متى تنتهي القطيعة بين إيران والسعودية؟
صالح القزويني
تردد في وسائل الإعلام أن مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين جابري أنصاري التقى وزير الدولة لشؤون الخليج السعودي ثامر السبهان في العاصمة العراقية بغداد، ومع أن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية يعلق على كل شاردة وواردة، لكنه لم يعلق هذه المرة على الموضوع، ربما يعود السبب في ذلك إلى أن اللقاء لم يقع بتاتا، أو أن البروتوكول بين الرياض وطهران ينص على عدم الإعلان عنه حتى يثمر عن نتائج، أو أنه لم يثمر عن نتائج بتاتا، وبدأ اللقاء من الصفر ثم عاد إليه.
ومهما كانت الأسباب فلا ينبغي تعليق آمال كبيرة على مثل هذه اللقاءات حال وقوعها فكيف بها إذا لم تقع، لأن الخلاف السعودي – الإيراني أعمق من أن يحل بلقاءات عابرة، وإذا كان ملوك ومسؤولو السعودية السابقين يبدون نوعا من المرونة والبراغماتية تجاه إيران فلا يبدو أن الملك سلمان بن عبد العزيز والمسؤولين الحاليين وفي مقدمتهم ولي عهده محمد بن سلمان ينتهجون نهج أسلافهم.
الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها طهران من أي تقارب أو تسويات مع الرياض مرحلية ومؤقتة، وهذه هي نقطة الخلاف الرئيسية بين البلدين فالسعودية تدعو إلى تصفير كل المشاكل مع إيران، ومثل هذا الهدف لن يتحقق بين دولتين تتطابق وجهات نظرهما في معظم القضايا فما بالك بين السعودية وإيران اللتان تختلفان في معظم القضايا والملفات؟
لذلك فإن إيران تدعو إلى تسويات مؤقتة وأهداف مرحلية لعلها تنتهي إلى الاتفاق الشامل والكامل، وفي هذا الإطار يمكن تفسير الدعوات التي اطلقها الرئيس الإيراني حسن روحاني أو وزير الخارجية محمد جواد ظريف باستعداد طهران للتفاوض والحوار مع السعودية.
فإيران تسعى في الوقت الراهن إلى نزع فتيل التوتر بينها وبين السعودية لما ينعكس بشكل ايجابي ومباشر على الكثير من المشاكل والأزمات في المنطقة، وفي نفس الوقت فإن ترطيب الاجواء مع الرياض يسحب ذريعة الولايات المتحدة وبعض القوى الدولية التي تتهم إيران بتهديد أمن واستقرار المنطقة والتدخل في شؤون دولها، ما يبرر ضغوطها وحظرها على إيران، أضف إلى ذلك فإن التقارب مع السعودية ربما يؤدي إلى تخفيف الحظر على إيران أي أن تكون الرياض إحدى منافذ الالتفاف على الحظر الأميركي.
تعتقد الرياض (شأنها شأن واشنطن وتل أبيب) امكانية تصفير كل المشاكل مع طهران عبر ممارسة جميع الضغوط والحظر الشامل عليها، وبالتالي فإن مثل هذه الضغوط والعقوبات لا يمكن أن تتحقق مع وجود علاقات حتى لو كانت باردة لذلك بادرت إلى قطع علاقاتها مع طهران، وبعض الايرانيين يعتقدون أن الهجوم على السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد واحراقهما (احتجاجا على اعدام الشيخ نمر النمر) كانت مجرد ذريعة لتحقيق الهدف الرئيسي وهو القطيعة الكاملة مع إيران، بل أن مسؤولا ايرانيا ألمح إلى وجود ايادي خفية وراء حرق السفارة والقنصلية واقتحامهما مشيرا إلى أن السفارة السعودية أقدمت على خطوات تشير إلى أنها ستقطع علاقاتها مع إيران من بينها بيع بعض سيارات السفارة.
على صعيد آخر فإن السعودية واسرائيل كانتا من أوائل الداعمين لخطوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالغاء الاتفاق النووي واعادة الحظر على إيران، فهل من المعقول أن توافق الرياض على خرق الحظر وايجاد متنفس لإيران ومساعدتها في تجاوزه.
ما تريده الرياض من طهران وترى أنه يصفر مشاكها معها يتلخص بجملة واحدة (عدم الاعتراض بل وحتى التعليق على كل ما تفعله السعودية في المنطقة والعالم) وهذا بالتحديد مراد المسؤولين السعوديين من قولهم أن إيران لم تتحول من ثورة إلى دولة، وفي المقابل فإن طهران تصر على أنها لن تتخلى عن مبادئ الثورة.
لدى إيران مبادئ وخطوط حمراء تعتبرها العناصر الرئيسية في قوتها وبالتالي لن تتفاوض بشأنها مطلقا، ومن يريد الاتفاق وإرساء علاقات وطيدة وتعاون مشترك معها عليه التفاوض في قضايا لاتندرج في اطار خطوطها الحمراء، ومن المؤكد أنها ستتوصل إلى نتائج مثمرة معها لأنها تبدي مرونة عالية في ذلك.
بإمكان السعودية والولايات المتحدة الاميركية تصفير مشاكلهما مع إيران لو تخلتا عن اصرارهما بضرورة أن تتخلى طهران عن مبادئها، خاصة وأن جانبا كبيرا من مبادئ إيران تتعلق باسرائيل وموقف وسياسة طهران منها، أي أن الموضوع لا يتعلق بالعلاقات الثنائية بين البلدين وانما بطرف ثالث وهو إسرائيل.
اصرار الولايات المتحدة على تخلي إيران عن مبادئها تجاه إسرائيل واضح ومفهوم ولكن غير المفهوم هو اصرار السعودية على ذلك.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/03/26