الحرب الأميركية المحتملة على اليمن... مشروع انفجار إقليمي!
د. وفيق إبراهيم
انهيارٌ سعودي إماراتي يتقاطع مع قلق غربي عام من احتمال حدوث اضطراب في الوظيفتين الأساسيتين للخليج عند الغرب، وهما: النفط والقدرة الهائلة على استهلاك البضائع الغربية من الإبرة إلى المدفع وحتى لباس الرأس العربي، وكل ما يحتاج إليه الإنسان المُجمَّد في القرون الوسطى.
الأسباب هي تلك الصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية التي تنهال وبتقطع مدروس على أهداف نفطية ومطارات في السعودية والإمارات، والاختراقات البطولية التي اجتاح فيها مقاتلون يمنيون مناطق حدوديّة سعوديّة في جيزان ونجران.
هناك إذاً تحوّل من مرحلة التعامل مع العدوان السعودي الإماراتي الغربي الإسرائيلي إلى مستوى امتصاص الصدمة والبدء بمهاجمة المعتدين على أراضيهم في السعودية والإمارات بطريقة تدريجيّة.
بذلك وضع أنصار الله وحلفاؤهم منطقة الخليج والنظام الغربي العام أمام واقع جديد، محصلته أن استمرار العدوان على اليمن يعني عرقلة إمداد الغرب بنحو عشرين مليون برميل نفطي خليجي تحملها ناقلات تتهادى قبالة سواحل اليمن من بحري عدن والأحمر والمحيط الهندي، بما يضعها تحت رحمة رشقات حجارة يرميها صياد يمني عابر.
وهناك أيضاً الصادرات الغربية المفتوحة على أنواعها إلى بلدان الخليج، هذه بدورها مهددةٌ بالتقلص من أعمال العنف المتبادلة في شبه جزيرة العرب.
لقد بدا الاهتمام العربي الكبير في سيل تصريحات لمسؤولين أوروبيين وأميركيين دقوا فيها نفير الاستنفار كاشفين أن سلامة الاقتصاد الغربي هي الآن على المحك وصولاً إلى حافة الانهيار، وتبعتها على الفور انفجارات في بحر عمان، وذلك للتأكيد على ضراوة المرحلة.
يتبين أن هناك تقهقراً سعودياً إماراتياً كبيراً أصبح تهديداً لمصالح الغرب في الخليج. وهنا يكفي أن يُطلق اليمنيون بضعة صواريخ كروز شهرياً بالتزامن مع طائرات مسّيرة حتى يولي الاقتصاد الغربي في الخليج الأدبار فاراً إلى بلدانه.
لأن المسألة هنا ليست موازنات قوى بين بلد متواضع كاليمن يعتزُ ببسالة أبنائه وكبريائهم وبين قوى عظمى مدججة بالسلاح حتى الأنياب.
بل إنها مسألة الانتماء والتموضع، بدليل أن أقصى درجات الحرب قام بها السعوديون والإماراتيون بدعم غربي عربي إسرائيلي ولم يتمكنوا من إلحاق هزيمة بإمكانات يمنية متواضعة أبرز اهمياتها هي صلابة الرجال قبل السلاح.
لذلك وصلت الحال بآل سعود وزايد إلى الإعراب عن قلقهم على دور الغرب في النفط والاستهلاك في الخليج، مركّزين على رعبهم من انحسار تصدير النفط وفرار المستثمر الغربي من أراضيهم.
