عقوبات ترامب ونبش القبور.. إعادة تقييم
د. رائد المصري
بهدوء… يجب أن نكفّ عن حالة الغضب التي تصيب البعض جراء ما يجري من تطورات متسارعة على الساحة السورية بعدما تعقد التشابك الإقليمي على أرضها، وصار التكتيك الروسي ظاهراً في تدوير زوايا التباينات في المواقف والمصالح بعد أن ثبتت موسكو معادلاتها الاستراتيجية في المنطقة وأبعدت الأميركي عن التأثير. وهذا بدوره تطلب من بوتين مرونة مطاطية لم تعجب الرأي العام السوري والعربي في ما خصّ نبش قبر رفات الجندي الصهيوني وتسليمه لـ بنيامين نتنياهو. والاتهامات بتسليم رفات العميل كوهين رغم نفي موسكو للأمر، مضافٌ إليها حجم الضغوط الأميركية الاقتصادية والمالية على إيران وحضورها الذي صار وازناً في ساحات سورية التي تعاني أكثر من نقص المواد الغذائية ومواد الطاقة والخبز وغيرها. وهو ما جعل الشعب السوري أمام محكّ التجربة والصمود، وشكل كذلك البارومتر لقياس مدى التأثر والتأثير المتبادل بين كلّ من روسيا وإيران وتركيا وإنجازات الدولة السورية.
ومصير هذا الرهان أو التحالف الذي انتقل الى مرحلة متطوّرة باتت تتطلب تجسيراً أكبر في العلاقات، بعدما أصابتها هزالة المواقف الروسية الأخيرة وحسابات الرئيس بوتين الذي لا يريد للأميركي العودة لالتقاط مفاتيح أي حلّ من دون أن يكون مصحوباً بالحبو العربي والسعودي، خصوصاً وبالتدريج نحو سورية. وهذه سياسة النفس الطويل القائمة على المواءمة بين المصالح الملحة والضرورية التي باتت بعض الدول العربية بحاجة اليها من ناحية، وباتت «إسرائيل» بحاجة أكثر لإعادة رسم خطوط اشتباكات جديدة تطلبها كلّ مرة من موسكو عبر الغارات على سورية من ناحية ثانية، ومن ناحية ثالثة صار الإيراني بحاجة لتغيير هذا الستاتيكو المترافق مع العقوبات القاسية والتي منعته من مدّ اليد للدولة السورية بعد انتصارها على الإرهاب نفطاً وغازاً وغيره…
الصمت الروسي العلني على تداعيات نبش قبور رفات الجنود والعملاء الصهاينة في سورية لتسليمهم لتل أبيب وكذلك الصمت على الغارات الإسرائيلية المتكررة على سورية رغم تزويدها بصواريخ «أس 300»، هو صمتٌ مدروس وإنْ كان غير مبرّر، أعقبته مبادرة روسية بتقرّب السعودية من الفضاء السوري. صحيح، أنه تقارب تدريجي لكنه ربما يعطي سورية وشعبها ما لا يمكن أن تعطيه موسكو وطهران، ويكون بذلك قد مهّد الحاضنة العربية المطلوبة سياسياً على الأقلّ لدمشق، ويضع في الوقت نفسه الموقف التركي المراوغ أمام محكّ التنازلات في سورية وبقايا الفصائل الإرهابية في إدلب، التي تدّعي تركيا أنها ستنفّذ مقرّرات سوتشي، لكنها لم تفعل إلى الآن، وقد عطل معها الدور السعودي الذي تقدّمه دور أنقرة كثيراً وبأشواط وسبقه إلى فضاءات العرب وفلسطين، لكن من دون جدوى أو فائدة يمكن أن تصرف…
بالنسبة لموسكو ودمشق صارت عملية الضغط والتأثير المتبادل على كلّ القوى والأطراف الإقليمية مطلوبة وبشدة، خصوصاً بعد تراجع مشروع الإخوان المسلمين وحجمهم من مصر الى تونس وليبيا وتطورات السودان والحديث فيها عن ضرورة إعادة جزيرة سواكين التي أنجز فيها أردوغان قاعدته العسكرية، والدعم الكبير الذي لقيه المشير حفتر من قوىً عالمية ومنها ترامب. فكلّ هذه التطورات التي حصلت مؤخراً انعكست تراجعاً في النفوذ على سياسة تركيا التي أعطاها بوتين كلّ الحوافز ومدّها بعوامل القوة لتسهيل الحلّ في سورية، ورغم ذلك بقي التعنّت الأردوغاني بسبب الدور الكبير الذي انتفخ له مؤخراً بعدما ابتعد الدور السعودي نسبياً عن التأثير. وها هو اليوم يتجدّد ويتزخم دور الرياض مع موسكو من خلال الإشارات والتصريحات عن سورية وإعادة إعمارها والتشاركية معها، وهذا تطوّر هامّ أولاً على طريق فكّ الحصار والعقوبات عن دمشق ولو بنسب قليلة، وثانياً لجرّ التركي وحشره في زوايا إيجاد حلول باتت ضرورية للجميع، منها إعادة الانطلاقة السورية نحو شمال شرق الفرات لتجميع الإيرادات والثروات النفطية والغازية، كذلك نحو إدلب التي صار بقاء الإرهاب فيها مضرّاً بصحة أردوغان ومشروع الإخوان الذي اختلّ وبصبر موسكو ودمشق وطهران…
لا تستعجلوا إطلاق المواقف والتقييمات وإجراءات فحوص الدم، ففي منطقتنا مصالح ونفوذ للقوى الكبرى والوازنة، وليس أمامنا إلا الالتزام بالهدوء والصبر على الانتصارات حتى تتمّ ترجمتها بعيداً عن الحماقات والمزايدات، لأنّ الثمن كان غالياً في الدفاع عن الأرض ووحدة التراب وكامل السيادة…
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/04/23