وزارة العمل.. ورأس غليص!!
محمد البلادي
كنت قد قررت التوقف عن كتابة مقالات النقد خلال الشهر المبارك، والابتعاد عن مطاردة الهم اليومي للمواطن البسيط.. لكن (المقطع) المؤلم الذي صوّر اثنتين من بناتنا وهما تتعرضان لإهانة غير مقبولة من مديرهما الوافد، كان أقوى بكثير من قدرتي على الامتناع عن التعليق.. خصوصاً بعد تدخل وزارة العمل من خلال تغريدتها وبيانها (الشعبوي) الذي قالت فيه إنها عاقبت المؤسسة المخالفة، وطالبت بإبعاد الوافد، وكأنها جاءت (برأس غليص) أو أتت بما لم تستطعه الأوائل!.
يؤسفني جداً القول إن بيان الأعزاء في وزارة العمل هو بيان تخديري بامتياز، وأن هدفه هو امتصاص الغضبة الشعبية الكبيرة التي حدثت بعد تعرض مواطنتين لإهانة في بيئة عمل من المفترض أن لديها من القوانين والشرائع والأنظمة ما يكفل الاحترام لكل العاملين فيها؛ ويقدر آدميتهم.. والمزعج أن مصدِّري البيان الذين عالجوا حالة واحدة، وانتصروا لها بعد أن أصبحت قضية رأي عام، يعلمون تماماً أنها ليست الحالة الأولى ولا الأخيرة، فمثل هذه الانتهاكات تحدث بشكل شبه يومي لمعظم العاملين في القطاع الخاص.. بل إننا لا نبالغ إن قلنا انها أصبحت سمة رئيسية من سمات بيئات العمل الفقيرة وغير الإنسانية في القطاع الخاص، والتي تحدثنا عنها أكثر من مرة وقلنا إنها من أهم أسباب فشل برامج التوطين، ونفور الشباب من الإقبال على العمل في هذا القطاع المهم!.
قبل أيام رصد أحد الأصدقاء حالة مشابهة لشاب سعودي يعمل بائعاً في أحد محلات الملابس الرجالية تعرَّض أمامه لتوبيخ حاد يصل حد الشتم والإهانة والقذف من بائع وافد (يبدو أنه قريب لصاحب المحل المُتستر عليه). يضيف الصديق عندما سألته: لماذا لم ترد وتدافع عن نفسك خصوصاً أنك لم تخطئ ؟!، أجاب الشاب الذي يبدو أنه ذاق مرارة خذلان الوزارة: لابد من الصبر.. الأنظمة لا تحمينا من الفصل.. لقد تعوَّدنا على هذا الأمر.. فهؤلاء يريدون سبباً لقطع أرزاقنا وطردنا من العمل.. لابد من الصبر!. وفي بريدي حالة أخرى لشاب سعودي يقول إنه ترك العمل في إحدى الصيدليات الشهيرة نظراً لأن المسؤول كان يرفض توفير كرسي للجلوس طوال فترة العمل التي تمتد لساعات طويلة!.
تُشكر وزارة العمل على انتصارها للفتاتين.. لكنها يجب أن تعلم -إن لم تكن تعلم- أن هناك الكثير من الحالات المشابهة التي يكتفي أصحابها بالصبر والحسبلة والحوقلة، أو بالانسحاب الصامت بسبب خذلانها لهم وبسبب ضعف الرقابة والمتابعة، وبسبب بيئات العمل التي تفتقر لأدنى الحاجات الإنسانية. وللأمانة والإنصاف فإن ما يتعرض له بعض الإخوة الوافدين لا يقل بؤساً عمّا يتعرض له المواطنون، بل إنه في أحيان يكون أشد وأعظم.. ولعل في هذا تفسيراً لتفضيل بعض أصحاب الأعمال لغير السعوديين، نظراً لقدرتهم على تحمل الضغوط الجائرة التي يفرضونها عليهم، والتي قد تتجاوز في أحيان كثيرة كل الحدود الآدمية.. الأمر الذي يتطلب من الوزارة الموقرة -إن ارادت البطولة الحقيقية- العمل الجاد على تحسين بيئات العمل وتطويرها، وعلى ردم المستنقع وتطهيره بدلاً من إضاعة الوقت بمطاردة البعوض.
صحيفة المدينة
أضيف بتاريخ :2019/05/22