طهران وسلاح العقوبات الأمريكية
الدكتور حسن مرهج
تأتي السياسية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط و تحديدا إيران، بفصول جديدة تُنبئ بزيادة منسوب التوتر على المستويين الإقليمي و الدولي، حيث أن الإدارة الأمريكية باتت تستخدم سياسيات يُدرك الجميع بأنها ستؤدي في نهاية المطاف إلى حرب قد تأخذ المنطقة إلى نهايات غير متوقعة، حيث أعلن دونالد ترامب صراحة الحرب الاقتصادية على إيران، الأمر الذي دفع بالشيخ حسن روحاني إلى الرد مباشرة على قرارات ترامب بُجملة من الأهداف الداخلية و الخارجية، إضافة إلى تهديد مباشر بإغلاق مضيق هرمز، فـ ترامب وضع إيران و قوتها و تأثيرها الإقليمي و الدولي في قائمة أهدافه، معتمدا في ذلك على تفاصيل قديمة بدء من احتجاز موظفي السفارة الأميركية في طهران عام 1979 طوال 444 يوماً، إلى تفجير مقر قوات المارينز في بيروت العام 1983، و رغم ذلك، تبقى حماقات ترامب الاستراتيجية غامضة في كيفية توجيه سياستيه ضد إيران، لكن في مقابل ذلك، هناك توجهات إيرانية قد بدأت فعلا في كيفية مواجهة خطر العقوبات الاقتصادية، هذا الخطر الذي تُدركه طهران جيدا، الأمر الذي قد يرفع مستوى الخطر في الشرق الأوسط كاملا، خاصة أن دول الخليج تسير بمواكبة الخطوات الأمريكية، إضافة إلى أن روسيا باتت متخوفة من تداعيات السياسة الأمريكية في المنطقة، و لا ننسى إسرائيل التي تقف على قدم واحدة في انتظار ما ستؤول إليه التطورات.
حتى الآن يبدو أن إيران غير مستعدة للتنازل في الملف المتعلق بالاتفاق النووي، الموقف الإيراني نابع من تمسك الدول الأوروبية بالاتفاق، فضلا عن أن البرنامج الصاروخي لإيران، يؤرق واشنطن و تل أبيب، هذه المعطيات تؤكد بأن الأسلحة الاستراتيجية لإيران لا تقتصر على الجانب العسكري، بل الوقائع السياسية التي انتهجتها إيران في المنطقة، أخرجت واشنطن من دائرة أي تأثير سياسي أو عسكري، فالحضور الأميركي في المنطقة يتراجع و هذا بات واضحاً، نتيجة العديد من العوامل و التي لا يمكن الاعتماد عليها في توصيف التراجع الأمريكي في المنطقة، لكن يمكننا القول بأن نقل إدارة الرئيس باراك أوباما ثقل استراتيجيتها إلى الشرق الأقصى، أي بحر الصين والمحيط الهادىء عموماً لمواجهة النفوذ الصيني، و الانسحاب العسكري من العراق، ثم إبرام الاتفاق النووي مع طهران، ثم التردد في استخدام القوة ضد الرئيس السوري بشار الأسد بعد ما سُمي تجاوز الخطوط الحمراء التي رسمتها واشنطن, كلها عوامل يعتقد البعض أنها خففت من ثقل الولايات المتحدة وقدرتها على التأثير في المنطقة، لكن في حقائق الأمور يبدو واضحا أن قدرة محور إيران و الحليف الاستراتيجي لها روسيا، قوضت السياسية الأمريكية و ملفاتها في المنطقة، الأمر الذي أحدث خللا سريعا في العناوين العريضة للسياسة الأمريكية، و عليه باتت روسيا إلى جانب إيران، انطلاقا من نقطتين، الأولى منع واشنطن من التفرد بالاستحواذ على مسارات الشرق الأوسط، و الثانية إدراك روسيا بأن نجاح واشنطن في فرض سياستها على غيران و المنطقة سيؤدي بلا ريب إلى الانتقال لاحقا إلى حصار موسكو و سياستها الإقليمية و الدولية، كما أن روسيا في جانب أخر تدرك بأن إيران داعما أساسيا للسياسات الروسية المتوازنة و المعتدلة في المنقطة، و بصرف النظر عن العلاقة الروسية الإسرائيلية، لكن هناك قواسم مشتركة عديدة تؤسس لعلاقة إستراتيجية طويلة الأمد بين موسكو و طهران.
سلاح العقوبات الأمريكية ضد إيران لن ينجح إذا ما نظرنا إلى القدرة الإيرانية في تجاوز العقوبات الاقتصادية التي فُرضت عليها سابقاً، بدليل استمرار التفوق الإيراني في العديد من ملفات المنطقة، و استمرار التأثير الإيراني في الشؤون السورية و اليمنية و اللبنانية، و داخليا تستمر طهران بالعمل على تطوير ترسانتها العسكرية، فضلا عن العديد من الإنجازات في المجالات كافة، و الآن هناك معارضة روسية صينية لهذه العقوبات، و كذلك تركيا، الأمر الذي يتيح لطهران متنفسا يُبعدها عن خطر العقوبات الاقتصادية، و بالتالي هناك سعي إيراني لبناء منظومة اقتصادية مع الدول الثلاث، تكون في نتائجها سبباً في إنهاك واشنطن و سياساتها الاقتصادية في المنطقة، لتدور الدوائر على واشنطن، و يسقط ترامب في فخ أوهامه.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/04/27