تطبيع أم تتبيع لصفقة البيع عام 1948
إياد موصللي
اشتدّت في الآونة الحالية الأحاديث عن التطبيع مع العدو الصهيوني وسقط البرقع عن وجوه الممالئين والمساومين والخونة… ما أشبه اليوم بالأمس..
السابقون باعوا فلسطين والورثة اللاحقون يريدون إتمام صكّ التطويب تحت عنوان التطبيع…
نريد أن نعود لقراءة التاريخ الماضي جيداً ونقارنه بما يجري اليوم في نفس المكان لنجد أننا نعيد مرحلة التآمر الأولى التي أدّت إلى بيع فلسطين… وانّ ما نشاهده اليوم هو استمرار للجريمة التي بدأ تنفيذها عام 1948 وما تمّ ارتكابه في ذلك الزمن لا زال مستمراً.. والتخاذل بدأ قبل ذلك التاريخ بكثير بدافع نشوء الفكرة الصهيونية ولا زال مستمراً إلى يومنا هذا…
لقد باعها أشراف مكة قبل أن يبيعها الأراذل الباقون من أعراب الحجاز وامتداداتهم وعن فترة ما سمّي الدفاع عن فلسطين يقول رئيس الجمهورية اللبنانية آنذاك بشارة الخوري في مذكراته ما يلي: لم نكن متفائلين لعلمنا أنّ الملك عبدالله ليس حراً في تصرّفه الحربي ولأنّ قيادة جيشه بيد غلوب باشا الانكليزي.. فهل بإمكان العرب أن يعتمدوا كلّ الاعتماد على ملك قيادة جيشه بيد انكليزي وليس في عمّان وجود إلا للملك ولقائده…
ويتابع سرد مذكراته فيقول: في ذلك الوقت لم نكن مطلعين على عدم استعداد الجيوش العربية من حيث العدة والتنظيم. وكذلك كنا نجهل قوات العصابات الصهيونية المنظمة وعدد الآليات ووفرة الذخائر لديها والمخطط الحربي الذي وضعته لاحتلال فلسطين بكاملها… هكذا حرفياً كتب رئيس جمهورية لبنان في مذكراته عن تلك الفترة…
الجيوش العربية لا ذنب لها فقد كبّلت بنوايا الحكام وتواطئهم.. وعن هذه الفترة يروي المقدم في الجيش الشامي محمد معروف في كتاب أيام عشتها صفحة 82/83 ما يلي:
في هذا الوقت كانت الجيوش العربية قد سيطرت على الموقف واحتلت الأجزاء المحدّدة للعرب بقرار التقسيم بل تجاوزتها كثيراً، فالجيش العراقي أصبح على بعد 12 كيلومتراً من تل أبيب!! والجيش الأردني احتلّ الضفة الغربية بكاملها. وواصل الجيش المصري تقدّمه حتى وصل جبهة الفالوجا، أما الجيش اللبناني فقد احتلّ مع قوات البادية السورية الجليل الغربي حتى الناصرة، وسيطر الجيش السوري على مشروع الحمة، وجنوب بحيرة طبريا ومنها قرية السمرا ومنطقة كعوش ومزرعة الخوري وتل العزيزيات غرب بانياس إلى الحدود اللبنانية بعرض 3 كم . يتابع المقدّم محمد معروف وصف هذه الفترة فيقول: قبل يوم واحد من توقيع الهدنة وصل القائد فوزي القاوقجي الى معسكر المالكية واخبرنا بأنّ الهدنة ستكون في اليوم التالي وطلب من قيادة قوى البادية احتلال قرية الهراوي، والنبي يوشع لتصبح الحولة بكاملها تحت سيطرة السوريين، رفض آمر القوة أحمد العظم تنفيذ الخطة إلا بأمر من القيادة …
ويتابع المقدم محمد معروف: «اقترحت إرسال برقية بالشيفرة إلى القيادة وبقينا ننتظر حتى الظهر ووصل جواب البرقيــة الذي يقول: لو طلب القاوقجي منكم رصاصة واحدة فلا تعطوه إياها . عجيب! استغربت الأمر فتجاهلت البرقية واتفقت مع أحمد العظم على تلبية رغبة القاوقجي فهو على حق وخطته كانت مدروسة ومتقنة، أعطيت الأوامر للرئيس ابراهيم الحسيني لاحتلال مزرعة الهراوي والنبي يوشع وسبق ذلك قصف مدفعي مركز ومكثف وتمّ احتلال الهراوي ولم يتمكّن الحسيني من احتلال النبي يوشع فقد حلّ الظلام».
ويضيف المقـدّم معروف: «إذا وقفنا أمام الوضع العسكري بعد دخول الجيوش العربية واستعرضنا خطتها الحربية فلا يمكن لعاقل أن يصدّق أبداً أن تكون النهايات بهذا الشكل المأساوي المميت.
وإذا تابعنا الموقف بعد ذلك بدقة توضحت الكثير من الصور وبانت النوايا وبطل السؤال كيف ضاعت فلسطين…
قال الملك عبدالله: وافقت اللجنة السياسية على الهدنة لأنها عالمة بأنها ستفوز إن شاء الله بحق العرب الكامل في فلسطين أنْ سلماً أو حرباً… أنّ اللجنة كانت حكيمة في قبول مبدأ عدم إطلاق النار طول المدة التي اقترحتها بريطانيا وهذا يثبت أنّ العرب هم اللذين أصبحوا قادرين على تنفيذ ما اعتزموه… من حق اللجنة السياسية ان تهنأ على قرارها هذا، وأعتقد أنّ العرب قد كسبوا المركز اللازم لهم في منظمة الأمم المتحدة وفي الرأي العام العالمي وأننا لمصمّمون على التمسك بالحق الكامل للعرب ». يـا سلام…!
