قمم مكة والتصعيد بوجه إيران… هل هى أرضية لورشة البحرين الاقتصادية “السلام من أجل الازدهار”؟
أحمد عبد الباسط الرجوب
الإدارات الأمريكية المتعاقبة وتحديدا منذ تولي بوش الابن رئاسة البيت الأبيض وضعت نصب اعينها على إبقاء الشرق الأوسط وتحديدا البلاد العربية على صفيح ساخن ولا تكاد أن تنتهي صفحة صراع إلا وفتحت واشنطن صفحة جديدة وللإشارة إلى ذلك ببساطة منذ حرب الخليج الثانية التي قامت على أثر احتلال العراق لدولة الكويت مرورا باحتلال الولايات المتحدة للعراق في العام 2003 ، وبروز نجم الدولة الاحادي القطبية في العالم بعد افول وزوال نجم الاتحاد السوفيتي وأخر سلاطينة صاحب إعادة البناء أو البريسترويكا الغير مأسوف عليه ميخائيل غورباتشوف والإشارات المتصلة بملفات النزاع في كوريا الشمالية وفنزويلا ومعاهدات الصواريخ والحرب السيبرانية، بالتوازي مع حركة أميركية للضغط العسكري في الخليج والتهديد في سورية، والإسراع بخطوات تسويق صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية ، وهو ما الت إليه الأحداث من عقد القمم الخليجية والعربية والإسلامية في مكة وغير بعيد عن ذلك ورشة العمل الاقتصادية والتي ستعقد في البحرين في نهاية شهر يونيو / حزيران 2019 حيث أن الهدف الذي تسعى إليه الإدارة الأمريكية من مثل هذا المؤتمر هو البدء بتطبيق صفقة القرن بجانبها الاقتصادي، بعد أن خطت خطوات واسعة في تطبيق الصفقة في جانبها السياسي، من خلال جملة من القرارات والتدابير والخطوات التي من شأنها تكريس الاحتلال وشطب حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية المشروعة غير القابلة للتصرف…
القمم التي استضافتها مكة خلال اليومين الماضيين والتي تم تكريسها للتصعيد بوجه إيران وبخلاف القمم العربية وعلى مدار 73 عاما حيث تصدرت ” القضية الفلسطينية ” جدول أعمال القادة العرب في 47 مؤتمر قمة – بخلاف القمة الطارئة التي نحن بصددها حيث زاحم القضية الفلسطينية الملف الإيراني … وللتذكير فقد حل الملف الإيراني على مائدة القمة العربية لأول مرة عام 1980 أثناء اندلاع الحرب الإيرانية العراقية، ليتوالى ذكرها منذ ذلك الحين في غالبية القمم اللاحقة وإلى يومنا هذا …
إلى قمم مكة الأخيرة … فقد واجهت تصعيداً فلسطينياً محرجاً بالإصرار على تثبيت مكانة القضية الفلسطينية كأولوية ومناقشة صفقة القرن وورشة البحرين الاقتصادية الذي قررت الأطراف الفلسطينية مقاطعتها على الصعد السياسية والمالية، حيث صدرت مواقف شديدة القوة والوضوح بإدانة صفقة القرن وورشة البحرين عن قيادة المقاومة الفلسطينية لحركتي حماس والجهاد الإسلامي عشية إحياء يوم القدس الذي دعا لإحيائه الإمام الخميني، وصار تقليداً يشارك بإحيائه الملايين عبر العالم في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان، ، وفي هذا السياق فقد تحدث قياديي حماس والجهاد الإسلامي على المكانة العالية التي تحتلها إيران في الوجدان الفلسطيني لأنها وحدها تقف بثبات وقوة مع مقاومة الشعب الفلسطيني ولا تطلب شيئاً بالمقابل…
وبالعودة إلى القمم التي احتضنتها مكة ، وما تضمنه البيان الختامي من التنديد بإيران وتدخلاتها بالمنطقة العربية وهو في تصوري اتى على خلفية استمزاج الولايات المتحدة بما سوف يصدر عن القمة من قرارات فقد سارعت القنوات الفضائية العربية والعالمية بنقل العواجل عن القمة وغياب مؤتمر صحفي كما هى العادة في مثل هذه القمم الهامة والطارئة … يبرز الاعتراض العراقي على هذا البيان والذي أشار إلى عدم اطلاعة مسبقا على قرارات القمة العربية ويسجل تحفظها علية وفي موازاة ذلك الأمر الغريب الذي تبين من خلال كلمات رؤساء الوفود حيث لم يتطرقوا إلى إيران بالاسم بل اكتفوا بالتنديد بالتدخل الأجنبي بالبلاد العربية وهنا يقصدون تحديدا إيران وتركيا وهو ما يؤشرعلية بمؤتمر التنديد حيث لم يصدر بيان صريح وواضح بتشكيل فيلق عربي للردع وارسال رسائل في جيع الاتجاهات حول موقف عربي حازم وصلب تجاه إيران بل واختفت من المشهد المقولة الشهيرة ” مسافة السكة “…
