حين نعالج البطالة بالبطالة!!
محمد البلادي
• ندوات ودراسات وأبحاث كثيرة ناقشت مشكلة البطالة.. تلك المشكلة التي باتت تُشكِّل الهاجس الأكبر للمجتمعات العربية، خصوصًا بعد تزايد أضرارها على المستويات الاجتماعية والاقتصادية!..هذا أمر جيد بكل تأكيد؛ حتى وإن لم نُوفَّق حتى الآن في حلٍ جذري واضح.. لكن غير الجيّد يحدث حين نُحاول حل البطالة بالبطالة، فنهرب من النوع الظاهر منها، وأقصد به عجز الخريجين عن إيجاد عمل؛ إلى النوع المقنع الذي لا يقل خطورة ولا أذى عن النوع الأول، بل ربما كان أشد خطرًا وضررًا.
• البطالة المقنعة تعني تلك الوظائف التي تُقدِّم للشباب رواتب دون إنتاج حقيقي، من خلال وظائف (شبه وهمية)، ومشكلة هذا النوع من الوظائف الذي ينتشر في القطاعين العام والخاص، وإن كانت في الخاص أقل. أنه لا يقدم -كما قلنا- قيمة فعلية للاقتصاد الوطني، ولا يضيف للناتج الإجمالي للدولة شيئًا ذا بال، مجرَّد تكدُّس وظيفي غير منتج، ينشأ إما بسبب فساد ومحسوبية، أو بسبب مجاملات.. والأخطر أنه يُغالط صانع القرار حين يُعطيه أرقامًا مزيفة ومغلوطة تُقلِّل من حجم البطالة؛ وتُهوِّن من تأثيرها على الأرض.
• مع كامل الاحترام للأعزاء في وزارة العمل، إلا أن معظم الوظائف (الدنيا) وغير المقنعة التي تفرضها الوزارة على أصحاب العمل؛ وعلى الباحثين عنه، وتعلن عنها بين حينٍ وآخر، ولعل آخرها الإعلان عن 50 ألف وظيفة في المقاهي والمطاعم، تقع ضمن هذا النوع من وظائف البطالة المقنعة.. وتكفيك نظرة بسيطة لإحصائيات الباحثين عن عمل وشهاداتهم، كي تتأكد من بُعد المسافة بينهم؛ وبين ما تطرحه لهم الوزارة من وظائف لا تتناسب لا مع مؤهلاتهم ولا مع طموحاتهم، فضلًا عن أنها -وأعني هذه الوظائف- لا تمنحهم فرصة لإظهار ما يمتلكونه من معارف وقدرات ومهارات، وأن مَن يَقبلون بها من الشباب؛ إنما يفعلون ذلك تحت ضغط الحاجة فقط، دون اقتناع، كأن يقبل شاب حاصل على ماجستير المحاسبة، بالعمل (كاشير)، فقط لأنه لم يجد عملا يتناسب مع قدراته!.
• البطالة لا تعالج ببطالةٍ أخرى أيها السادة.. وعلينا جميعًا أن نُدرك أن الوظائف المتدنية وغير المقنعة لن تحل مشكلتنا مع التوظيف؛ بل هي استنزاف حقيقي لاقتصادنا، وتحايل خادع، يُزيِّف الواقع، ويُضلِّل صاحب القرار.. والكارثة الأكبر أنه يسرق أعمار الشباب الذين يكتشفون بعد سنوات من العمل (الوهمي) أنهم خارج خيارات الشركات والمؤسسات الحكومية، بعد أن تجاوزوا السن المطلوبة للتوظيف، دون خبرات حقيقية!
صحيفة المدينة
أضيف بتاريخ :2019/03/09