من يضيق الخناق على من .. طهران أم واشنطن؟
صالح القزويني
من حق القارئ أن يسخر عندما يسمع من يقول، أن طهران تضيق الخناق على واشنطن، فأين طهران من واشنطن وما هي إمكانياتها وقدراتها لتضيق الخناق على واشنطن؟ ولا أعتقد أن من يقول أن طهران تضيق الخناق على واشنطن يحترم عقل المتلقي، غاية مافي الأمر أن المقال محاولة لمعرفة ما إذا كانت واشنطن حقا صادقة في قولها أنها نجحت في تضييق الخناق على طهران.
بالتأكيد أن الإدارة الأميركية صادقة في قولها أنها ضيقت الخناق على إيران إذا استدلت على رأيها بالأرقام والبيانات الرسمية سواء للدول أو المنظمات الدولية، فهذه الأرقام والبيانات تبين وبشكل لا يدعو للشك أن الدول التي كانت تستورد النفط الإيراني بدأت تخفض اعتمادها على النفط الإيراني بل أن بعض الدول توقفت بالكامل عن استيراد النفط الايراني.
غير أن الإدارة الأميركية واهمة إذا تصورت أن الدول تعلن بشكل رسمي عن طبيعة علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع إيران في الوقت الذي تهدد فيه واشنطن الجميع بعقوبات صارمة إذا استوردت النفط الإيراني، ولكن لو أردنا أن نتحدث بلغة المصالح البسيطة، فيا ترى ما اسم تلك الدولة المستعدة للتخلي عن سلعة استراتيجية إذا حصلت عليها باسعار مغرية؟
فلو افترضنا أن سعر برميل النفط في الأسواق العالمية بخمسين دولار وهناك دولة تريد بيعه بإقل من هذا السعر حتى ولو بدولار واحد فمن المؤكد أن هذه الدولة ستجد من يجازف ويشتري نفطها ليحقق ارباحا طائلة خاصة إذا اشترى كميات كبيرة منه.
كذلك الحال إذا أرادت طهران أن تشتري سلعة ما، فإن أي بائع سيسيل لعابه عندما يرى أن هناك من يريد شراء بضاعته بسعر أكبر من السعر الذي يعلنه.
ببساطة شديدة هذه إحدى الوسائل والأدوات التي يمكن لطهران أن تلجأ لها للالتفاف على العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة عليها، وهناك العديد من الخيارات المتاحة لإيران ولن تجد صعوبة في استخدامها لتجاوز التضييق الأميركي عليها.
إيران لا تكتفي باستخدام الخيارات المتاحة لها للالتفاف على العقوبات الأميركية وحسب وإنما تبذل مافي وسعها لايصال الادارة الأميركية إلى قناعة بضرورة التوقف عن ممارسة الضغوط عليها، فإلى جانب إعلانها بأنها لن تتجاوز خطوطها الحمراء المتعلقة ببرنامجها النووي وقدراتها الصاروخية وموقفها من إسرائيل وسياستها في المنطقة؛ فإنها تسعى إلى التضييق على الوجود العسكري والسياسي والاقتصادي الأميركي في العديد من البلدان.
لقد كان قائد الثورة الإسلامية آية الله السيد علي خامنئي صريحا في الدعوة إلى ضرورة إخراج القوات الأميركية من العراق خلال استقباله لرئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، ومما لاشك فيه أن المراد من هذه الدعوة الصريحة توجيه رسالة للأميركيين بأن طهران ماضية في العمل على إفشال المشاريع والمخططات الاميركية في المنطقة.
عندما يعلن وزير الأمن الإيراني بأن بلاده كشفت في العام الماضي 290 جاسوسا أميركيا في العديد من البلدان فهذا يعني انها قدمت معلومات لهذه الدول بوجود وتحركات هؤلاء الجواسيس، ويعني أيضا أن تحرك إيران ضد الولايات المتحدة لا يقتصر على مواجهة العقوبات والتخلص من آثارها بل هناك أكثر من بعد ومجال تتحرك إيران في إطاره.
عندما يعلن المرجع الديني آية الله السيد محمد تقي المدرسي الأسبوع الماضي من مدينة كربلاء المقدسة وسط العراق أنه رفض اصدار فتوى تجيز للقوات الاميركية احتلال العراق والبقاء فيه؛ بعد دعوة السيد خامنئي إلى ضرورة إخراج القوات الأميركية من العراق فإن ذلك ينبئ عن مؤشرات عديدة.
طالما انتقد المرجع المدرسي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة السياسة الأميركية في العراق والمنطقة ولكنني لم أعثر على تصريح له يعتبر (بطريقة مباشرة أو غير مباشرة) الوجود الأميركي في العراق غير شرعي، وهذا الموقف وكذلك مواقف بعض الأحزاب العراقية يشير إلى أن الولايات المتحدة ستعاني من العديد من المشاكل في العراق.
هذا ما يتعلق بالعراق، وأما فيما يتعلق بسورية فمن المؤكد أننا سنسمع في المستقبل القريب أنباء عن الضغوط التي تتعرض لها الإدارة الأميركية بشأن وجود قواتها في سورية، وزيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الأسبوع الماضي إلى سورية وتركيا أثمرت عن تفاهم بين طهران ودمشق وأنقرة بشأن إدلب و”قوات سوريا الديمقراطية” والقوات الأميركية.
وليس ببعيد عن العراق وسورية فإن الولايات المتحدة الأميركية تواجه تحديا جديدا بفشل مفاوضاتها مع حركة طالبان في أفغانستان، فعودة طالبان إلى الخيار العسكري يعني أن تحرك الناتو بشكل عام والتحرك الأميركي بشكل خاص لن يكون سهلا في أفغانستان.
مما لا ريب فيه أن جانبا من الضغط الأميركي على إيران يتعلق بالتزامات واشنطن تجاه تل أبيب، وكذلك مصير “صفقة القرن”، ومن المؤكد أن تضحية الولايات المتحدة بمصالحها من أجل إسرائيل له حدود، خاصة وأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب اشتهر عنه بأنه مستعد للتضحية بكل شيء إلا مصالحه.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/04/23