سوريا بيضة القبان في موازين القوى الإقليمية
الدكتور حسن مرهج
متغيرات كثيرة شهدها الشأن السوري في الأشهر الماضية، بدءً من تداعيات القرار الأمريكي الملغوم المتعلق بالانسحاب من سوريا، مرورا بالمناورات التركية في إدلب و شرق الفرات، و وصولا إلى قُرب إعلان ساعة الصفر التي سيُطلقها الجيش السوري لتحرير ادلب من الإرهاب، هي ملفات غاية في الدقة و الحساسية، و تتطلب تنسيقاً عال المستوى بين أركان محور المقاومة، حيث أن الاجتماع الذي عُقد في دمشق بين رؤساء جيوش سوريا و إيران و العراق، يأتي في سياقه الطبيعي لجهة التنسيق بين الجيوش الثلاث لجهة محاربة الإرهاب، بينما إذا تم وضع اللقاء في سياق التوقيت نجد أن غايته تتجاوز بروتكولات اللقاء و التصريحات الإعلامية التي جاءت عقب الاجتماع العسكري الصرف، حيث أن الملفات الساخنة تحتاج حضوراً قوياً و تنسيقاً دقيقاً، و بالتالي في تفاصيل المشهد هناك رسائل إلى محور واشنطن، تبدأ من طهران مرورا بدمشق و وصولا إلى بغداد، الأمر الذي سيكون له تداعيات كثير على مسار الأحداث خلال الفترة الماضية ليس في سوريا فحسب، بل تشمل كافة أطراف محور المقاومة.
الاجتماع في دمشق ليس بجديد، فقد سبقه العديد من الاجتماعات كانت تهدف إلى التنسيق العسكري و الاستخباراتي، و ليس بجديد أن تأتي تصريحات قادة الجيوش الثلاث حول الهدف الرئيسي المتمثل تطهير الجغرافية السورية من الإرهاب، و اجبار القوات غير الشرعية على مغادرة الجغرافية السورية، لكن الجديد أن التحولات المفصلية أرخت بظلالها على العواصم الثلاث، لذلك سيكون شكل هذا الاجتماع و ما سيعقبه خلال الفترة القادمة، بمثابة نقطة مفصلية تشهدها سوريا والمنطقة، سياسياً وعسكرياً واستراتيجياً، خاصة مع انتهاء المعركة مع داعش وسط تعتيم متعمد من قبل واشنطن و وكلاءهم الأكراد حول تفاصيل هذه المعركة و الصفقات التي مُررت من خلالها، و ما ستؤول اليه تداعيات تغييب داعش عن المشهد، مع بقاء القرار الأمريكي مدعاة للقلق في سوريا و إيران و العراق.
في واقع الحال، يبدو أن محور المقاومة و خاصة إيران و العراق، يدركون ماهية الخطط الأمريكية الرامية إلى اقصاء الدور المحوري لـ إيران و العراق من المنطقة، فضلا عن ابعاد إيران و العراق عن مياه البحر الأبيض المتوسط، و بهذا الهدف الاستراتيجي لـ واشنطن، لابد لأركان محور المقاومة مجابهة الخطط الأمريكية الرامية أصلا إلى تقسيم المنطقة، و بلورة مشهد إقليمي جديد، يتناسب و طموحات الإدارة الأمريكية، لذلك و ضمن ديناميكية السياسة، تحاول واشنطن الحد من تحركات إيران في المساحات المائية، و كذلك منع العراق من الربط و التشبيك مع سوريا و بالتالي إيران، فضلا عن المحاولات الأمريكية الرامية لمنع العراق من أن يكون له منفذ مائي، يُشكل تواصلا استراتيجياً مع دول المحور، من هنا يمكننا القول، بأن ما لخصه الاجتماع الثلاثي في دمشق، جاء وفق رؤية استراتيجية بعيدة لمحور المقاومة.
ضمن هذا المشهد الضبابي، يبدو أن واشنطن لا تزال تملك ورقة ستمكنها من العبث مجددا بمفاعيل الانتصار السوري، فضلا عن النوايا الأمريكية تُجاه إيران و العراق، هي نقاط لا يمكن اغفالها بالنظر إلى الجغرافية التي تربط دمشق بـ العراق و إيران، و بالتالي فالأمر الحتمي المتعلق بضرورة مواجهة الخطط الأمريكية لابد من تفعيل الجهود العسكرية و الأمنية لإحباط المخطط الأمريكي، فالهدف الذي يسعى محور المقاومة لتحقيقه يتمثل بالربط الجغرافي بين الدول و فتح الطرقات و تطهير الحدود السورية العراقية من البؤر الإرهابية، التي تعمل واشنطن على إعادة الحياة اليها، فالكل يعلم أن القضاء على داعش لا يعني إطلاقا أن المعركة ضد الإرهاب المدعوم أمريكيا قد انتهت، بل على العكس فهذا هو التوقيت المثالي لضرب بقايا الإرهاب الأمريكي في سوريا و العراق و محاولة تصديره إلى إيران، و بالتالي فإن الغاية الرئيسية من هذا الاجتماع قد بُلورت في دمشق، و الرسالة الأهم أن لا تراجع عم المنجزات التي تم تحقيقها في سوريا و العراق، و على الأمريكي و بيادقه فهم الرسالة العسكرية جيداً.
لا شك بأن التحديات التي تواجه سوريا و إيران و العراق لا يمكن اغفالها او التغاضي عنها، و لا بد من الربط الميداني و الجغرافي لكافة أطراف محور المقاومة، وتأمين الحدود العراقية السورية بالكامل، فضلا عن توجيه رسائل تحذيرية لـ واشنطن من خطورة المساس بوحدة الجغرافية، و عليه فإن رفع السقف المتعلق بالمواجهة لابد منه في هذا التوقيت، و بالتوازي مع الضغط السياسي بُغية إخراج القوات الأمريكية من سوريا و العراق، و الالتفاف على المناورات الأمريكية و التركية المتعلقة بالاستثمار في الإرهاب، لذلك جاء هذا الاجتماع و انطلاقا من دمشق، ليكون خارطة طريق سياسية و لكن بصبغة عسكرية واضحة، لعل واشنطن و تركيا تفهمان فحوى هذا الاجتماع.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/03/22