وفي التوازي مع قمم مكة الأخيرة… هناك على الجانب الأخر حملة تاجر العقارات ترامب على إيران والتي جعلت من إيران ” بعبع المنطقة ” واخذت تصريحات ترامب التويترية بين مد وجزر من تشدد مستشار ترامب للامن القومي بولتون وامام براغماتية ترامب الذي هدد بنهاية إيران إذا ما اقدمت على الضرر بالمصالح الأمريكية وهذا ياتي من منظور رؤية تحقيق مكاسب المصالح لرجل الأعمال ترامب والتصعيد في نبرة الحرب للحصول على قيمة ذهاب وعودة القطعات العسكرية الأمريكية وطلب المليارات من دول الخليج العربية وتحديدا السعودية ” عقود صفقات شراء أسلحة ويتم تسليمها بعد سنتين!! ” هذا من جانب ويضاف إلى ذلك في جانب أخر الضغط على إيران لتوقيع اتفاق جديد معها يحمل بصمة ترامب وتوظيف كل ذلك في حملته الانتخابية القادمة… وهنا وفي اعتقادي ومما شاهدناه من البرود العالمي والعربي تجاه حملة ترامب وما صاحب ذلك ايضا عدم الاكتراث نحو حوادث احراق نقلات البترول في ميناء الفجيرة وسقوط الصواريخ والطائرات المسيرة على حقول النفط في السعودية والتي اجهضت الحملة الأمريكية ولم يبقى منها الا من غيوم الدخان الأبيض المتصاعد من سماء مكة وقرارات العرب المستهلكة…
ولما تقدم فإن الإدارة الأمريكية الحالية تعمل وبشكل حثيث على تسويق ما يسمى الخطة الأمريكية للسلام في الشرق الأوسط وحل القضية الفلسطينية من هذا المنظور وفي شقين هما الشق الاقتصادي والشق السياسي ، فقد جاء الإعلان عن ورشة البحرين الاقتصادية حيث أصدرت البحرين والولايات المتحدة في 19 مايو/ أيار 2019 بياناً مشتركاً عن عقد “ورشة عمل” في المنامة يومي 25 و26 يونيو/ حزيران 2019 بعنوان ” السلام من أجل الازدهار” وتشمل استثمار 65 مليار دولار في اطار خطة السلام، أي بعد عامين من المداولات والمباحثات والاستشارات قادها صهر ترامب ” جاريد كوشنر “، وتمخضت عن “صفقة القرن” التي لا يعرف تفاصيلها ” بما فيهم الزعماء العرب ” سوى عدد محدود جداً من المسؤولين الأمريكيين والشرق أوسطيين حيث سيتم كشف النقاب عن الجزء الأول من خطة ترامب عندما تعقد ورشة البحرين لتشجيع الاستثمار في الضفة الغربية وقطاع غزة وغيرها من دول المنطقة، وفي هذا المنحي هناك الكثير والعديد من الملاحظات التي يمكن التكهن بها لم ستجري عليه الامور في قادم الايام وللتوضيح نشرح ونقول:
1 إن قمم مكة الاخيرة اتت كأرضية تمهيدية لانجاح ورشة عمل البحرين الاقتصادية وفي مسعى من إدارة ترامب للحصول على دعم الحكومات العربية وخاصة الخليجية للخطة لتتحمل العبء المالي عبر تقديم مليارات الدولارات كدعم مالي للفلسطينيين ، واغراء ” رشوة ” للدول التي ستشارك في الورشة بحصولها على دعم مالي يسد مشاكلها الاقتصادية ويسهم في دفع عملية تنفيذ المشاريع الاستثمارية في تلك الدول…
2 ورشة عمل البحرين هى ” رشوة ” بالمقلوب بمعنى أن الولايات المتحدة ستنفذ المشاريع من خلال شركاتها في الضفة وقطاع غزة والدول المنتفعة من عطايا ورشة البحرين… وتصل حصة الضفة الغربية وقطاع غزة الى نحو 25 مليار دولار على مدى عقد من الزمن بينما يتم استثمار الباقي في الدول المحيطة وعلى رأسها مصر والأردن وحتى لبنان إذا وافق على الخطة…
3 اعتقد تاجر العقارات ترامب أن الشعوب العربية مثل البضاعة ” تباع وتشترى” على قارعة الطريق أو في ورش العمل كما هى ورشة البحرين ،ولم يعرف أن الشعوب العربية وتحديدا الشعب الفلسطيني لها مشاعر وضمائر يجب أن ترتاح من صراع امتد لسبعة عقود..
