لماذا غاب ذكر اسم إيران مُباشرةً عن تحقيقات الإمارات المُشتَركة في استهداف ناقلات النّفط؟
خالد الجيوسي
تبدو الإمارات العربيّة المتحدة، عازمةً العقد، على مُواصلة حرصها، على التواجد ضمن تحالفها مع العربيّة السعوديّة، بل وتُشارك بأعلى مُستويات التّمثيل في قمّة مكّة أو قممها، والأخيرة أيّ القمّة، كانت معقودةً بصدد المُواجهة مع إيران، أو اتّخاذ موقف منها، وبدا أنّ العرب اتّفقوا على ألا يتّفقوا حتى في العداء والخُصومة مع الجمهوريّة الإسلاميّة، والأمثلة في العراق وقطر عربيّاً وموقفها الرافض من البيان الختامي دليل ما نقول، وإسلاميّاً، بدا الخطأ البروتوكولي لعمران خان رئيس وزراء باكستان، دليل موقف الرجل الرافض في الشكل لعداء إيران، فهل يُعقل أن رجلاً مُثقّفاً مثل الأخير، لا يُدرك أنّ عليه توجيه كلامه إلى الملك في الاستقبال لا إلى المُترجم؟
المُثير للانتباه، أو المُثير للسخرية حتى بنظر البعض، أنّ بيان القمم تمّت تلاوته مُباشرةً بعد عقدها، ودون التشاور مع الدول، وهي سياسة الأمر الواقع، التي اعتقدت الرياض أنها ستُمليها على الجميع، لكن الثّابت في كُل هذا أنّ المواقف تُقاش في حين عودة كُلٌّ إلى بلده، عاد الجميع فجاء العيد إلى السعوديّة، بينما أُعلن عيد الاستقلال الجديد في كُل من الأردن، فلسطين، واليوم هو ثالث أيّام عيد الفطر السعيد في تلك الدول.
يبدو المشهد أكثر تعقيداً، ففي الحلف الواحد والمقصود السعوديّة، والإمارات، لا تبدو الحماسة للتصعيد مع إيران بذات الوزن، فنتائج التحقيقات التي أعلنتها الإمارات أخيراً حول استهداف سفنها قبالة إمارة الفجيرة، أشارت إلى وقوف إحدى الدول على الأرجح وراء تلك العمليّات، لكن لا يوجد دليل حتى الآن على تورّط إيران، وهذه هي نتائج أوّليّة قدّمتها كُل من الإمارات، السعوديّة، والنرويج الخميس.
الهجمات الأربعة التي استهدفت ناقلات النفط، وبحسب البيان المُشترك الذي أصدرته الدول المعنيّة بالاستهداف، أشار إلى أنّ الهجمات كانت جُزءاً من عمليّة مُعقّدة، ومُنسّقة، نفّذها طرف لديه قدرات تشغيليّة، وهذا الطرف بحسب البيان هو دولة على الأرجح، وتمّ تنفيذ العمليّة بواسطة ألغام ثبّتها غوّاصون استخدموا زوارق سريعة، وتعتبر الإمارات أنّ تحديد تلك الأهداف كان يحتاج إلى قُدراتٍ استخباريّة.
كُل هذه التفاصيل حول العمليّة، ودقّتها، يُراد منها الإشارة أو توجيه الاتّهام إلى إيران التي بدورها رفضت أيّ اتّهام لها بالتورّط بتلك الهجمات، لكن اللافت في كُل هذا، أنّه لم يتم التطرّق إلى أيّ دور مُحتمل لإيران في العمليّات التخريبيّة تلك في جلسة مجلس الأمن خلال إحاطة بالنتائج الأوّليّة للتحقيق المُشترك، وهو ما نقلته الوكالة الفرنسيّة عن دبلوماسيين تواجدوا خلال الجلسة.
هذا “الانضباط” بالتّعامل مع إيران، والتروّي بإلقاء التّهم مُباشرةً حول مسؤوليتها الإضرار بالناقلات الخليجيّة، لدرجة عدم التطرّق لأيّ دور مُحتمل لها، ومع اتّهامات الإدارة الأمريكيّة التي بقيت في إطار “التّرجيحات” لا الجزم، يعود إلى عدّة أسباب نطرحها في نقاط:
– فشل قمم مكّة بالخُروج في موقف عربي إسلامي مُوحّد، ضد إيران، فحتى حُلفاء أمريكا كالأردن ليسوا معنيين بتلك العداوة مع الجمهوريّة الإسلاميّة، حتى على الصعيد الخليجي فاجأت قطر السعوديّة، ورفضت التّصعيد ضد إيران التي وقفت إلى جانبها في أزمة مُقاطعتها، فإذا كان حال البيانات الورقيّة بهذا الشكل الصادرة عن الرياض، فكيف هو حال حلف عسكري تسعى لتشكيله للمُواجهة العسكريّة مع جمهوريّة إيران، المال لا يصنع المُعجزات بكُل الأحوال.
– الإمارات التي حرصت كما أشرنا في بداية المقال، على المُشاركة في قمّة مكّة، هي المعنيّة الأولى باستهداف ناقلاتها، وهي حتى هذه اللحظة لم تُصدر اتّهاماً واحداً صريحاً، يُحمّل إيران المسؤوليّة، وهي بكُل الأحوال تُدرك عواقب الذهاب بعيداً في الخُصومة، ولعلّ حادثة عابرة أخرى للأضرار بناقلاتها ستكون بمثابة كارثة.
– الاقتصاد الإماراتي، سيكون المُتضرّر الأوّل من نشوب حرب مع إيران، والتكوين الاقتصادي الترفيهي السياسي لتلك البلاد، غير مُستعد على الإطلاق للمُغامرة بأمنه واستقراره، وربّما للسعوديّة حليفتها حسابات أخرى في ذلك السّياق، وإن كانت أكثر حماسةً للحرب، وبذات الوقت تسعى للسّلم الذي يوقف تدخّلات إيران على حد قولها في الدول العربيّة.
– إن كان هُناك اتّهام مُباشر من أصله، سيكون صادراً عن الولايات المتحدة الأمريكيّة، وهي التي تتّخذ إدارتها وضع المأزوم، الذي ذهب باتّجاه التصعيد، ويرغب بالتفاوض، لكن الطرف الآخر (إيران) يُصر على إحراجه.
– المعلومات الاستخباريّة بلا شك، أثبتت أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة تمتلك أسلحة الردع، التي من خلالها يُمكن أن تُشعل المنطقة، وأسلحتها ليست مُجرّد “ألعاب” كما يُروّج الإعلام الخليجي هذه الأيّام.
– الحرب مع إيران ليست نُزهةً، وأيّ اتّهام صريح في مجلس الأمن لها، يتوجّب التحرّك فعليّاً ضدها، فها هي وإن تم تثبيت الاتّهامات ضدها، قد أضرّت بمصالح حُلفاء أمريكا، ولم تتحرّك الأخيرة لحماية مصالحهم، لعلّه من الأنسب عدم التطرّق لأيّ دور مُحتمل لإيران في “العمليّات التخريبيّة”، على الأقل بانتظار ما ستؤول إليه مسرحيّة “التّصعيد والتّفاوض”.
نختِم بالقول، ونقولها بصريح العِبارة، أنّنا نتمنّى نصراً مُؤزّراً للجمهوريّة الإسلاميّة على أعدائها في حال اندلاع الحرب، وإن كُنّا نستشعر خشية الجميع منها عدا إيران، فالأخيرة استطاعت بواقع الحال أن تجمع الشارع العربي حولها، أقلّه في موقفها الدّاعم للمُقاومة، ورفضها الصّريح لصفقة القرن، وكما يقول أحد الزملاء: “بحبّش إيران.. بس بحب فِلسطين”، وفهمكم كفاية!
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/06/08