ترامب لم يستعجل الإيحاء أنّ الطائرة الأميركية أسقطت عن طريق «الخطأ»
روزانا رمّال
معروف أنّ الطلعات الجوية العسكرية للطائرات الإسرائيلية السورية تمادت بتكثيف استهدافاتها ذهاباً وإياباً، وتحديداً قصف سورية مستخدمة الأراضي اللبنانية بشكل مستفز للطرفين. ومعروف أيضاً أن فكرة الرد السوري على هذه الغارات لا تزال غير مفهومة من قبل بعض المؤيدين للرئيس السوري بشار الأسد من جهة وحلفائه من جهة أخرى، خصوصاً عندما يصدر عن الرئاسة السورية أن الرد سيكون بالمكان والزمان المناسبين.
الأمر نفسه اتبعه حزب الله بمستوى آخر ومنطق آخر. وغالباً ما كان يرد على اغتيالات قياداته في لبنان وسورية بالطريقة التي يراها مناسبة، لكن في حالته مفهوم التروي. فهو مقرون بالتحضير والتنسيق لعملية محققة الأهداف ومؤكدة الإصابات محصورة بالأهداف العسكرية الإسرائيلية من دون أن تؤدي إلى حرب أو مواجهة كبرى.
يؤخذ على المحور المؤيد لسورية وحزب الله ومن ورائهم روسيا وإيران أن هذا المنطق قد يعطي اسرائيل الفرصة بالتمادي أكثر والإمعان بالقصف وإرسال رسائل أن سورية لا تتمتع بأي نوع من أنواع السيادة وأن حلفاءها غير قادرين على ضمان أو حصول على معاهدة بعدم طلعاتنا الجوية وأن «إسرائيل» يمكنها أن تقصف من دون أن يرد عليها الجيش السوري في عمقها. مع العلم أن دفاعاته الجوية تصدت في أكثر من مرة للصواريخ الإسرائيلية وأنزلت جزءاً كبيراً منها.
يقوم منطق حزب الله وحلفائه وتحديداً إيران على ارضية واقعية قوامها أن مواجهة الآلة العسكرية الغربية هو أمر غير وارد نظراً لعدم تكافؤ القدرات العسكرية والتكنولوجية بين الطرفين، لكن ما يعطي نقاط قوة بالنسبة للحلفاء هو ارتباط الملفات والظروف التي تجعل من أي ضربة أو رد سوري على «إسرائيل» مقتلاً في الأمن الحيوي الذي يحتاج إلى سنوات من الترميم. هكذا تقول تجربة حرب تموز التي أرخت تغييراً كاملاً في أجهزة الاستخبارات والأمن في تل أبيب ومعها تخطي الأثر النفسي الكبير الذي لحق بالشارع الإسرائيلي يومها. الظروف والجغرافيا تلعب لصالح إيران وحلفائها. وفي هذه الحالة يفسر منطق الردع الذي يشوب الخليج اليوم من مغبة اندلاع حرب بين الولايات المتحدة وإيران تستفيد منها «إسرائيل».
هذا المفهوم مفترض ان يكون مقروناً بحركات المقاومة تاريخياً التي تتروى غالباً قبل تسديد أي ضربة لأنها لا تعيش ترفاً لا بالسلاح ولا بالظروف، لكن المفاجأة جدية اليوم التي شهدت عليها شعوب الشرق الاوسط والخليج من رئيس أميركي معروف بأنه أكثر من خدم «إسرائيل» في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية الحديث بشهادة نتنياهو وأغلب المتطرفين في البيت الداخلي الإسرائيلي وهو الرئيس دونالد ترامب الذي حظي بدعم كبير أثناء الانتخابات الأخيرة من اللوبي الصهيوني ولا يزال يترقب دعماً مماثلاً في الدورة الثانية.. مفهوم سنرد بالمكان والزمان المناسبين هو تماماً ما أراد ترامب إيصاله بطريقة أو بأخرى أمام إحراج كبير سببه نجاح الإيرانيين بإسقاط طائرة أميركية مسيرة يُطلق عليها طائرات الاستطلاع البحري واسع النطاق 737 BAMS-D . تقول الصحافة الأميركية إن واشنطن تمتلك فقط 4 منها وهي أصبحت اليوم تمتلك فقط ثلاثاً، وإن ثمنها يبلغ 220 مليون دولار.
حقيقة الطائرة وأهميتها العسكرية هي السبب في تصريحات ترامب المربكة التي بدت واضحة عندما قال إن إيران قد تكون أسقطت الطائرة المسيرة عن طريق الخطأ والسبب الآخر غير تسخيف الحدث هو الفضيحة العسكرية التي أكدت اليوم على حقيقة أن الوضع بالغ الخطورة وأن لإيران قدرات كبيرة. هذه الطائرة يمكنها مراقبة أمن أي دولة من دون دخولها واستهدافها شبه مستحيل نظراً لأنها تحلق على علو شاهق هو 65 الف قدم. كل هذا يعني أن طهران تمتلك سلاحاً متطوراً. والحديث هنا طبيعي حول اس 300 الروسية.
يقول ترامب إن شنّ حرب بهذه الحجة غير متكافئ، محاولاً الهرب من أي خطوة حالياً، وهو كان قبل ذلك أعلن أن الولايات المتحدة لن تعلن متى ستردّ على إيران وتستهدفها. وفي هذا تذكير كبير بمواقف حلفاء إيران الذين من الطبيعي الحديث عن لغة التأجيل طالما أنها واقعة ضمن إطار الدفاع، إلا أن هذا غير مقبول أو مبرر من دولة عظمى بسلاح اول في العالم الذي عودت الدول على ردود فورية، حفاظاً على مهابتها، خصوصاً أنه لديها خرائط وبنوك أهداف للاستهداف.
بالعودة إلى الطائرة «الحدث» لا يجب التقليل من استهدافها الذي شكل تحولاً كبيراً وكشف عن مستوى أي حرب مقبلة، يقول موقع دايلي بيست الأميركي، إنه من غير المرجّح أن يوقف البنتاغون استخدام هذه الطائرة التي تحوز على إعجاب قادة العمليات الذين يحتاجون خدماتها حالياً أكثر من أي وقت مضى، لكن يمكن تغيير طريقة خدمتها… أما مجلة التايم فقالت إن إسقاط هذه الطائرة يشير إلى أن طهران لديها قدرات عسكرية أكبر مما تعلمه واشنطن عنها، مشيرة إلى أنه تصعب إصابتها بسبب الارتفاع الذي تطير فيه… وهنا بيت القصيد..
الردّ في الزمان والمكان المناسبين لم يعد حكراً على محور محدد، لأن موازين القوى كلها تبدّلت اليوم وإسقاط الطائرة المسيرة لا شك لأخذ الامور إلى مكان آخر ووسع دائرة الحساب الأميركي ولم يعد قادراً من الآن فصاعداً اللعب بورقة الحرب على إيران انتخابياً بالنسبة لدونالد ترامب المحرج بكل الأحوال اليوم.
ترامب لم يكن ساذجاً أو كاذباً عندما قال إن إيران استهدفت الطائرة عن طريق «الخطأ»، بل إن وقع المفاجأة الكبرى بالمسّ بهيبة السلاح الأميركي المتطور كان سبباً بليغاً في التقليل من المشهد إعلامياً.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/06/22