إسقاط الطائرة الأمريكية وإستراتيجية المواجهة الجديدة!
حسن مليحات (الكعابنة)
في خطوة من شأنها تصعيد حدة التوتر في المنطقة أعلنت قوات الحرس الثوري الإيرانية فجر يوم الخميس إسقاط طائرة تجسس أمريكية مسيرة بعد اختراقها المجال الجوي الإيراني، وأصدرت العلاقات العامة في الحرس الثوري بيانا رسميا ذكرت فيه بأن الطائرة الأمريكية المسيرة هي من طراز غوبال هوك دخلت المجال الجوي الإيراني وتم إسقاطها بصاروخ أرض- جو أطلقته القوة الجو فضائية التابعة لقوات الحرس الثوري الإيراني في محافظة هرمز كان في جنوب إيران في تمام الساعة 4:05دقائق صباحا ، يأتي ذلك في سياق المواجهة المحتدمة بين طهران وواشنطن التي حذر المراقبون من احتمالية تدحرجها إلى حرب شاملة ومدمرة مع مرور الوقت . .
في خضم تلك الأحداث الدراماتيكية في بداية الأمر نفت وزارة الدفاع الأمريكية وجود أي طائرة أمريكية فوق المجال الجوي الإيراني وبعد فترة وجيزة أكد مسؤول أمريكي لوكالة رويترز الإخبارية أن طائرة تابعة للبحرية الأمريكية تنتمي إلى طارز تريتون أم كيو 4 سي جرى إسقاطها بصاروخ أرض- جو إيراني في الأجواء الدولية فوق مضيق هرمز ، وجاءت تلك التطورات بعد ارتفاع منسوب التوتر في المنطقة عقب إعلان إيران يوم الاثنين الماضي بأنها ستتجاوز الحد المسموح لها من اليورانيوم المخصب بحسب الاتفاق النووي الإيراني الذي تم التوصل له في العام 2015 وانسحب من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، لا شك بأن إيران بإسقاط الطائرة الأمريكية أحدثت تحولا كبيرا في إستراتيجية المواجهة بينها وبين أمريكا التي انتقلت من مرحلة التهديد الكلامي إلى التهديد والاستهداف العسكري المباشر وتكون بذلك انتقلت من مربع الدفاع إلى إستراتيجية الهجوم الدفاعي وهنا تثور عدة تساؤلات :- ما هي دلالات إسقاط الطائرة الأمريكية ؟ وهل تسعى إيران بالفعل إلى حرب محدودة ؟
ما من ريب بأنه وبالنظر والتدقيق بإمعان في المعلومات المتوفرة عن طائرة التجسس الأمريكية من قبل شركة نورثروب غرومان المصنعة للطائرة فإن ذلك النوع من الطائرات يستطيع الطيران لمدة 24 ساعة متواصلة والعمل على مساحة 8200ميل بحري وتحمل 900كيلو غرام من الأجهزة التجسسية وصنع غلافها من الألمنيوم وتستطيع التحليق على ارتفاع 65 ألف قدم ويتحكم بها في غرفة السيطرة أربعة أشخاص ،وتقوم الطائرة بالاستطلاع وممارسة أنشطة الاستخبارات والتجسس فوق المحيطات وهي قادرة على استهداف وحدات بحرية كما يمكنها كشف الأهداف من مدى بعيد باستخدام الأشعة فوق الحمراء وهي مزودة بأنظمة التخفي عن الردارات ويبلغ طول الطائرة نحو 14.5 متر وارتفاعها نحو 4.7 متر وتزن الطائرة 6779كيلو غرام وتصل سرعتها إلى 357 ميل في الساعة وحلقت في الجو لأول مرة في العام 2013 ونفذت عمليات في العام 2018 وتصل تكلفتها إلى حوالي 130 مليون دولار أمريكي ويصعب استهدافها إلا من خلال منظومة أس 400 الروسية للدفاع الجوي وتقول عنها مجلة جينز البريطانية بأنه ليس هناك في تاريخ البشرية طائرة أكثر تطورا من الغلوبال هوك على الإطلاق ، إيران بإسقاط الطائرة الأمريكية الأكثر تطورا دخلت مرحلة جديدة في الشق العسكري خصوصا وأنها كانت قد أعلنت عن وقت إقلاع الطائرة الأمريكية من قاعدة الظفرة في دولة الإمارات العربية بشكل دقيق ووقت دخولها المجال الجوي الإيراني ومن ثم قامت باستهدافها وقت عبورها الأجواء الإيرانية وهي بذلك مرغت الهيبة العسكرية والتقنية الامريكية في التراب ولا تستطيع امريكا تجاوز مضاعفاتها دون رد ، فالتقنيات الامريكية للحرب الالكترونية لم تعد مجدية في مواجهة ايران التي كشفت سرها وتراقب كل التحركات الامريكية مهما كانت درجة تخفيها ،فاسقاط الطائرة يمثل حدثا فارقا ولا احد يستطيع التكهن الي اين ستقود التطورات في المنطقة أنها بكل بساطة ضربة لكل منظومة القيادة والتحكم الأمريكية في عرين عرش التكنولوجيا العسكرية الأرقى في العالم ، فان سكت الرئيس الأمريكي ترامب عن الرد خسر وأن أمر بالرد يكون بذلك سقط في الفخ الإيراني الساعي إلى استدراج أمريكا إلى الحرب لاستنزافها عسكريا واقتصاديا ، إن من اسقط الطائرة الأمريكية وبكل واقعية هو يملك تقنيات لا يملكها الروس أو الصينيين ولا يملك مضاد لها سوى الأمريكيين أنفسهم وبالتالي فأن المنظومة التي جرى استهداف الطائرة الأمريكية بها هي أكثر تطورا من منظومة اس 400 الروسية التي زعمت صحف روسية بأن الرئيس بوتين رفض بيعها لإيران
في سياق التصعيد الحاصل والتأزيم وبحسب المطلعين على الشأن الإيراني يمكن القول بان إيران تسعى إلى استدراج الأمريكيين إلى حرب محدودة لتلقينهم درس يجعل من حساباتهم أكثر دقة وتدفعهم إلى إنهاء حربهم الاقتصادية خوفا من الخسائر الكبرى في المواجهة العسكرية الشاملة ، في الحروب التي تخوضها أمريكا يأتي التفوق الأمريكي الالكتروني أولا ودقة الإصابة ثانيا وشل قدرة التواصل والرؤية لدى ضحايا أمريكا ثالثا وإذا أثبتت إيران ما أثبتته اليوم ،فهذا يعني أن التفوق الأمريكي ليس واقعيا وان من اسقط الطائرة الأشد تطورا يمكنه إسقاط أي هدف أخر ، علما بأن الطائرة التي سقطت هي فخر التكنولوجيا العسكرية الأمريكية وغير قابلة للاستهداف بل أنه لا يوجد في الولايات المتحدة الأمريكية وسيلة لإسقاطها لو تعرضت لعطل طاريء سوى برنامج التدمير الذاتي . .
إزاء تلك الأحداث والمعطيات نخلص إلى القول بأن إسقاط طائرة التجسس الأمريكية يحمل عدة رسائل من ضمنها أن إيران حينما تقوم بعمليات فأنها تعلن مسؤوليتها بكل صراحة وأن اختراق السيادة والأجواء الإيرانية هي من الخطوط الحمراء وأن إيران لن تتراجع عن مواقفها ، ومن جهة أخرى فان الرسالة المهمة لبعض اللاعبين الإقليمين خصوصا إسرائيل ودول الخليج الذين يسعون لإشعال نار الحرب بأن إيران لن تتنازل عن مصالحها في المنطقة وأن الخطوط الإيرانية الحمراء ليست في وقوع الحرب بل هي مستعدة لكل الخيارات المفتوحة وأن إيران هي دولة عصية على الهيمنة والإخضاع.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/06/24