كيف ساهمت السعودية في جعل أنصارالله رقما صعبا في المنطقة وباتت تكتفي بتجميع الإدانات.. وما هو مصير “السعودية العظمى”
طالب الحسني
فشل الحرب على اليمن بات هو الحدث الأبرز مثلما هو الحال بأزمتها الإنسانية التي سببته هذه الحرب ، فضربات القوة العسكرية لحكومة العاصمة صنعاء التي يقودها أنصار الله الحوثيين وتحالفاتهم ، سواء بالطيران المسير أو الصواريخ الباليستية أو غيرها ، من بينها صاروخ ( كروز) ( استخدم لاستهداف مطار أبها فجر الأربعاء 12/6/2019 وأخرجه عن الخدمة ) وتستهدف العمق السعودي ، نقل المعادلة رأسا على عقب ، وأصبح مصطلح الفشل السعودي في اليمن يطغى على ما اعتبره البعض ” فزعة ” لإعادة عبد ربه منصور هادي وفريقه إلى ” قصر السبعين الرئاسي ” في العاصمة صنعاء
ردود الفعل السعودية الرسمية والمناصرون لها ( بات هولاء يتناقصون ) تجاه الضربات اليمنية الأخيرة وأبرزها استهداف مضخات وانابيب النفط في العفيف والدوادمي شرق الرياض ومؤخرا مطارات جيزان ونجران وأبها ، والسيطرة البرية على 30 موقعا عسكريا سعوديا داخل عمقها خلال 72 ساعة بحسب تصريحات المتحدثين العسكريين اليمنيين ، هذه الردود باتت تركز على استدرار وتجميع الإدانات العربية والاسلامية الاقليمية والدولية للحد الذي جعل الرياض تعقد ثلاث قمم دفعة واحدة ” قمم مكة ” في العشر الأوخر من رمضان ، بمثابة إعلان الهزيمة والفشل في هذه الحرب التي يقودها ” تحالف سعودي إماراتي ” وبغطاء أمريكي وشبه أوروبي وبتساهل من الأمم المتحدة إن لم يكن تواطئا وخصوصا منذ وضع اليمن تحت بند الفصل السابع وإصدار القرار الدولي 2216 وهو قرار جائر ، وأحد الأسباب في جر السعودية واليمن إلى هذا المربع
بلا شك أن التصور السعودي وربما الأمريكي أيضا لنتائج هذه الحرب العدوانية كان مختلفا ، فالرياض اعتقدت أن غزو اليمن والإطاحة بما اعتبرته ” انقلابا ” وهو ( لم يكن كذلك ، بل كانت ثورة تعاطف معها متضررون كثر أبرزهم حركة أنصار الله التي قادت هذه الثورة ) ، من أداء وضعف وفساد القوى المحلية اليمنية التي سقطت في 21 سبتمر 2014 ، اعتقدت السعودية للوهلة الأولى التي أطقلت فيها ما أسمتها ” عاصفة الحزم في 26 مارس 2015 أنها ستخطوا الخطوة الأولى نحو ” السعودية العظمى ” التي سيخضع لها الجميع في الجزيرة العربية وربما المنطقة ، على قاعدة أضرب الأضعف يخضع لك الأقوى
هذا الطموح كان حلما قديما رواد السعودية وحكامها منذ منتصف القرن الماضي ، ولهذا واجهت لتحقيق ذلك ، أكثر من مشروع وأبرزه المشروع القومي اليساري ، ومسار الصراع مع جمال عبد الناصر ، وصدام حسين ، وحافظ الأسد والحركة القومية العربية بل وبعض الحركات الإسلامية لا يزال حاضرا في تعاطينا مع التأريخ العربي المعاصر ، وتأريخ صراعات السعودية تحديدا
نعم هناك بعد آخر إلى جانب نزعة السعودية للاستحواذ والسيطرة ، هو ” صراعها مع إيران ” وبعد ثالث هو مواجهة الزلزال الذي أحدثه الربيع العربي 2011-2012 بالاستفادة من المعمعة التي دخلت فيه المنطقة العربية ، أضف إلى ذلك بعدين آخرين لفهم ، القراءة السعودية قبل الدخول ،أو بالأحرى التورط في الحرب على اليمن ، هذين البعدين هما ، مجيئ قيادات شابة طامحة في الخليج ، السعودية ، الامارات ، قطر ، لديها وفرة مالية هائلة ، والإنجرار الأمريكي الغربي ، وراء تحقيق ” خارطة جديدة او شرق أوسطي جديد ” كما أطلق عليه الأمريكيون .
نعود إلى الانعكاسات التي حصلت ولم تتوقعها السعودية منذ قرار شن العمليات العسكرية في اليمن ، فالحرب التي كانت مرسومة ، بحيث تنتهي خلال الأشهر الأولى بانتصار سعودي إماراتي والتخلص من خصم لدود وعنيد وتجاوز حروب ، الرئيس السابق علي عبد الله صالح ، الست ، بل وخرج منها منتصرا أقصد هنا حركة أنصار الله الحوثيين ، هذا الانتصار الذي ربما لم تكن تشك فيه الرياض كان سيمنحها تحولا كبيرا ودفعة قوية لنقل المعركة نحو سوريا وحزب الله ، وأنا في هذه الجزئية لا أحلل ولا أخمن بل التصريحات التي كان يطلقها أنصار السعودية ” وصقورها ” كانت تشير إلى ذلك وترسم خارطة جديدة لشكل المنطقة العربية ومستقبلها لجهة أن تصبح السعودية هي من تقود زمام الأمور بمباركة ودعم أمريكي وغربي ، والأخطر من ذلك بشراكة اسرائيلية ، ومن يشك فعليه العودة إلى رحلات وزيارات الجنرال السعودي أنور عشقي إلى تل أبيب وحديثه المتكرر حول ما اعتبرها ضرورات وحلول لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي بالشراكة مع هذا العدو التأريخي للأمة العربية
لقد جرت هذه الحرب على اليمن السعودية والإمارات إلى ضفة أخرى ليس فيها هذه الأحلام ولا هذه الأمنيات ، فهذه المزايا ونقاط القوة المفترضة تفككت وتناثرت كالسبحة في الجبال والسهول اليمنية ، ويستحيل على السعودية تجميعها ، وما يحدث هو الذهاب نحو الإنحدار ، وربما المجهول ، فالسعودية التي كانت تمتلك إجابات كثيرة لأسئلة قليلة حول المنطقة ، لم تعد تمتلك إجابات لأسئلة كثيرة عن مصيرها للحد الذي لا تستطيع أن تكون وسيطا بين أزمتين ، لأنها طرف في كل ازمة ، وعددوا هذه الأزمات ، من اليمن إلى سوريا إلى لبنان ، إلى ليبيا ـ إلى مصر ـ إلى السودان ، وحتى إلى جارتها قطر
يتبادر إلى الأذهان اليوم في الحرب ” السعودية اليمنية ” إن جاز التعبير ، أن الفشل السعودي المحتم صنع من حركة أنصار الله الحوثيين رقما صعبا ، يستحيل تجاوزه في اليمن ، فكونهم على رأس القوى الوطنية التي تواجه هذه الحرب المفتعلة سعوديا وإماراتيا ، فهذا يعني أن مستقبل اليمن لن يكون بدون أنصار الله كرهت السعودية ذلك أوسلمت له فلم يعد الأمر بيدها ، بالإضافة إلى تحولهم قوة جديدة ضمن القوى الإقليمية المناهضة للسعودية وللولايات المتحدة الأمريكية .
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/06/14