لماذا يذكرنا اتفاق بوتين نتنياهو على إخراج القوات الإيرانية من سوريا عشية معركة أدلب باتفاق مماثل سبق تحرير الجنوب السوري؟!
محمد النوباني
بداية لا بد من تأكيد المؤكد وهو أن هنالك نفوذا قويا للصهاينة في روسيا في شتى ميادين الحياة، بأستثناء المؤسسة العسكرية ، وهذا النفوذ ليس وليد اليوم وإنما هو موجود منذ أيام الاتحاد السوفياتي السابق وتمظهر في ثلاث محطات تاريخية مهمة أولها بتبدل الموقف السوفياتي من قرار تقسيم فلسطين ، من الرفض المطلق إلى القبول في العام ١٩٤٧ ،وثانيها في السماح بهجرة قرابة مليون يهودي إلى اسرائيل تحديدا منذ النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي وثالثها بمساهمتهم في تفكيك وانهيار تلك الامبراطورية من خلال بيريسترويكا جورباتشوف.
وقد تجلي ذلك النفود بأسطع صوره وإشكاله أيام حكم الرئيس الروسي بوريس يلتسين ولكنه ضعف بعض الشيئ منذ أن تولى الرئيس فلاديمير بوتين مقاليد السلطة حيث قام بحمله قوية لاضعاف نفوذهم تحديدا بعد أن حاولوا استخدام قوتهم الاقتصادية لعرقلة نهوض روسيا ومنعها من ألعودة إلى مصافي الدول العظمى مجددا.
وبحكم خبرتي بالشؤون الروسية فقد كنت وما زلت على قناعة راسخة بأن العملية التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأعادة بناء وهيكلة الأقتصاد الروسي وبموازاة ذلك لانهاء حالة انعدام التوازن في الوضع الدولي التي نجمت عن انهيار الاتحاد السوفياتي لم تكن لتحقق كل هذه النجاحات الباهرة لو انها لم تكن مقترنة باضعاف النفوذ الصهيوني على مفاصل الاقتصاد والسياسة الروسيتين.
وبالقياس على ذلك يمكن القول أيضا بان قرار بوتين التدخل عسكريا في سوريا لمنع سقوط الدولة الوطنية السورية تحت سيطرة ألعصابات المسلحة الارهابية المدعومة من قبل إسرائيل وأمريكيا حظي بحالة عدم رضا من صهاينة روسيا لأنه الحق ضررا واضحا بمصالح إسرائيل في سوريا وتحديدا مخطط إقامة المنطقة الأمنية العازلة في جنوب سوريا وأعاد إلى الواجهة موضوع الاحتلال الإسرائيلي للجزء الذي تحتله إسرائيل من هضبة الجولان السورية المحتلة.
ولا يستطيع أحد أن ينكر بأن بوتين أستطاع بدهاء وحكمة أن يستثمر علاقته مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمنع الأخير من استغلال فزاعة وجود قوات إيرانية على مقربة من الحدود مع الجولان المحتل للتدخل العسكري المباشر في الحرب السورية مما مكن الجيش العربي السوري وحلفائه من تحرير كل المنطقة الحدودية من درعا إلى القنيطرة والعودة إلى خط وقف إطلاق النار للعام ١٩٧٤ تحت سمع وبصر قوات الاحتلال الإسرائيلي. وقد كان تزويد روسيا لسوريا بمنظومات صواريخ اس-٣٠٠ بعد الغارة الجوية الإسرائيليةعلى اللاذقية وإسقاط طائرة ايل-٢٠ الروسية ومقتل افراد طاقمها لردع اسرائيل عن مواصلة أعتداءاتها الجوية على سوريا وتفعيل ثلاث منها على الأقل قرب دمشق مؤخرا ، دليلا قاطعا على أن روسيا لن تسمح لإسرائيل بتجاوز الخطوط الحمراء في سوريا. ويخطئ من يعتقد في هذا الإطار أن روسيا التي تدرك أكثر من غيرها أن تدخلها العسكري في سوريا قد أتاح لها العودة إلى الساحة الدولية قطبا عالميا قويا منافسا للولايات المتحدة الأمريكية ولإنهاء عالم القطب الواحد الأمريكي يمكن أن تعمل على طرد القوات الإيرانية من سوريا مقابل تخفيف الحصار الاقتصادي الأمريكي الفروض عليها أو من أجل سواد عيون نتنياهو الذاهب إلى السجن أو التقاعد.
وعليه فأن الاعتقاد يساورني بأن ما صرح به نتنياهو قبيل ألاجتماع الأسبوعي للحكومة الإسرائيلية أمس من أنه توصل خلال زيارته الأخيرة لموسكو لاتفاق مع بوتين على أخراج القوات الإيرانية من سوريا وتاكيد بوتين في نفس اليوم على تشكيل مجموعة اتصال دولية تكون إسرائيل عضوا فيها لاخراج كل القوات الأجنبية من سوريا بأستثناء القوات الروسية ما هو الأ مناورة من بوتين كالتي قام بها قبل تحرير الجنوب السوري عندما اتفق معه على إبعاد قوات إيران وحزب الله عن الحدود مع الجولان لمسافة ٨٠ كم لشراء صمت نتنياهو استعدادا لعملية عسكرية كبرى ستقوم بها سوريا والحلفاء لتحرير كامل محافظة ادلب وريف حماة من إرهابيي جبهة النصرة.
بمساعدة روسية طبعا بصرف النظر عن موافقة تركيا أو رفضها لأن اتفاق أضنة المبرم مع الحكومة السورية عام ١٩٩٨ من القرن الماضي وليس المراهنة على الأمريكيين وإقامة المنطقة العازلة لتحقيق أطماع تاريخية في الأرض السورية هو الذي يضمن لهم ذلك. فالسياسة هي مصالح ولا اعتقد أن من مصلحة روسيا التي تخوض صراعا ضاريا مع أمريكا لإعادة تشكيل العالم أن تضعف حليفتها إيران وتقوي حليفة واشنطن تل أبيب.
ومن يريد أن يذهب في تحليله لأبعد من ذلك فهو حر لأنه ما يحرث الأرض إلا عجولها كما يقول المأثور الشعبي الفلسطيني وقرار تحرير الجولان هو أولا وأخيرا يجب أن يكون قرارا لنا وروسيا لن تمنعنا من ذلك أن امتلكنا الإرادة والقرار السياسي والعسكري كما يقول الكاتب السياسي الفلسطيني زياد العزة.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/03/05