4 الزعماء العرب الذين اجتمعوا في مكة يدعمون صفقة القرن وهى التي لم يتسنى لهم الاطلاع عليها أو حتى معرفة بعض تفاصيلها وخاصة الشق السياسي منها وهو الأخطر في هذه الصفقة أن وجدت أصلا … بل وضع لهم ترامب سلفا ” رشوة ورشة البحرين الاقتصادية ” كما بينا بأعلاه…
5 الإدارة الأمريكية في مشروعها القادم لحل القضية الفلسطينية ما هو إلا تاجيج للصراع ، وهو ليس في صالحنا أو صالح الأجيال القادمة…
6 حتى كتابة هذه السطور فقد أكدت السلطة الفلسطينية رفضها المشاركة في مؤتمر البحرين ودعت الدول العربية إلى مقاطعته وعدم تأييده ، كما أنه لم يصدر عن الأردن اية نية للمشاركة في هذه الورشة أو مستوى الوفد المشارك في حال كان القرار باتجاه المشاركة…
7 أن ورشة عمل البحرين قد وأدت قبل التئامها حيث عبرت الكثير من الدول المدعوة للمشاركة بها عن عدم مشاركتها في هذه الورشة وبخاصة الدول العظمي ، وهذا ما أعلن سفير الصين لدى السلطة الفلسطينية أن بلاده وروسيا الاتحادية لن تحضرا ورشة البحرين الدولية حول الاستثمار في الضفة الغربية وقطاع غزة في إطار تنفيذ المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتحقيق السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي…
8 اعتقد بأنه من النتائج المتوقعة عقب ورشة البحرين بروز معارضة مصرية تجاه ما قد يخرج عن هذه الورشة من قرارات وخاصة إذا ما تعلق الموضوع بالأراضي والسيادة التي تهدد المصالح المصرية، وحسب الخطة ستؤجر مصر مساحة من شبه جزيرة سيناء للفلسطينيين يجري التفاوض عليها بين مصر والجانب الفلسطيني لاحقاً من أجل إقامة مطار ومنطقة صناعية ومشاريع زراعية…. في مقابل ذلك انتفاع دولة الكيان الصهيوني من منحات وهبات ترامب للكيان من الأراضي العربية المحتلة وكأنه الوصي على فلسطين والجولان وغيرها من العواصم العربية…
9 ستتلقى “السلطة الفلسطينية” حسب الصفقة 25 مليار دولار على مدى خمس سنوات على شكل هبات وقروض طويلة الأمد بلا فائدة، وفي حال رفض الجانب الفلسطيني للخطة فإن الإدارة الأمريكية ستوقف كل أشكال الدعم المالي للفلسطينيين وستضغط على الجهات والأطراف والدول الأخرى لتتخذ نفس الإجراء…
10 الإدارات الأمريكية لم يكن لديها أية استراتيجيات واضحة لحل القضية الفلسطينية بل هى زوابع في فنجان ، وهنا لنتذكر مؤتمر مدريد للسلام والذي اتى على وقع تحرير الكويت والمشاركة العربية الواسعة بها والذي اعتبر في حينها الجائزة الأمريكية لحل القضية الفلسطينية وما اعقب ذلك اتفاقيات أوسلو الشهيرة ” باريحا اولاً ” واصبح حال الأمة مثل من ينتظر الأمس فالأمس لن يعود…
ختاما الدول العربية التي ستشارك في ورشة البحرين، لا تقول لأمريكا ” لا ” ،والفلسطينيون صاحب الحق والأرض سيغيبون بل مغيبون لكنهم صامدين على أرضهم مشدودي الظهر بمقاومتهم الباسلة ” المقاومة الفلسطينية في غزة ” وكل أحرار العالم وشرفاء الأمة العربية من خلفهم ، وان الورشة التي اعدت لشراء فلسطين لصالح الكيان الاستطياني ” الابارتهايدي الصهيوني ” أموال عربية لا يتمخض عنها الا ” فَأراً ” لمن يريد الشراء ، وهى مشاغلة تكتيكية أو بالون اختبار ومجرد لقاء يشبه لقاءات سابقة عابرة، جرت وانتهت ” كفقاعة ” ليس لها نتائج، سوى التغطيات الفضائية وإشغال الإعلاميين…!
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/06/05