إيران تلتف على الحظر الأميركي بتطوير علاقاتها مع جيرانها
صالح القزويني
قادة إيران ومن بينهم الرئيس روحاني يعلنون بصراحة أن البلاد ستلتف على الحظر الذي فرضته الولايات المتحدة عليها، مما يعني أنها تقوم بكل إجراء لا يتعارض مع القوانين الدولية لاستيراد أية بضاعة تريدها وفي نفس الوقت تصدير بضائعها وسلعها وفي مقدمتها النفط والحصول على عائدات هذه السلع.
من جانبها فإن واشنطن تبذل ما في وسعها لخفض الصادرات الإيرانية وخاصة النفط إلى الصفر، غير أن خياراتها محدودة جدا في هذا الإطار، إذ ليس بوسعها التصدي للسلع التي تصدرها إيران عبر منافذها البرية إلى دول الجوار، كما أن التصدي للبضائع التي تصدرها ايران عبر الجو أو البحر محفوف بالمخاطر، خاصة إذا علمنا أن القوات البحرية الإيرانية ترافق السفن من لحظة خروجها من المياه الإيرانية وحتى وصولها إلى البلدان المستوردة، وكان وزير الدفاع الإيراني صريحا في تهديده لإسرائيل التي أعلنت الشهر الماضي أنها رصدت سفنا تلتف على الحظر الأميركي وتنقل النفط الإيراني.
لا شك أن الولايات المتحدة الأميركية إذا قررت منع إيران من تصدير نفطها بالكامل مهما كلف الأمر فليس أمامها إلا إرسال أساطيلها للقيام بذلك، غير أن مثل هذا القرار ينطوي على احتمال اندلاع الحرب، وليس من الواضح أن واشنطن مستعدة لذلك.
أسهل خيارات واشنطن في منع إيران من تصدير نفطها وبضائعها، هي الضغط على الدول وإرغامها على وقف تعاونها مع إيران، وقد قام وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو بتشكيل “مجموعة عمل حول إيران” يترأسها برايان هوك، ومهمته الرئيسية هي رصد أي خرق إيراني للحظر الأميركي، والتنقل بين البلدان للطلب منها أو حثها أو تهديدها (حسب ثقل ومكانة كل دولة) من استمرار تعاونها مع إيران.
ومع أن هوك ورئيسه بومبيو طالما أعلنا أن الحظر ضيّق الخناق على إيران، إلا أنهما يدركان جيدا أن المهمة ليست سهلة وإنما شاقة للغاية، خاصة مع الدول المجاورة لإيران فضلا عن بعض القوى العالمية كالاتحاد الأوروبي الذي أعلن عن اطلاق آلية التبادل التجاري مع إيران.
إيران التي أعلنت بكل صراحة وعلى لسان قادتها بأنها لن تلتزم بالحظر الأميركي بدأت بالتحرك في هذا الاطار، وقال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أمس الأحد انه التقى أمس الأول السبت بالرئيس روحاني الذي دعاه إلى ضرورة العمل على افشال الحظر عن إيران واقامة علاقات “خاصة” مع دول الجوار وشركاءها الاساسيين.
لذا فمن المتوقع أن تنشط طهران في الأيام والأسابيع المقبلة في توطيد علاقاتها مع الدول المجاورة وخاصة العراق وتركيا وباكستان وروسيا واذربيجان وافغانستان وقطر وعمان والهند، وفيما يتعلق بالسعودية فمن المتوقع أن تشهد العلاقات نوعا من التطبيع، ليس حبا في ايران وانما بغضا للضغوط التي تمارسها بعض الدول ضد السعودية.
فالرياض تواجه في الوقت الراهن مأزق خاشقجي الذي تستخدمه بعض الدول كذريعة ضد السعودية لتغيير سياساتها تجاه الكثير من القضايا ومن بينها الحرب على اليمن، ومع أن ادارة ترامب تحاول تجاوز هذه القضية إلا أنها محرجة للغاية، لذلك ليس من المستبعد أن توجه رسائل مباشرة أو غير مباشرة لطهران، لإبعاد الضغوط عليها من أجل تغيير سياستها.
وفيما يتعلق بنجاح الإدارة الأميركية بفرض حصار مطبق على إيران تجدر الإشارة إلى ملاحظتين هامتين في هذا الصدد..
الأولى: أن مصلحة الكثير من الدول وخاصة الدول المجاورة برفض مقاطعة إيران، لأن الانصياع للاجراءات الأميركية يستدعي اللجوء إلى سياسة عدائية ضد إيران مما يعرض أمنها ومصالحها السياسية والاقتصادية للكثير من الأخطار.
بعض الدول لا تريد أن تبدو وكأنها أداة بيد الولايات المتحدة تحركها كيفما تشاء، وهناك دول تتجاهل الحظر الأميركي على إيران لأنها تتبنى سياسة رفض التفرد بالعالم والقطبية الاحادية في العالم.
وهناك دول مصالحها الاقتصادية تقتضي التمرد على الحظر الأميركي، فعلى سبيل المثال فإن تركيا والعراق لا يمكنهما الاستغناء عن الغاز الإيراني خاصة إذا عرضت طهران غازها ونفطها بأسعار مغرية، وقد أعلن رئيس البرلمان العراقي يوم أمس أن بلاده لن تتمكن الاستغناء عن الغاز الإيراني الذي يستخدم في تشغيل محطات الكهرباء قبل 3 سنوات.
كما أن بعض الدول كالامارات على سبيل المثال ترى في الحظر على ايران فرصة لتحقيق أرباح طائلة من اعادة تصدير البضائع إلى إيران، أو الأرباح الكبيرة التي تحصل عليها لتتحول إلى محطة لعبور السلع والبضائع الإيرانية بما فيها النفط.
الثانية: أن إدارة ترامب لا تريد فرض الحظر المطبق على ايران ومنعها بالكامل من تصدير نفطها على وجه الخصوص، لأنها تعلم أن السوق العالمية للنفط ستشهد توترا كبيرا سواء بانخفاض مستوى المعروض أو بردود فعل إيران، مما يؤدي إلى ارتفاع الاسعار الذي ترفضه الادارة الأميركية مطلقا.
طالما دعت الإدارة الأميركية السعودية والدول الفاعلة في السوق النفطية إلى مضاعفة انتاجها لمنع اسعار النفط من الارتفاع، وعلى الرغم من أن الرياض أعلنت استعدادها لذلك، لكنها خطت خطوات مغايرة تماما للطلب الاميركي من بين هذه الخطوات انها التزمت بحصتها في الأوبك، بل قامت بخفض إنتاجها من النفط، إذ ليس من مصلحة السعودية التي تخوض حربا في اليمن أن تنخفض الاسعار.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/04/02