من جانب آخر يركّز الإسرائيليون على ما يزعمون أنه إرهاب يمني يتهدّد العالم بأسره، ويساندهم وزير الخارجية الفرنسي لودريان الذي اتهم أنصار الله بقصف السعودية والانقلاب على «النائم وهو واقف» عبد ربه منصور هادي، متناسياً نحو 20 ألف قتيل يمني من المدنيين سقطوا بنيران طائرات العدوان السعودي الإماراتي وعشرات آلاف الشهداء من المقاتلين، متغافلاً عن تدمير بنى تحتية كاملة ومواقع حضارية لم يسمع بمثلها آل سعود ما يكشف عن محاولات خليجية إسرائيلية أوروبية لحض الأميركيين على قصف اليمن جوياً وبحرياً والدعم المباشر للقوات السعودية الإماراتية لاجتياح الحديدة. وهناك معلومات تتحدث عن احتمال تحضير المخابرات السعودية الإماراتية والإسرائيلية لهجمات تستهدف المدنيين في الخليج، خصوصاً من اصحاب الجنسيات الأميركية والأوروبية بهدف تغطية هجمات أميركية محتملة.
ما يجري إذاً هو محاولة لكسر قوة أنصار الله لاستمرار الوظيفتين النفطية والاقتصادية للخليج، بما يضمن سحب دور انصار الله الإقليمي وحصارهم في صنعاء وحتى أعالي صعدة.
فهذا يُؤدي على الفور إلى «كنتنة» اليمن والسطو على إمكاناته الاقتصادية والاستراتيجية وسحب عنفوانه التاريخي والمعاصر.
فهل هذا السيناريو قابل للتنفيذ؟
التوسل السعودي الإماراتي لن يجدي نفعاً، لأن المنطقة لم تعُد كما كانت عليه في العقود الماضية ولم تعد كما كانت في مطلع هذا القرن عندما اجتاح الأميركيون العراق واحتلوه منذ 2003 وحتى الآن، لأن الرئيس العراقي السابق صدام حسين اجتاح الكويت محاولاً ضمها إلى العراق.
وهذه كانت عاقبة مَن يتجرأ على الوظيفة النفطية الغربية للخليج.
بيد أن المتغيرات المتسارعة في المنطقة العربية والشرق الأوسط أدّت إلى تراجع الأحادية الأميركية فيها مقابل صعود إيراني روسي مع دور كبير للدولتين في سورية والعراق وحزب الله.
أدت هذه الانبعاثات إلى ترابط معنوي ومادي كبير بين المنتفضين على الهيمنة الأميركية من اليمن إلى إيران فسورية والعراق ولبنان، فأصبح كل طرف من هذه الحلقة يشعر بأهمية المحافظة على مكونات هذا الحلف الاستراتيجي، لأن استفراد الحلقة يؤدي إلى إصابة الحلف بكامله.
وكما أن الاميركيين تأكدوا من أن الحرب على إيران هي حرب في كامل الإقليم وعلى الأميركيين، فإنهم يدركون اليوم أيضاً أن استهداف أنصار الله في أعالي اليمن أو الحديدة أو في أي مكان هو استهداف لحزب الله وسورية والعراق واليمن وإيران في آن معاً، فهؤلاء يترقبون أي حركة معادية ليهبوا هبة رجل واحد من شأنها زعزعة الإقليم بأسره.
لذلك يجد الأميركيون أنفسهم محاصرين بمنطق المضطر للبحث عن وسائل سياسيّة صرفة، للمحافظة على وظائف الخليج الاقتصادية والنفطية، وذلك بعد استنفادهم لكل المحاولات العسكرية بواسطة الإمارات والسعودية، ولن يغامروا بالقصف الجوي لأنهم متأكدون من زعزعة الأرض تحت أقدامهم وأقدام السعوديين والإماراتيين. هذا ما يشجع على إعادة تأهيل اتفاق ستوكهولم السويدي وإرغام الفريق السعودي الإماراتي على تنفيذه بانتظار فرصٍ افضل لتغيير المعطيات الحالية.
أما ما يقوله لهم أنصار الله فهو أن هذه المعطيات الايجابية تتجه إلى مزيد من القوة انطلاقاً من اتفاق السويد وحتى مرحلة تحرير كامل اليمن وحتى حدوده مع عمان والسعودية، محتفظاً بحقه في استعمال وظائفه الإقليمية عند كل خطر خليجي أو أميركي إسرائيلي.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/06/14