم الرمز الداعية الحقوقي ليث هجر البطل الشيخ توفيق العامر، والفقيه الشجاع سماحة الشيخ حسين الراضي، وشباب حراك وتظاهرات 4 مارس و11 مارس وكل يوم وكل منطقة.
احداث 4 مارس بطولة وقد سجلها التاريخ بحروف من الذهب. ومن باب الوفاء من اهل الاحساء الشرفاء الاعتزاز بذكرى 4 مارس التي ستشكل منعطفا تاريخيا والتي سيكون لها تداعيات على المستقبل السياسي للمنطقة.. فالتضحيات لأجل الحق والعدالة والحرية والدفاع عن المظلومين لها ثمن، وحتما التعرض للاعتقال التعسفي وسفك دماء الأبرياء وسقوط شهداء في سبيل الحق .. ستساهم في تحقيق العدالة والانتقام من المستبدين والمفسدين والقتلة.
لصالح مدونة الكاتب "علي ال غراش"
أضيف بتاريخ :2019/03/05