وهكذا انتهت الهدنة الأولى.
وانتهت معها قضية فلسطين، وما زال الأعراب يمارسون نفس أدوار العمالة فبعد حرب لم يخوضوها أصبحوا سماسرة المفاوضات والتسويات وصكوك التمليك وتطويب فلسطين بشكل قانوني ونهائي لليهود، لقد صنع الاستعمار من هؤلاء المشايخ والأمراء حكام دول وهمية، ليكونوا يوماً ما صوته وسوطه وهذا هو دورهم يمارسونه بايمان وحماس، صدق القول الكريم: «والأعراب أشدُّ كفراً ونفاقاً».
وإذا قرأنا ما كتبه طه باشا الهاشمي رئيس وزراء العراق والقائد البارز في جبش الملك فيصل: «إنّ القوات العربية لم تحارب بالمعنى الصحيح حتى يُقال إنها خسرت المعركة. وإذا كانت النتيجة بعد القتال الذي جرى بين العرب واليهود أنّ هؤلاء نجحوا في تأسيس دولتهم فإنّ مردّ ذلك في نظري إلى أسباب سياسية وليس عسكرية. من المعلوم عندما تبدأ الحرب يترك القلم شأنه للسيف وبمعنى آخر تنتهي سياسة القول والكتابة وتبدأ سياسة السيف والمدفع وتصبح السياسة خاضعة للأغراض العسكرية».
بعد كلّ هذا نذكّر بما كتبه عبد القادر الحسيني قائد الجهاد في منطقة القدس إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية ويحمّله فيه المسؤولية عن هزيمة جنوده لعدم مدّهم بالعون والسلاح قال: «أنتم خائنون مجرمون سيسجل التاريخ أنكم أضعتم فلسطين. سأستردّ القسطل وسأموت أنا وجميع إخواني المجاهدين…» فعلاً هذا ما حصل…
بعد كلّ هذا الذي قرأناه عما جرى وأدّى إلى استيلاء الصهاينة على فلسطين وإقامة دولة لهم فيها، وإذا قرأنا ما يقوله الصهاينة عما سيفعلونه كما جاء في البروتوكول الأول نعرف تماماً ما يعني التطبيع:
«عقيدة هذا الشعب المختار أن يستطيع أن يفسد العالم ويعطله ويخرّبه ويقيم على أنقاضه ملكاً يهودياً داودياً ينفرد بحكم العالم بأسره وما الأمم والشعوب إلا حيوانات متخلفة العقل والذهن والفهم…»
سيأتي من نسلك ملوك يحكمون حيث تطأ قدم الإنسان إلى تلك أعط كلّ الأرض التي تحت السماء وسوف يحكمون كلّ الأمم حسب رغبتهم…»
في أيّ موقع نضع ما يجري اليوم وبعناوين الصفقة الكبرى… أوَليس ما جرى حتى الآن منذ عام 1948 وتصرفات الحكام والقادة هو صفقة صفعة… أوَليس ما نراه ونسمعه الآن هو تتمة لتلك الصفقة…
فماذا نصنّف موقف حاكم البحرين ودعوته وزير الاقتصاد «الإسرائيلي» لزيارة البحرين والحديث عن فتح سفارة «إسرائيلية» فيها…
ماذا نسمّي دعوة وزير «إسرائيلي» الحكام الخليجيين لتشكيل حلف عسكري…؟ ماذا نسمّي زيارة وزير «إسرائيلي» إلى المملكة المغربية في 12 أيار 2017 ونزوله ضيفاً على حكومتها.
ماذا نسمّي إعلان وزير «إسرائيلي» في 16 تشرين الثاني 2016 «نحن محظوظون بوجود السيسي رئيساً لمصر».
ماذا نفسّر مؤتمر وارسو وجلوس ما يسمّى بالملوك والقادة العرب على طاولة واحدة إلى جانب نتنياهو رئيس وزراء «إسرائيل» في وقت يقاطعون فيه الجمهورية السورية السيف والترس في محاربة «إسرائيل»! ويحاربون إيران وهي الحليف القوي ضدّ «إسرائيل»! هل يختلف ما يقوم به اليوم حكام السعودية وقطر والبحرين ومصر عما قام به من سبقهم من الحكام كعبدالله بن الحسين وفاروق مصر وفيصل وعبد الاله.
هل ما قام به الأعراب ضدّ الشام والعراق واليمن ويحاولونه مع إيران هو جزء من التطبيع ام التركيع؟
قال سعاده: «لم يتسلط اليهود على جنوبي بلادنا ويستولوا على مدن وقرى لنا إلا بفضل يهودنا الحقيرين في ماديتهم الحقيرين في عيشهم الذليليين في عظمة الباطل.
إنّ الصراع بيننا وبين اليهود لا يمكن أن يكون فقط في فلسطين بل في كلّ مكان حيث يوجد يهود قد باعوا هذا الوطن وهذه الأمة بفضة من اليهود.. إن مصيبتنا بيهودنا الداخليين أعظم من بلائنا باليهود الأجانب».
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/03/22