تداعيات أزمة حصار قطر على الشعب الخليجي
علي آل غراش
عامان مرا على حصار ومقاطعة دولة قطر من قبل السعودية والإمارات والبحرين بالإضافة إلى مصر، أزمة أسبابها مصالح سياسية واقتصادية وهيمنة، تحولت إلى حرب إعلامية شرسة استخدمت فيها كافة الأساليب القذرة لتصفية الحسابات، وأخطر ما فيها الزج بالشعب الخليجي في الأزمة وجعله حطبا لحرب لا ناقة ولا جمل له فيها. السلطات الحاكمة وصلت إلى درجة تهديد كل من لا يتبنى خطابها بالإساءة والاعتقال وقد تم تعرض عدد من الشخصيات المعروفة لهذا بسبب تغريدة أو لأنها رفضت الدخول في هذا المستنقع وطاعة خطاب الكراهية والتزمت الصمت.
هذه السياسة تؤكد على الحقد والكراهية والانتقام المبطن لدى الأنظمة التي انكشفت على حقيقتها أمام الشعوب، وستكون لها ردود أفعال على الشعب الخليجي.
من يتابع تاريخ الأزمة يرى انها اندلعت بشكل سريع ومتصاعد وملفت، وهذا يدل على وجود إعداد وتخطيط مسبق من قبل دول الحصار. البداية كانت بشن حملة قوية إعلامية تكرر مقطعا تلفزيونيا عبارة عن شريط إخباري لتصريحات ملفقة لأمير قطر، وفي ليلة واحدة انفجرت الأزمة كالبركان، وانقلب الحال وأصبحت دولة قطر الشقيقة عدوة وأصبح مواطنوها غير مرغوب فيهم في تلك الدول الأربع، بل وطلب منهم مغادرتها خلال ساعات، وتم قطع العلاقات وفرض حصار بري وبحري وجوي، ومنع الطيران القطري من عبور أجواء الدول المحاصرة إلى آخره من الإجراءات التي تكشف مدى الجاهزية والتخطيط المسبق لها.
شعب واحد لا يتجزأ
الشعب الخليجي مهمش ومغلوب على أمره لا يملك حق المشاركة في اتخاذ أي قرارات في بلاده صغيرة أو كبيرة، فجأة وجد نفسه وسط أزمة مفتعلة ولكنه لا يستطيع البوح والتعبير من شدة الخوف والترهيب. ووسط حملات إعلامية أشبه بإعلان حرب ضد قطر وشعبها، وتهديد واعتقال كل من يتعامل ويتعاطى مع قطر، والزج بمواطنيها في تلك الأزمة بتبني مواقفها وسياساتها بالإساءة والتخوين لقطر وشعبها الذين كانوا قبل ساعات جزءا من الشعب الخليجي كما يكرر الإعلام طوال العقود الماضية، تم ترحيل المواطنين القطريين من دول الحصار بطريقة منافية للقيم ولحقوق الإنسان وجرى استهداف كل ما يتعلق بحياتهم وبممتلكاتهم في دول الحصار مثل الأبل والمواشي وتعطيل مشاريعهم، ما ساهم في تكبد الشعب القطري خسائر فادحة.
شعوب دول الخليج هم ضحايا هذه الأزمة، وبما أن الشعب القطري جزء لا يتجزأ من الخليجي، فما حدث أضر بالجانبين، إذ فجأة طلب من كل خليجي من دول الحصار مغادرة قطر وإنهاء أعماله مباشرة، ولكن لغاية اليوم لا يزال بعض المواطنين من دول الخليج يعملون في قطر. شعب قطر الذي يستورد 90 في المئة من احتياجاته من دول الحصار أصبح في وضع لا يحسد عليه من ظلم الأشقاء الذين يسعون لتجويعه وخنقه، ولكن مشروعهم لم ينجح، فقد أوجدت الحكومة القطرية بدائل سريعة ومباشرة.
النهضة والإعمار
قطر هي شبه جزيرة، جزء لا يتجزأ من جغرافيا الجزيرة العربية مهما حاولت دول الحصار عزلها بإعلانها حفر قناة مائية على امتداد الحدود السعودية القطرية لفصلها، ولكن قطر متشبثة بجذور قوية باليابسة وأثبتت أن كينونتها وحضورها لا يمكن فصلهما عن محيطها العربي.
لقد شهدت دولة قطر نهضة عمرانية خلال السنوات القليلة الماضية، وأصبحت مع وجود البنى التحتية القوية من أحدث البلدان الخليجية، وبفضل ما تملكه من قوة اقتصادية هائلة بحيازتها أكبر حقل للغاز المسال في العالم، بالإضافة لقوتها الإعلامية تحولت لمحل جذب ومقصد للزوار وخاصة من أهل المنطقة الخليجية.
منفذ قطر البري الوحيد
ترتبط قطر مع العالم بمنفذ بري وحيد (أبو سمر) من جانبها و(سلوى) من الجانب السعودي، قد اهتمت قطر بالطريق البري الدولي المؤدي للمملكة، وشيدته بأحدث المواصفات العالمية وبمسارات متعددة، وهو يمثل نموذجا للحركة النهضوية والتطويرية التي تشهدها قطر فالمركز بشكله وتصميمه المستوحى من قلاع الخليج التراثية على الطراز القديم بالمواد الحديثة والمطلي باللون الأبيض، يعتبر من أحدث المراكز الحدودية في الخليج.
وبعد الحصار منع أهل قطر من الدخول إلى السعودية، وتعطلت مصالح الناس في المنطقة، وشهدت تجارة الإبل والمواشي تراجعا كبيرا، كما ان محطات الخدمات على الطريق السريع تأثرت، والأكثر تضررا هم أفراد قبيلة المري الكبيرة من خلال الزج بهم في الأزمة، حيث أجبرت السلطات السعودية مشايخ القبيلة على إصدار بيانات ضد قطر. ولعل من أكثر المناطق السعودية تأثرا من منع القطريين من دخولها هي الأحساء الملاصقة لقطر، حيث ان العلاقة بينهما قوية ومترسخة منذ مئات السنين قبل إنشاء الدول الحديثة، فهناك ارتباط عائلي كبير وتجمعهم وحدة الثقافة والتراث، ويعمل الكثير من أهل الأحساء في دولة قطر منذ عقود، وبعد الحصار تمسك معظمهم بعدم مغادرتها، كما توجد العديد من الاستثمارات القطرية في الإحساء الغنية،
ويملك عدد كبير من القطريين أراضي زراعية في الإحساء، كما ان القطريين يتسوقون في أسواق الاحساء التي تأثرت مثل بقية المجمعات التجارية بغيابهم.
من الخاسر؟
تستورد قطر 90 في المئة من احتياجاتها من دول الحصار التي كانت تستفيد بربح مئات المليارات من الريالات القطرية، وتوقف ذلك لمدة سنتين يعني خسارة كبيرة لتلك الشركات والمؤسسات. أزمة الحصار جعلت قطر تعتمد على نفسها، عبر انشاء مشاريع عملاقة في جميع المجالات، وايجاد البدائل بالاستيراد المباشر من دول كثيرة في العالم وأصبح ميناء حمد يستقبل نحو 140 ألف حاوية بالشهر. ورغم الحصار تمكنت قطر من اكمال بناء البنية التحتية والملاعب لتنظيم كأس العالم عام 2020 عبر استيراد ما تريد من دول كثيرة في العالم، بينما كانت قبل الازمة تحصل عليها من دول الحصار، شركات دول الحصار خسرت المليارات.
بعد عامين من أزمة الحصار، قطر لم تضعف بل أصبحت أقوى والخاسر دول الحصار، والأكثر خسارة من الأزمة هو الشعب الخليجي.
شعوب الخليج الواعية والمحبة للسلام والتعايش تتطلع لإنهاء أزمة حصار شعب قطر، والتي ستنتهي حتما، لأن الحصار والمقاطعة فشلتا. كما أن الشعب القطري لا يمكن فصله عن الشعب الخليجي الذي يترفع ويرفض الزج به في الخلافات السياسية بين الأنظمة التي تبحث عن مصالحها فقط، فمن مصلحة الشعوب أن تبقى يدا واحدة.
صحيفة القدس العربي
أضيف بتاريخ :2019/06/02